19 مارس 2024

شبهات حول الشيعة 1

شبهات حول الشيعة 1

كثيرة هي الشبهات والمغالطات التي يروجها خصوم الشيعة عن مذهبهم وتاريخهم مما امتلأت بها كتب الأقدمين والمحدثين ممن نقل عن الأوائل أو أخرج من كيسه تهما جديدة بز بها سابقيه ومعاصريه..

بيد أن التحقيق الرصين في هاته المواقف والأحكام يظهر لا محالة بؤس زيفها وتهافت أغلب حججها ومصادرها، بل وانحطاط أخلاق أصحابها ممن افتقدوا حس الموضوعية والإنصاف وخانتهم الأمانة العلمية في هذا الموضوع بالذات سواء لأسباب ذاتية كالحقد على أتباع هذا الخط والذي ورثته السلطات الأموية للأجيال اللاحقة أو موضوعية كعبث السلطات وفقهاء البلاط بأحداث التاريخ والمتون السنية والتفاسير من جهة، وصناعة أيديولوجيا على مقاس الحاكم أسقطت من حساباتها كل ما يخالف توجه الدولة في غياهب النسيان والتعتيم وعملت على تشويه كل ما يمت للمعارضة بصلة حتى ينفرد أصحاب القرار بتوجيه رعاياهم وفق ما يرونه لا يشكل أي خطر على استقرار عروشهم واستمرار ذريتهم في الحكم. هكذا فعل الأمويون ضد الشيعة والخوارج، وعلى نفس النهج استمر بعدهم العباسيون ومن خلفهم من السلاجقة والمماليك والعثمانيون وغيرهم كل يغني بطريقته على ليلاه..

واليوم تمارس البروباغاندا السلفية الوهابية نفس الدور منذ أن فتحت أموال البترودولار آفاقا لإمارات الخليج لفرض نفوذ مذهبها السطحي والمنغلق في بلاد المسلمين شرقا وغربا. حيث تمتلئ اليوم الفضائيات ومواقع وشبكات التواصل في العالم الافتراضي بكل أنواع التهم الرخيصة والمشاهد المنحرفة التي قد تصدر عن بعض الأتباع الجهلة أو المتطرفين في كل المذاهب والملل لتنفير المسلمين السنة ممن لا يعلم أغلبهم شيئا عن مذهب الشيعة وتاريخهم تمهيدا لبث الفتن الطائفية بين المذهبين، حيث نجحت في مهمتها إلى الحد الذي أصبح هذا الأمر يهدد استقرار الأوطان العربية والإسلامية وصيانة وحدتها وتعايش أهلها مما لم يعد السكوت عنه مجديا.

هكذا انبرى عدد من المتفيقهين الذين غطى التطرف والعصبية أبصارهم عن معرفة الحقائق والتحقيق في ملابسات الخلاف بين الطائفتين (الشيعة والسنة)، ليطيب لهم الطعن في عقائد فئة من المسلمين والاستهزاء بمذهب إسلامي أصيل وضع أصوله إمام من آل بيت الرسول (ص) كان يوما أستاذا لعدد من أئمة السنة كأبي حنيفة النعمان ومالك بن أنس، ألا وهو الإمام جعفر بن محمد الصادق(ع) حفيد الرسول (ص).

فمنهم من صنف أتباع أهل البيت (ع) ممن يدينون بالمذهب الجعفري في عداد المشركين، ليبيح بذلك دماءهم وأموالهم كما فعل ابن حجر الهيثمي في كتابه الصواعق المحرقة، حيث أورد في ذلك أخبارا غريبة كحديثه المرفوع الذي يقول فيه: يكون في آخر الزمان قوم يسمون الرافضة، يرفضون الإسلام فاقتلوهم فإنهم مشركون[1].

