23 مارس 2024

عبد الإله بن كيران والملك

عبد الإله بن كيران والملك

فجري الهاشمي

لقد شغلنا رئيس الحكومة بالحديث المتكرر عن علاقته بالملك، وطيلة ولايته يبدو أن هذا الموضوع يشكل أحد مشاغله الكبرى، ومن يعود إلى المراجعات التي قامت بها مجموعة عبد الإله بن كيران قبل التطبيع مع النظام السياسي نجد اعترافهم بالإسلامية الملكية وبالتالي كانت هذه القضية المدخل لانخراطهم في المنظومة السياسية، باختصار تم الاعتراف بالمشروعية الدينية للملك، ويبدو أن السيد بن كيران يسعى إلى ضمان موقف حيادي للملك، وهذا موضوع سبق أن طرحه الاتحاد الاشتراكي سنوات السبعينات حين طالب بأن يكون الملك حٰكٰماً وليس طرفا في الصراع.

بعض القضايا تعاد من جديد رغم اختلاف السياقات فهل ذلك يعني أن تلك القضايا لم يقع الحسم فيها وأن وثيرة التحول السياسي بطيئة إن لم نقل بالنسبة لتلك القضايا جامدة، سنركز هنا على حيادية المؤسسة الملكية في الصراع السياسي بين مختلف الأطراف المتناحرة.

إذا عدنا إلى الوراء سوف نقف عند مبررات سياسية قوية حالت دون حيادية المؤسسة الملكية بحيث أنها كانت وراء خلق العديد من القوى السياسية ابتداء من حزب لفديك بداية سنوات الستينات إلى ظهور حزب الأحرار منتصف السبعينات، وفي كلتا الحالتين كان خلق تلك الأحزاب ودعمها للفوز في الانتخابات وقطع الطريق على أحزاب الحركة الوطنية وخصوصا حزب الاتحاد الوطني القوات الشعبية (الذي يشكل الاتحاد الاشتراكي امتدادا له).

* يعتبر البعض أن وراء ذلك الموقف اللاحيادي عدم نضج فكرة التعددية لدى الطبقة السياسية كما كانت توصف آنذاك .

* وثانيا: إنحياز الدولة المغربية للخيار الليبرالي ومنظومته الدولية التي كانت في صراع مع المنظومة الاشتراكية وهو ما كان يعرف بالحرب الباردة.

* وثالثا : عدم وضوح نوايا المعارضة تجاه طبيعة النظام السياسي المغربي ومعارضته لمشروعية ذلك النظام والتي عبر عنها من خلال مقاطعتها لكل الدساتير ابتداء من دستور 1962 الذي وصف آنذاك بالممنوح.

* رابعا : إن هناك قوى تحالف معها النظام كانت تُمارس ضغوطا قوية لمنعه للدخول في أي توافقات مع أحزاب الحركة الوطنية.

كانت تلك هي المبررات التي يعتمدها من يريد أن يعتبر مشروعية لا حيادية الدولة في الصراع السياسي الذي عرفه المغرب منذ نهاية الخمسينات إلى حدود سنة 1996 وهو تاريخ تصويت الاتحاد الاشتراكي على الدستور ومشاركته في حكومة التناوب سنة 1998 والذي أعتبر حدثا فارقا في انتقال المغرب إلى مرحلة جديدة عرفت تراجعا للدولة في الصراع السياسي.

ذلك كان هو السياق الذي فرض لاحيادية الدولة في المسلسل السياسي الذي نعت بالديمقراطي.

ما هي المبررات التي يمكن أن يستند إليها من يدافعون على حيادية الدولة (الدولة بالمفهوم الضيق) في المرحلة الممتدة مت سنة 1998 والموصوفة بالعهد الجديد.

يعتبر هؤلاء أن هذه المرحلة انطلقت منذ سقوط جدار برلين وما ترتب عن ذلك من انتصار للنموذج الليبرالي والذي فرض وضعا جديدا اتضحت معالمه في عهد كلينتون من خلال التشديد على قضية حقوق الإنسان والأدوار التي ينبغي أن يلعبها المجتمع المدني إضافة إلى الانخراط في تأسيس الأنظمة السياسية وفق ما تقتضيه الشروط الديمقراطية وعلى رأسها إجراء انتخابات حرة و نزيهة.

كان لابد للنظام المغربي من التأقلم مع الوضع الدولي الجديد، فأولئك الذين كانوا حلفاءه بالأمس صاروا متشددين في فضية الديمقراطية وما يرتبط بها من حقوق في كافة المجالات سياسية واجتماعية واقتصادية وهكذا سوف يدخل النظام المغربي في تجربة جديدة كانت عقدتها المركزية تصفية ملف حقوق الإنسان من خلال إطلاق سراح المعتقلين السياسيين وتأسيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان وفي خضم ذلك الشروع في الانفتاح السياسي على القوى التي كانت تعتبر في السابق خصما سياسيا وهو ما عرف بالتهييء للتناوب السياسي.

ويضيف هؤلاء في مجال تبريراتهم أنه قد تولد وعي جديد لدى الطبقة السياسية بضرورة اعتماد التوافق كمنهجية للتوصل إلى حلول تشرك الجميع في الحقل السياسي، وقد اعتبروا أن المغرب قد أضاع وقتا ثمينا في ذلك الصراع حول المشروعية وحتى بعض المتتبعين للوضع السياسي من الأجانب اعتبروا أن تجاوز إشكالية المشروعية فتحت آفاقا جديدة لتطور الممارسة الديمقراطية في المغرب هكذا كتب المفكر التونسي العفيف الأخضر مقالاً في جريدة “الأحداث المغربية” معتبرا أن الملكية في المغرب تتمتع بثلاث مشروعيات، الأولى دينية والثانية وطنية من خلال موقفها المناهض للاستعمار والثالثة ديمقراطية والتي كرّست الاختيار الديمقراطي اختيارا لا رجعة فيه.

ويستطرد أصحابنا في نفس السياق بالقول بأن العهد الجديد قد فتح الباب لنخب جديدة تريد أن تكون فاعلة في الحقل السياسي وذلك في نظرهم قد يخرج المغرب من المعادلة السياسية القديمة والتي انبنت على إزدواجية القصر وأحزاب الحركة الوطنية للخروج من الابتزاز السياسي الذي بدأت تمارسه بعض أحزاب الحركة الوطنية، ولذلك فإنهم يعتبرون بأن هيمنة كل من حزب العدالة والتنمية على المشهد السياسي يدخل في سياق تجديد النخب السياسية التي فرضها العهد الجديد.

هل معنى هذا الكلام أننا نعيش مرحلة سياسية تترسخ فيها حيادية الدولة ؟ ( حين نقول الدولة بالمفهوم الضيق فإننا نعني المؤسسة الملكية صاحبة المشروعية والمؤسسات السيادية الضامنة لأمن واستقرار الوطن). الواضح أن هناك أطرافا سياسية متعددة تشكك في هذا التوجه بدل دعمه والكلام الذي يروج حول التحكم والدولة العميقة وتوجيه الرسائل المشفرة إلى الملك كلها تدخل في هذا السياق وحتى أولئك الذين يعتبرون أن جهات معينة تحاول توظيف الملك (إفتتاحية سابقة لتوفيق بوعشرين في جريدة أخبار اليوم) لمصلحتها تعيدنا إلى نقاش قديم عرفته بداية سنوات الستينات نورد هنا تصريحا للمهدي بن بركة في جريدة “الأهرام” المصرية بتاريخ 12 نونبر 1965″ نحن لا نريد له (الملك) أن يتحول إلى أسير العناصر المسيطرة والمشبوهة في الجيش، نريد أن نمكنه من الصمود…” .

إن ذلك يؤكد أنه على النخبة السياسية احترام حيادية الملكية la neutralité كما أن السيد عبد الإله بن كيران عليه أن يكف عن التودد إلى الملك ذلك أنه حين تم تنصيبه كرئيس للحكومة فقد حاز ثقة الملك . فهل تتوقف النخبة عن جعل الملك محط صراع إن ذلك هو السؤال الذي عليها مواجهته وسنتقدم كثيراً إذا ما سمينا الأشياء بمسمياتها لوقف الخلط والتضليل.

ملحوظة: بعد العدالة والتنمية وحزب التقدم والاشتراكية ينضاف حزب الاستقلال كما عبر عن ذلك زعيمه حميد شباط في جريدة المساء لمواجهة التحكم

 

 

 

 

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *