عبد الحميد جماهري يرثي الزميل يوسف هناني : يوسف أيها الصديق
يوسف، كان لهُ من اسمه النبويِّ نصيب: صبره العالي، وهو يتوجع في أعماق بئر مرضه الشرس، والذي استنفده في نهاية حرب غير متكافئة…من فوارسها القدر.
يوسف كان له من اسمه النبوي نصيب: صدقه، في عالم تتغير فيه الأقنعة، تلك التي لم يعرف منها سوى قناع المرضى ..في بياض الأسِّرة البارد.
مثل جدول صغير، كان في قاعة التحرير أو كان في رحلة عمل..يسير الهوينى، مثل عباد الله المؤمنين ..
مثل طفل صغير أيضا وهو ينضج على مهل في دنيا الإعلام وعلى مرجل الأمراض المزمنة…
بهدوئه الصافي، كان يملك القدرة على تحويل اللقطة إلى مفارقة عجيبة في صناعة الضحك الجماعي، ويكاد يعتذر وهو يبدع نكتة أو يجتهد في بلاغة ساخرة من أحدنا…
تثقلني الأسئلة: ربما أصابه المرض لأننا لم نحضنه بما يكفي من الأشعة العاطفية؟
ربما تسللت إليه الميتات المسجلة في قدره، لأننا لم نكن دوما رفقته…وربما هو إيقاع هذه المدينة الغول، الذي لا يسمح عادة بمرافقة الأحباء…
ما يواسيني يا يوسف، هم زملاؤك وأهلك هنا في مخزن النور، أصدقاؤه الذين أبانوا مشكورين عن علو روحي لا يساويه علو آخر..
واظبوا على المحبة..وثابروا على الأخوة..
ما يواسينا هو حكمة حياتك: إن كان لك قلب قادر على الحب، اعتن به، فهذه حكمة من سار بقلبه عمرا قصيرا طويلا في آن .
ومن لم يستطع أن يحبك، فيه علة ما..
وفيه عجز عن تخصيب القلب
وعجز في تهوية الشرايين بهواء نظيف..
كان لما يغضب يحل المشكلة بابتسامة أو ببلاغة العائلة :اعتبرني ابنك، اعتبرني مثل سهى مثل ميساء!
لو أنك كنت تركت هذا الحزن لي لأفجره بعد عمر طويل، في غضب مهني لا أن أبكيك، وحيدا في الطابق الخامس، كما لو أودع طائرا لا يحط على غصني إلا في أعالي الوداع..
يوسف حكاية بسيطة في البلاد، لا تتعقد في ما بعد، بل تتعمق وتتعتق..
رأيتك وأنت محاط بإخواتك وإخوانك في الجريدتين، الاتحاد ،ليبراسيون، وإخوانك في الإدارة بكل أقسامها …
رأيتك وأنت تستخرج منا هذا النبع الزلال من المحبة.
أنت تشعرني في كل سعال وفي كل نأمة مرض وفي كل اااااه أننا عائلة .. وذلك الحب الذي كان يفرق حولك، أنت صاحبه لا قلوبنا..
ولا أكبادنا ..
يوسف: كدنا نتعب من تحويل الحزن إلى جنس صحفي يومي..
لكننا نؤمن بالله..
كدنا نتعب من سقوط الجنود .. كدنا نتعب من مصادفات رهيبة تعلق بدمنا مثل الندم:كلما أخطأنا بالنأي قليلا عن حق الواحد منا… مات بعد قليل!