ومنهم من شبههم باليهود، كما فعل ابن عبد ربه في العقد الفريد، إذ يقول فيه: “قال لي الشعبي (وهو فقيه معروف بولائه لبني أمية أشرس خصوم العلويين وشيعتهم)–وذكرنا الرافضة- : يا مالك إني درست الأهواء كلها فلم أر قوما أحمق من الرافضة، ثم قال: أحذرك الأهواء المضلة شرها الرافضة، فإنها يهود هذه الأمة، يبغضون الإسلام كما يبغض اليهود النصرانية ولم يدخلوا في الإسلام رغبة ولا رهبة من الله ولكن مقتا بأهل الإسلام وبغيا عليهم[2].

ومن هؤلاء من نسبهم إلى رجل يهودي مجهول ورد اسمه في بعض التواريخ، إسمه عبد الله بن سبأ. إذ أورد المقريزي في خططه بأن أصل التشيع مأخوذ من مقالة عبد الله بن سبأ، فقال: وقام في زمنه عبد الله بن وهب بن سبأ المعروف بابن السوداء السبئي، وأحدث القول بوصية رسول الله ص لعلي بالإمامة، والقول برجعة علي بعد موته، وبرجعة رسول الله (ص) وإن عليا لم يقتل، وأنه حي، وأن فيه الجزء الإلاهي، وإنه يجيء في السحاب والرعد صوته، والبرق سوطه، وأنه لا بد أن ينزل إلى الأرض فيملأها عدلا.

ومن ابن سبأ تشعب أصناف الغلاة من الرافضة، وصاروا يقولون بالوقف يعنون أن الإمامة موقوفة على أناس معينين، كقول الإمامية بأنها في الأئمة الإثني عشر، والإسماعيلية بأنها في ولد إسماعيل [3].

ولم يقف المقريزي عند ذلك بل تمادى ليحمل ابن سبأ كل وقائع الفتنة في عهد عثمان والسبب في كل الخلافات والمعارك التي جرت بين الصحابة، فقال: وابن سبأ هو الذي أثار فتنة أمير المؤمنين عثمان (رض) حتى قتل، كما ذكر في ترجمة ابن سبأ من كتاب التاريخ الكبير للمقفى، وكان له عدة أتباع في عامة الأمصار وأصحاب كثيرون في معظم الأقطار، فكثرت الشيعة وصاروا ضدا للخوارج [4].

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا أمام كل هاته الأوهام والتلفيقات التاريخية. كيف يعظم أمر هذا الرجل المجهول فيتحكم في عقول الناس ويسيرهم حسب هواه، ويغرر بكبار الصحابة وفيهم علي بن أبي طالب باب مدينة علم رسول الله (ص) وصفيه وفيهم من دهاة العرب كعمرو بن العاص ومعاوية، مع أننا لا نكاد نجد له قولا ملفوظا في كل التواريخ والمتون التي ورد فيها إسمه وفعله. وهل ابن سبأ هذا أم ابن السوداء هو من أخرج عائشة زوج النبي ص لحرب علي في معركة الجمل؟ وهو من جيش الجيوش ضد علي في معارك صفين والنهروان فيما بعد؟ وكيف يكون له أنصار كثر كما يقول المقريزي ولم يرد في كل التواريخ المعتبرة خطابا واحدا لأصحابه وقد حفلت المتون التاريخية بالرسائل المتبادلة بين قادة هذه المواجهات من الصحابة وكلامهم وخطاباتهم إلى أتباعهم، وفي نهج البلاغة ما يغني عن توهم الأمور على غير حقيقتها، إذ يذكر الإمام علي كرم الله وجهه بالإسم أو الصفة كل من حاربه ونقض أمره بين الناس، وكل من تآمر عليه أو نافقه، وكل من تشيع له على الحق ونصره.

أما قصة ابن سبأ فما هي إلا خدعة اخترعها مؤرخو البلاط الأموي بعد كل تلك الأحداث والمآمرات والجرائم التي ارتكبت في حق أهل بيت الرسول (ص) وشيعتهم لخلق اللبس عند الأجيال الموالية وتبرئة عدد من الصحابة ممن زلت أقدامهم في هاته الفتن فوقف بعضهم ضد علي رغم علمهم بفضله وحقه كطلحة والزبير اللذان خرجا مع أم المؤمنين عائشة في معركة الجمل ومعاوية وعمرو بن العاص اللذان فرقا أمره بالشام ومصر وأبو موسى الأشعري الذي ثبط عنه الناس أولا في معركة الجمل قبل أن يخذله فيما بعد في واقعة التحكيم المشهورة، وغيرهم ممن اعتزل الفريقين فخذل الحق ونصر الباطل..

وقد ذهبت جماعة أخرى من المتعصبين إلى أن أصل التشيع فارسي، وبأن الفرس إنما أرادوا الإنتقام من الإسلام بعد أن أزال ملكهم وقوض دولتهم فلم يستطيعوا، فتستروا بالتشيع لهدم أركان هذا الدين بإدخال البدع والضلال فيه باسم التشيع.

وقد فات هؤلاء بأن الفرس قد قدموا للحضارة الإسلامية أضعاف ما قدمه غيرهم من الأعراق والأمم، وفي كل المجالات الفقهية والعلمية والثقافية والفنية. بل إن جل علماء السنة كانوا منهم كأبي حنيفة النعمان والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي والفيروزآبادي صاحب القاموس، وسيبويه والكسائي، والأصفهاني والجرجاني ومن الفلاسفة ابن سينا والفارابي والرازي و من العلماء الذين خلدت أسماؤهم في التاريخ البيروني وعمرو الخيام والخوارزمي في الرياضيات وغيرهم كثير.

فضلا على أن الفرس لم يكونوا كما يتبين من بعض هذه الأسماء كلهم شيعة، بل إن التشيع لم ينتشر في خراسان إلا بعد خروج حفيد الرسول (ص) الإمام الرضا (ع) إليها بطللب من الخليفة المأمون وإقامته هناك إلى أن اغتيل ودفن بطوس. وزاد انتشاره في عهد الملوك الصفويين الذين نصروا التشيع في إيران وهم سادة أشراف ذووا أصول عربية من نسل الإمام موسى بن جعفر الكاظم (ع).

ومنهم من ذهب أبعد من ذلك فجعل الفرس جميعا على دين المجوسية وأبى إلا أن يربط بين التشيع والمجوسية في حقد ظاهر دون أن يكلف نفسه التحقيق في مذهب الشيعة الذي وضع أصوله الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع) كما سبق. وقد اعترف شيخ الأزهر سليم البشري بأصالته في حواره الشيق بكتاب المراجعات مع مرجع الشيعة في جبل عامل بلبنان خلال الثلاثينيات من هذا القرن السيد شرف الدين الموسوي، كما أصدر شيخ سابق للأزهر أيضا وهو المرحوم محمد شلتوت فتوى شهيرة بجواز التعبد بالمذهب الجعفري الشيعي ووافقه عليها ثلة من كبار علماء هاته الجامعة المشهود لها بالعلم والاجتهاد في العالم السني. فلم كل هذا التحامل والتدليس؟

والشيعة يؤمنون بالله ربا، وبمحمد نبيا، وبالقرآن كتابا غير محرف، وبالكعبة قبلة، بل ويزيدون على السنة بولاية أهل بيت الرسول (ص) وإتباع نهجهم والتزام سيرتهم، إلا من شد فيهم وغلا في بعض العقائد أو الطقوس، فلا تزر وازرة وزر أخرى، وكل نفس بما كسبت رهينة. وقد نجد التطرف والغلو في كل المذاهب والملل. أفنحمل أهل السنة اليوم مثلا كل ما تفعله داعش من جرائم وأفعال تسيئ إلى الإسلام والإنسانية، فقط لأنهم يرفعون شعار أهل السنة والجماعة وينادون بإعادة بناء دولة إسلامية على أنقاض الحضارة الإنسانية وفق نهج سلفهم الصالح؟؟

* المراجع :

[1] ابن حجر، الصواعق المحرقة، ص5.

[2] العقد الفريد، ج1، ص259.

[3] الخطط المقريزية: 3/421-422.

[4] الخطط المقريزية: 3/422.

محمد أكديد : باحث في اختلاف المذاهب الإسلامية

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *