24 مارس 2024

قراءة تركيبية مختصرة للمسيحية بالمغرب

قراءة تركيبية مختصرة للمسيحية بالمغرب

نسمع في القرن الخامس الميلادي يوحَنا فَم الذًَهَب jean chrysont يؤكد :”لقد أقيمت الهياكل في كل مكان،عند الرومان و الفرس و سكان سيتيا (جنوب روسيا)،و موريتانيا و الهند..” (1)،و ذكر موريتانيا في هذا السياق يتبثُ أن المسيحية كانت بالمغرب القديم الذي كان يدعى بهذا الإسم “موريطانيا الطنجية” أو “طنجستا”،لكن خلال أواخر القرن السابع الميلادي،بدأ التقلص المسيحي بشمال إفريقيا إتر ظهور الإسلام،و خاصة أثناء وصول عقبة بن نافع إلى هذه البقعة الجغرافية (681 – 683 م) حيث كان في هذه المنطقة الجغرافية بالقرن الثالث الميلادي نحو ثلاثين مجمع كنسي إفريقي،و ما يقارب ستمائة أسقف في عهد القديس أوغسطينوس (2)،و قد ظهرت المسيحية في العصور الرومانية بالمغرب،و أعتبر الأمازيغ الأولون الذين إعتنقوا المسيحية رومانيون عكس الذين حافظوا على لغتهم الأم و ثقافتهم الأمازيغية (3)،و وفقا للتقاليد المسيحية،أستشهد القديس مارسيلو في (28 تموز 298) في مدينة طنجستا المغربية (طنجة اليوم)،و أصبح المغرب في هذه الفترة جزء من أبرشية hispaniae.

أولاً = إحياء المسيحية خلال القرن 19 و 20

أعيد إحياء الحضور المسيحي في المغرب خلال القرنين التاسع عشر و العشرين،و ذلك مع قدوم عدد كبير من المستوطنين و المهاجرين الأوربيين أغلبهم من فرنسا و إسبانيا و بلجيكا و إيطاليا..إلخ،و ينتمي هؤلاء المهاجرين إلى الكنيسة الكاثوليكية مع وجود لأقلية بروتستانتية،إنتعشت الرسالة التبشيرية المسيحية بالمغرب،فبنيت الكنائس (4)و المدارس و المؤسسات المسيحية،و أعيد تأسيس أبرشية كاثوليكية،سنة (1838)،و تحول عدد من المغاربة إلى المسيحية في هذه الفترة،و من المسيحيين المغاربة الذين اشتهروا في بداية القرن العشرين،”الأب جون محمد بن عبد الجليل” و المبشر مهدي قصارة كما تقول الموسوعة الحرة (ويكيبيديا wekibidia)،و قد بنيت 25 كنيسة مرخص لها في الرباط و فاس و سلا و الدار البيضاء و وجدة و الناضور و طنجة و أكادير و الجديدة و العرائش و الفنيدق و مكناس منذ دخول الإحتلال الفرنسي سنة (1912)،كما أن كاتدرائية الدار البيضاء العملاقة saint pierre eglise du sacre – coeur de casa blanca تم تدشينها سنة (1930 م).

تمتلك الكنائس و خاصة الكاثوليكية العديد من المؤسسات الإجتماعية و التعليميًة،على سبيل المثال تضم مؤسسات التعليم الكاثوليكي بالمغرب ستة عشرة مؤسسة موزعة على الأراضي المغربية،أربع مؤسسات بالقنيطرة و خمساً بالدار البيضاء،و ثلاثة في مدينة الرباط،و واحدة بمكناس،و اثنتين بالمحمدية،و واحدة بمراكش،فضلاً عن عدد من دور الأيتام.

كما و إفتتح سنة (2013) معهد الموافقة في العاصمة الرباط،و الذي يهدف إلى تدريس اللاهوت المسيحي للكاثوليك و البروتستانت و تكوين المكونين المسيحيين الكاثوليك و البروتستانت أيضاً،و أحدث هذا المعهد بتعاون بين معهد باريس الكاثوليكي و كلية اللاهوت البروتستانتي باستراسبورغ،و يهدف معهد الموافقة إلى توفير التعليم الأكاديمي في اللاهوت باللغة الفرنسية،و قد وضع برنامج أكاديمي جاد و شامل على مدى خمسة سنوات يسعى إلى التوازن بين متطلبات و احتياجات اللاهوت البروتستانتي و الكاثوليكي بالمغرب.

كانت أول مطبعة عربية إسبانية بتطوان أسسها الأب ليرشوندي lierchondi،سنة (1867) كما أسس سنة (1877) بطنجة مستشفى و إعدادية للذكور و معهدا لتعليم العربية للفرنسيسكان بتطوان،و رغم وجود مبشرين مسيحيين بالمغرب،بين (1839) و (1847) فإن البروتستانت و الأنجليكان إنما ظهروا بالصويرة منذ سنة (1875)،و في سنة (1900) كان بالمغرب سبع إرساليات تبشيرية موزعة على مراكز بفاس و مكناس و صفرو و مراكش،و في سنة (1921) بلغ عدد المبشرين إثنين و ثلاثين، موزعين في بركان و جدة و كرسيف و القنيطرة و الدار البيضاء و الجديدة و مراكش و الصويرة و واد زم و مكناس و الرباط و سطات و أسفي و تاوريرت و تازة و تادلا،و لم تخفي البعثات و الإرساليات رغبتها في التبشير بالمغرب منذ سنة (1915) (5)،مستعينة بأمثال ميشو بيلير micho bellier الذي خبر ثقافة المغرب و جغرافيته،و مشجعة بالنتائج التي حققتها بمنطقة القبائل الجزائرية (6) فمن هنا بدأ العديد من الأمازيغ يقبلون على المسيحية،و قد كان للمستشرق الفرنسي لويس ماسينيون louis masinion دور كبير في ذلك،فقد تشجعت الكنيسة الكاثوليكية بعد قبول محمد بن عبد الجليل للمسيحية كرسالة من أجل الخلاص الإنساني ،سنة (1928)، ،و قد تضاعف نشاط الإرساليات و البعثاث المسيحية بالمغرب سنة (1935) (7)،و تقول الكنيسة الكاثوليكية بأسقفيتها بمدينة الرباط،أن عدد المتحولين للمسيحية بلغ 185 متحولاً سنة (1939) (8) و بعد سنوات تقرر وضع نظام رسمي للكنيسة الكاثوليكية بالمغرب في رسالة وجهها الملك الحسن الثاني،يوم (30 ديسمبر 1983) إلى البابا يوحنا بولس الثاني (9).

و قد عرف المغرب في سبعينات و ثمانينات القرن الماضي تحول للمئات من المسلمين للمسيحية،و في بداية سنة (2009)،دق وزير الأوقاف و الشؤون الإسلامية ناقوس الخطر بعد أسبوع من تصريح أحد المسيحيين المغاربة بمسيحيته عبر قناة الجزيرة في “الحصاد المغاربي”.

ثانياً = وضع المسيحيين المغاربة في بداية القرن 21

الوضع الحالي للمسيحيين المغاربة لا يختلف عن سبعينات و ثمانينات القرن الماضي،إذ معظم المسيحيين لازالوا يمارسون طقوسهم في سرية تامة،و أغلبهم ينتمون للإنجليين البروتستانت (10).

بتعرض المغاربة المسيحيون للمضايقات الأمنية و الإستجوابات و الإستنطاقات كذلك في المراكز الأمنية في مختلف مناطق المملكة (11)،بالإضافة للإضطهاد المجتمعي الذي يعرفه غالبية المسيحيين المغاربة (12)،لكن هناك مسيحيين داخل المجتمع المغربي لا يتعرضون لهذه المضابقات نظراً لخروجهم للعلن و مطالبتهم بحقوقهم المهضومة من طرف المنظومة القانونية و الدستورية،على عكس هؤلاء المسيحيين الذين يوجدون في الساحة المجتمعية،هناك من يقبع في السجون بسبب إيمانه،كحالة “جامع أيت باكريم” المسجون منذ سنة (2005) في سجن القنيطرة،حيث يقضي عقوبة حبسية مدتها 15 سنة (13).

يطالب المسيحيون المغاربة بعدة حقوق اليوم من بينها : حق تغيير الديانة – حق الزواج الكنسي – حق تسمية الأطفال بأسماء مسيحية – حق تعليم الأطفال في مدارس خاصة ليس بها تعليم ديني – حق العبادة و الإجتماع بالكنائس،إلى غير ذلك من الحقوق غير المعترف بها لدى المسيحيين المغاربة.

أشارت الصحافة المغربية إلى تحول 25.000 إلى 45.000 مغربي و مغربية للمسيحية في بداية القرن الواحد و العشرين،و حسب تقرير لأحد المراكز البحثية الأمريكية (مركز بيو) بتعاون مع السفارة الأمريكية بالمغرب،أفاد و اعتماداً إلى استطلاعات الرأي،بأن عدد المغاربة ممن تحولوا إلى المسيحية خلال الربع الأول من سنة (2012) وصل إلى 8.000 شخص،و ينتمي المسيحيون المغاربة إلى مختلف الأعمار و الشرائح الإجتماعية،فضلاً عن وجود عائلات بكاملها إعتنقت المسيحية.

هناك خلاف حول قضية الإعتقاد المسيحي بالمغرب،فالحقوقيين و أصحاب الصف الحداثي يعتبرونها تدخل في نطاق الحريات الفردية المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان،خصوصا المادة 18 و المصادق عليها من طرف المغرب،و قد دعى في هذا الإطار الرئيس السابق لحركة “التوحيد و الإصلاح” الذراع الخلفية لحزب العدالة و التنمية الإسلامي إلى “السماح للمسيحيين بالتبشير بدينهم في المغرب كما تسمح الدول الأوربية للمغاربة المسلمين بالتبشير بدينهم”،و قد سبق و دافع الباحث أحمد عصيد عن حق التبشير على أساس أنه يدخل ضمن حرية المعتقد،بينما يرى المعارضون لهذا الطرح،أن التبشير لا يجوز في البلدان الإسلامية لأن الإسلام لا يقبل بذلك.

و قد أشارت صحيفة le monde الفرنسية إلى ظاهرة إعتناق الأسر و الأفراد بالمغرب للمسيحية،بل إن جامعة الأخوين بمدينة إفران التي أنشأت في تسعينات القرن الماضي بتعاون بين المملكة السعودية و المغربية،عرفت تحول للعديد من طلبتها بسبب إحتكاكهم بمناهج تعليمية أوربية و أمريكية و على تبادل الأساتذة و البعثات العلمية.

* المراجع :

1 – أنظر “تاريخ الكثلكة” تأليف : إيف برولي = ترجمة : جورج زيتاني – دار الكتاب الجديد المتحدة 2008 – (ص 14).

2 – l islam dans sa premiere grandeur (9 siecles).maurice lomberd – paris.flammarion (page 69 – 71).

3 – أنظر “تاريخ شمال إفريقيا القديم” إصطفان = أكاديمية المملكة المغربية.

4 – هناك كنائس عديدة بنيت خلال القرن 19 و 20،نذكر منها كنيسة “القديس بيير” بالرباط،و كنيسة “سيد الإنتصار” بتطوان،و كنيسة “القديس أندرو” الأنجليكانية بطنجة، و كاتدرائية “نوتردام دي لورد”بمدينة الدار البيضاء و كنيسة الشهداء القديسين بمدينة مراكش،و كنيسة على النمط المعماري المغربي بمدينة العرائش،و العديد من الكنائس الأخرى التي بنيت في تلك الفترة،و أغلبها كانت كاثوليكية.

5 – presence chretienne au maroc (page 46)

6 – presence chretienne au maroc (page 58)

7 – presence chretienne au maroc (page 87)

8 – presence chretienne au maroc (page 96)

9 – presence chretienne au maroc (page 52)

10 – converted christians in morocco need prayers

11 – http://www.alriyadh.com/255202

12 – www.hespress.com/medias/80449.html

13 – http://www.inspiremagazine.org.uk/news…

محمد سعيد: عضو المكتب التنفيذي لمركز الدراسات و الأبحاث الإنسانية

 
 

 

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *