إشكالية صلب المسيح في القرءان
يقول القرآن “فما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم”، ولما كانت حادثة الصلب واقعة تاريخية فقد تفنن بعض الفقهاء في التفسير والتأويل، أن الذي صلب هو أحد اللصين اللذان رافقاه إلى الجلجثة (الجمجمة، مكان صلبه بأورشليم) إذ ألقي عليه الشبه بالمسيح، واشتبه ذلك على اليهود فصلبوه معتقدين أنهم يصلبون المسيح،بينما أصبح المسيح في السماء حيث رفعه الله إليه،مع أن هذه الآية بسورة أل عمران صريحة إذ تتكلم على لسان المسيح قائلة “إذ قال الله يا عيسى (عيسى اسم إسلامي و ليس للمسيحية علاقة به) إني مُتوفيك و رافعك إلي،و مطهرك من الذين كفروا و جاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ثم إلي مرجعكم فيما كنتم فيه تختلفون”،إن كلمة “مُتوفيك” تعني حصول الموت،و مادام هذا الموت جسدي قد وقع على المسيح،فماذا يمنع أن يكون على الصَليب ؟ و مادام المُسلمون يقولون أن الأنبياء هم بشر ينالهم من نظام الكون ما ينال أي بشر أخر،و نبي الإسلام هو بالإيمان الإسلامي “نور قبل أدم” و مع ذلك فقد قال له القرآن “إنك ميت و إنهم لميتون”،و مع أن النظرة لنبي الإسلام عند المسلمين بأنه قمة البشر،فقد وقع عليه الموت،هكذا فإن العقل الواعي المتحرر لا يقرر رفض الصلب إذ العقل خير شرعة.
إن أشهر من ينسب له القول بوفاة المسيح قبل رفعه،ما أخرجه إسحاق بن بشر و إبن عساكر عنه في تفسير قوله :”مُتوفيك و رافعك إلي” (أل عمران 55) و رافعك ثم مُتوفيك في أخر الزمان (1)،و يدعي المُسلمُون أن المسيح لم يصلب حسب القرآن – فهل صلب المسيح انطلاقا من الإنجيل (العهد الجديد) ؟ هل صلب حقيقة ؟
يؤمن المسيحيون بكل طوائفهم سواء الأرثوذكس أو الكاثوليك أو البروتستانت..،أن المسيح صلب حسب الأناجيل (متى – مرقس – لوقا) و الرسائل الإنجيلية لبولس و بطرس و يعقوب..و هذا ما يؤكد إيمانهم بأن المسيح صلب و قبر (دفن) ثم قام من الأموات في اليوم الثالث إلى السماوات،حيث هو هناك حسب البشائر و اللوترجية المسيحية (تعاليم و طقوس الكنيسة).
إن رجل الدين المُسلم،و المُسلم العادي ينظر لصلب المسيح من خلال فهمه لقرأنه،و ينطلق في حكمه لمسألة الصلب من القرآن،فيتقيد به و ينفي كل رواية من خارجه،مع العلم بأن هناك من علماء التفسير من اعترف بحادثة الصلب،فالمفسر التونسي ابن عاشور يعترف بوقوع حادثة الصلب،لكن المصلوب أختلف فيه،إذ لم يكن المسيح نفسه،و إنما ذات يعتقدها المسيحيون حسب تفسيره “التحرير و التنوير”،هذا ما أدى إلى إعتبار العقائد المسيحية قد خضعت للأسلمة حسب الباحث التونسي نجم الدين النفاتي،فقد حرصت المرجعيات الفقهية في تناولها لإشكالية صلب المسيح،على نفي ألوهية المسيح و التأكيد في الوقت نفسه،على نبوته و ما جاء به من معجزات تمً إرجاعها إلى قدرة الفاعل الأوحد،أي الله،و احتاج فضً الاشتباك إلى نوع من الحذر نظراً لطبيعة المعجزات التي جاء بها المسيح،فهو يحي الموتى،و يشفي الأكمه و الأبرص،و كلها من صفات الله،و من ثم لا بد أن يكون الله فاعلاً محوريًَا في قصة المسيح،بينما المسيح مجرد وسيط تتمثل فيه قدرة الله،التي تجلت في ثلاثية الصلب و الموت و الرفع إلى السماء،إذ يقول إله القرآن “و رافعك إلي..”.
اتفقت المرجعيات الفقهية فيما بينها كما قلنا،و كما أشار إلى ذلك إبن عاشور في تفسيره “التحرير و التنوير”،على حادثة الصلب و من ثم الموت من الناحية الشكلانية فقط،فقد غيًر تدخل الله حسب الفهم الإسلامي مسار الأحداث إلى منحى مختلف،ليصلب شخص أخر و يموت بدلاً من المسيح الذي رُفع حيًا إلى السماء،و اتسق ذلك مع ما تواتر من أخبار تؤكد وقوع حادثة الصلب بشكل بات متمفصلا في الوعي الجمعي حسب علم الأنثربولوجي، فأصبح نفي وقوع الصلب يحمل تشكيكَا ضمنياَ في مسألة ظهور المسيح و نبوته،و هو ما يتسق أيضاً مع فاعلية الله الذي تدخل في اللحظات الأخيرة لإنقاذ نبيه حسب الفهم الإسلامي،و تمظهر ذلك في الطروحات الفقهية التي اتفقت على الخطوط العريضة و اختلفت في التفاصيل كما عند الطائفة الأحمدية الإسلامية،و هو ما تجلى بوضوح في سياق تفسير الآية القرآنية (157) من سورة النساء،إذ يقول إله الإسلام “وَ قوْلهمْ إنَا قَتلًنَا اُلمَسيحَ عيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ الله وَ مَا قتَلوهْ وَ مَا صَلبُوهْ وَ لكن شُبَه لَهْمُ”،و يعود الاختلاف في التفاصيل إلى طبيعة تناول القرآن لقصًة المسيح من حيث أسلوب التعميم و عدم الإكثرات بسرد التفاصيل،و هي السمة كما يلاحظ الدكتور بسًام الجمل صاحب كتاب “أسباب النزول”،تنسحب على الخطاب القرآني النازع إلى إلغاء المرجعيات التاريخية المسيحية و عدم الاهتمام بتعيين الأسماء و تحديد الأمكنة و الأزمنة،و هو ما واجهه المُفسرون بالسعي إلى ضبط الوقائع و تعيين المطلق من الأسماء و التدقيق الزمني للأحداث،أي إعادة تشكيل الظروف التاريخية لأسباب النزول (2).
أسرد هنا ثمانية تفسيرات لحل إشكالية صلب المسيح عند المفسرين المسلمين.
أولاً : نظرة الطائفة الأحمدية الإسلامية لصلب المسيح.
يؤمن المُسلمُون الأحمديون بتعليق المسيح على الصليب،لكنهم لا يؤمنون بموته،بل يقولون أنه بعد صلبه،انتظر حتى تشفى جروحه،و ذهب إلى “كشمير kachmire” و مات ب”سرينجار (*)sirinjar” ميتة طبيعية،وتستشهد الطائفة الأحمدية الإسلامية بالإنجيل و الرسائل الرسولية لتبرهن على صدقية طرحها بعدم صلب المسيح،و هذه فكرة ذكية لبناء طرحها سواء إتفقنا معها أو لم نتفق،و قد قال إبن القيم في كتابه “زاد المعاد”،و الذي يعد مرجعاً هاماً لهذه الطائفة الإسلامية :”أما يذكر عن المسيح أنه رفع إلى السماء و له ثلاث و ثلاثون سنة،فهذا لا يعرف له أثر متصل يحبب المصير إليه” (3) ففي المجلد الثاني (4)،كتب الإمام إبن القيم “الأنبياء إنما استقرت أرواحهم هناك (في السماء) بعد مفارقة الأبدان”،و جاء في الحديث “أن عيسى بن مريم عاش عشرين و مئة سنة” (5)،و توفي إبن مريم في ليلة سبع و عشرين من رمضان،قال الإمام حسن بن علي،في يوم توفي علي بن أبي طالب (6).
ثانياً : نظرة اللجنة الدائمة السعودية للإفتاء لإشكالية صلب المسيح
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة السعودية للإفتاء :”…و ما روي عن ابن عباس عن تفسير التوفي هنا بالإماتة فغير صحيح لانقطاع سنده،إذ هو رواية على ابن طلحة،و علي لم يسمع منه و لم يره،و إنما روي عنه بواسطة،و لم يصح أيضاً ما روي عن وهب بن منبه اليهودي اليماني،في تفسير التوفي بالإماتة لأنه من رواية ابن إسحاق عن وهب،ففيه عنعنة ابن إسحاق و هو مُدلسً،و فيه مجهول،ثم هذا التفسير لا يزيد عن كونه احتمالا في معنى التوفي،فإنه قد فُسًر بأن الله قد قبضه من الأرض بدنا و روحا و رفعه إليه حيًا،و فسر بأنه أنامه ثم رفعه،و بأنه يميته بعد رفعه و نزوله في آخر الزمان،إذ الواو لا تقتضي الترتيب و إنما تقتضي جمع الأمرين له فقط،و إذا اختلفت الأقوال في معنى الآية وجب المصير إلى القول الذي يوافق ظواهر الأدلة الأخرى جمعا بين الأدلة،و رداً للمتشابه منها إلى المحكم كما هو شأن الراسخين في العلم دون أهل الزيغ الذين يتبعون ما تشابه من التنزيل ابتغاء الفتنة و ابتغاء تأويله” (7).
ثالثاً : تناقضات الطبراني حول إشكالية صلب المسيح
يقدم الطبراني (ت 360 ه)،في هذا السياق،تفسيريْن متناقضيْن و قلقيْن بعض الشيء،يقول في الأول،عن تعليق إبن عباس في قوْل القرآن :”وَ قوْلهمْ إنَا قَتلًنَا اُلمَسيحَ عيسَى ابْنَ مَريمَ رَسًولَ الله”،يقول : قال إبنْ عبًاس :”و ذلكَ أنَهُ لمًا مُسخَ الرًهْطُ اُلذيْنَ سَبًوا عيْسَى وَ أمًهُ،فمَسَخَ الله مَنْ سَبًهمَا قرَدَةً وَ خَنَازَيْر،فزعَت اليَهُود و خَافَتْ دعْوَتَهْ،فاجْتْمَعُوا عَلى قتًله،فتاًرُوا إليْه ليقَتلُوهُ فْهَربَ منْهُمْ وَ دخَلَ بَيًتَا في سَقفه روزْنَة،أيْ كوًه،فرَفعَهُ جبْريْلُ عليه السلام إلى السًمَاء،وَ أَمَرَ يَهُوديًا مَلكُ اليَهُود رَجْلا يُقالُ لهُ طيْطانُوسُ أنْ يَدخُلَ البَيْتَ فَيقَتُلهُ،فْدخَلْ فَلمْ يَجدهُ،فأَلقَى الله عَليْه شَبهَ عيْسَى عليه السلام،فلمًا خَرَجَ إلى أصْحَابه قَتلُوهُ وَ هُمْ يَظنًونَ أنَهُ عيْسَى،ثُمً صَلبُوهُ،فقالَ بَعْضُهُمْ : قَتًلنَاهُ،وَ قالَ بَعْضُهُمْ : إنً وَجْهَهُ وَجْهُ عيْسَى وَ جَسَدَهُ جَسَد صَاحبنَا،فإنْ كَانَ هَذا عيْسَى فأيْنَ صَاحبْنَا ؟ وَ إنْ كَانَ هَذا صَاحبُناَ فأيْنَ عْيسَى ؟ فإشَتَبَهَ عَليْهمْ وَ اخَتَلفُوا فيْه،ُثمً بُعثَ عَليُهمْ طاطُوسُ بْنُ أسْتبَيانُيوسُ الروًميً فَقتَلَ منْهُمُ مَقَتلةَ عَظَيْمة”،و في قول القرأن :”وَ مَا قَتلُوهُ وَ مَا صَلبُوهُ وَ لكن شبَهَ لهُمْ”،أي و مَا قتَلُوا المسيح و مَا صَلبُوهُ و لكن ألقى الله على طيْطانُوسُ شبَهَ المسيح فقتلُوهُ،و رَفُعَ المسيح إلى السًماء،و وفقَا لذلك فقد ألقى الله شبه المسيح على وجه طيطانوس الذي كان يطارده فقتل بدلا عن المسيح الذي رفع حياً إلى السماء.
و في الثانية يقول : قال الحسنُ :”إنً عيْسَى عليه السلام قالَ للحَواريُيْنَ : أيُكمْ يَرْضَى أنْ يُلقى عَليْه شَبَهي فيُقَتلَ فيدَخْلَ الجَنًة،فقامَ رَجُلُ منَ الحْوَاريُيْنَ فقال : أَنَا ياَ رَسَولَ الله،فألقى الله عَليْه شبَهَ عيْسَى،فَقُتلَ وَ صْلبَ،وَ رَفعَ الله عيْسَى إلى السًماَء” (8)
و يأتي الاختلاف بين الروايتين فيما يخص شخصية المصلوب،نتيجة عدم التفات الخطاب القرآني إلى التفاصيل،كما أسلفنا،و تبدو المفارقة في سقوط اسم التلميذ المخلص،في حين ورد اسم المجرم “طيطانوس”.
رابعاً : شخصية المصلوب في تفسير البغوي
البغوي يساير الطبراني في طرحه،إلا أنه يقول أنه من وشى بالمسيح هو الذي أخذ شبهه،فأنتقم منه،يعطي البغوي (ت 416 ه) تفسيراً مقتضباً لا يخرج فيه عن دائرة إلقاء شبه اُلمَسيحَ عن غيره فيقول :”وَ قوْلهمْ إناَ قتَلنَا المَسيحَ عْيسَى اُبْنَ مَريَم رَسُولَ الله،وَ مَا قتَلُوهُ وَ مَا صَلُبوهُ وَ لكن شُبَهَ لهُمْ”،و ذلك أنَ الله ألقى شبَهَ المسيح على الذي دلَ اليهود عليه،و قيل : إنهم حبسوا المسيح في بيت و جعلوا عليه رقيباً فألقى الله شبه المسيح على الرقيب فقتلوه (9)،و تبدو نزعة الانتقام من الواشي غالبة على المفسرين،و يتضح الميل إلى الردَ الكامل لاعتبار المسيح،و تحقق المعجزة هنا دورين مهمين،الأول هو إنقاذ المسيح،و الثاني هو الانتقام من الواشي أيًا كان شخصه.
خامساً : تأويلات الماوردي المتناقضة حول المصلوب
يقدم الماوردي ثلاثة تأويلات دفعة واحدة إذ يقول :”وَ مَا قتَلُوهُ وَ مَا صَلبُوهُ وَ لكن شُبًَهَ لهُمْ” فيه ثلاثة تأويلات : أحدها أنهم كانوا يعرفونه فألقى شبهه على غيره،فظنوه المسيح فقتلوه،و هذا قول الحسن و قتادة و مجاهد و وهب و السدي،و الثاني : أنهم ما كانوا يعرفونه بعينه،و إن كان مشهوراً فيهم بالذكر،فارتشى منهم يهودي ثلاثين درهماً،و دلهم على غيره مُوهماً لهم أنه المسيح،فشَبُهَ عليهم،و الثالث : أنهم كانوا يعرفونه،فخاف رؤسائهم فتنة عوامًَهم،فإن الله منعهم عنه،فعمدوا إلى غيره،فقتلوه و صلبوه،و مَوًَهُوا على العامة أنه المسيح،ليزول إفتتانهم به (10)،و هذه التأويلات تجعل المسألة أكثر غموضاً و تناقضاً،ففي التأويل الأول يكرَر الماوردي مسألة إلقاء الشبه على غير المسيح،و في الثاني يطرح إمكانية قتل أخر خطأَ ظناَ أنه المسيح المقصود،و هو أمر مستبعد – فكيف يكون المسيح بكل ما أثاره من صخب و ما أتى به من معجزات مشهوراً بالذكر فقط ؟ و كيف يجهل مجتمع صغير هيئة الرجل الأكثر شهرة فيه ؟ ألم يكن هناك واحد ممن شهدوا المحاكمة و مسيرة المسيح في طريق الألام و رفعه على الصليب نهاراً كاملاً يعرف أن المصلوب ليس المسيح ؟ و الأمر نفسه ينطبق على التأويل الثالث الذي يفترض جهل الناس بهيئة المسيح،و إن كان الماوردي هنا يطرح إمكانية عدم إلقاء شبه المسيح على شخص أخر.
سادساً : نظرة بن كثير لإشكالية الصلب و المصلوب
أما إبن كثير (ت 774 ه) فيعود مجدداً إلى كون المصلوب ألقي عليه شبه المسيح،و أنه من تلاميذه الذين قرروا فداء معلمهم،فيقول :”فلما أحس بهم،أي المسيح،و أنه لا محالة من دخولهم عليه أو خروجه إليهم،قال لأصحابه : أيكم يلقى عليه شبهي،و هو رفيقي في الجنة،فانتدب لذلك شابْاَ منهم،فكأنه استصغره عن ذلك،فاعادها ثانية و ثالثة،و كل ذلك لا ينتدب إلا ذلك الشاب،فقال : أنت هو،و ألقى الله عليه شبه عيسى حتى كأنه هو،و فتحت روزنة من سقف البيت،و أخذت عيسى عليه السلام سنَة من النوم،فرفع إلى السماء و هو كذلك،كما قال الله تعالى :”إذ قالَ الله يا عيسَى إنَي مُتَوفًيكَ وَ رَافعُكَ إليًَ وَ مُطهَركَ” (سورة أل عمران 55) فلما رفع خرج أولئك النفر،فلما رأى أولئك ذلك الشاب ظنوا أنه عيسى،فأخذوه في الليل و صلبوه،و وضعوا الشوك على رأسه،و أظهر اليهود أنهم سعوا في صلبه،و تبجَحوا بذلك،و سلم لهم طوائف من النصارى * ذلك،لجهلهم و قلة عقلهم،ما عدا من كان في البيت مع المسيح،فإنهم شاهدوا رفعه و أما الباقون فإنهم ظنوا كما ظن اليهود،أن المصلوب هو المسيح بن مريم،حتى ذكروا أن مريم جلست تحت ذلك المصلوب و بكت،و يقال : إنه خاطبها (11).
نلاحظ التأويل هنا،أنه يتجاهل بديهيات إنسانية مفرغ منها – فكيف تعجز أمَ مثل مريم العذراء عن التعرَف على هيئة و جسد ابنها الأوحد ؟ و يبدو التجاهل محاولة لتجاوز التفصيلات و الإنطاق نحو النتائج المرجوة حسب الشراح و المُفسرين المُسلمين.
سابعاً : نظرة الفيروز أبادي لإشكالية الصلب المسيحي
يؤكد الفيروز أبادي (ت 817 ه) رواية الطبراني بأن الله ألقى بشبه المسيح على وجه “طيطانوس” الذي كان يطارده إذ يقول : “و بقولهم : “إنَا قَتًلنَا اُلمَسيحَ عيسَى اُبْنَ مَرْيمَ رَسًولَ الله” أهلك الله صاحبهم طيطانوس “وَ مَا قَتَلُوهَ وَ مَا صَلبُوهُ و لكن شُبُهَ لهُمْ” ألقي شبه عيسى على طيطانوس فقتلوه بدل عيسى “وَ إنً الذينَ اخَتَلفْوا فيه” في قتله “لفي شَكً مَنهُ” من قتله “مَا لهْمُ به” بقتله “منَ علم إلاَ إُتَبَاع اُلظًن” الظَن “وَ مَا قتَلُوهُ يَقينَا” أي يقينَا ما قتلوه “بَل رًفعَهُ الله إليْه” إلى السماء.
ثامناً : السيوطي على الرأي الأول للطبراني بالنسبة لشخص المصلوب
السيوطي على عكس الفيروز أبادي يعتمد الرواية الثانية للطبراني فيقول :”أخرج عبد بن حميد و النسائي و ابن أبي حاتم و ابن مردويه عن ابن عباس قال : لما أراد الله أن يرفع عيسى إلى السماء خرج إلى أصحابه و في البيت اثنا عشر رجلاً من الحواريين،فخرج عليهم من غير البيت و رأسه يقطر ماءً،فقال : إن منكم من يكفر بي اثني عشر مرة بعد أن أمن بي،ثم قال : أيكم يلقى عليه شبهي فيقتل مكاني و يكون معي في درجتي،فقام شاب من أحدثهم سنَا،فقال له : إجلس،ثم أعاد عليهم فقام الشاب،فقال : إجلس،ثم أعاد عليهم فقام الشاب،فقال : أنا،فقال : أنت ذاك،فألقى عليه شبه عيسى،و رفع عيسى من روزنة في البيت إلى السماء،قال : و جاء الطلب من اليهود،فأخذوا الشبيه فقتلوه ثم صلبوه (12)
خلاصة : من خلال ما قدمناه هنا،نكتشف أن إشكالية صلب المسيح في الإسلام لم تحسم بعد – فمن يا ترى الذي صلب ؟ هل المسيح أم غيره ؟ و إذا صلب حقيقة لماذا لا نعترف و نقول أنه صلب إتماماً للنبوات التوراتية ؟ فكيف نقبل بموت المسيح و لا نقبل بموته على الصليب ؟
هذه الأسئلة و أخرى عديدة تقض مضجع صانعي الدجل الديني بالعالم الإسلامي،لأنهم بكل بساطة لم يحسموا في إشكالية صلب المسيح منذ أكثر من أربعة عشر قرناً..
المراجع :
1 – “الدر المنثور” (ص 2 – 26)
2 – بسُام الجمل”أسباب النزول علما من علوم القرءان” = الدار البيضاء،المركز الثقافي العربي و مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات و الأبحاث – الطبعة الثانية 2013 (ص 186 – 187)
3 – كتاب “زاد المعاد” المجلد الأول (ص 19).
4 – نفس المصدر – المجلد الثاني (ص 49).
5 – كتاب “حجج الكرامة” (ص 28) و كتاب “الصاوي على الجلالين” المجلد الأول (ص 141).
6 – كتاب “طبقات الكبير” المجلد الثالث (ص 26).
7 – “فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء” المجلد الثاني – رقم 262 (ص 219).
8 – الإمام الحافظ العلامة أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني = التفسير الكبير،مصنف و مدقق – سورة النساء (أنظر نسخة منشورة على موقع التفسير،مؤسسة أل البيت الملكية للفكر الإسلامي)
9 – الحسن بن مسعود البغوي “معالم التنزيل” – مصنف و مدقق،سورة النساء (موقع التفسير).
10 – علي بن محمد بن حبيب أبو الحسن الماوردي “النكت و العيون” – مصنف و مدقق،سورة النساء (موقع التفسير).
11 – الحافظ عماد الدين بن كثير “تفسير إبن كثير”،اختصار و تحقيق محمد علي الصابوني /المجلد الأول – بيروت،دار القرآن الكريم = 1981 (ص 455 – 457)
12 – مجد الدين أبو طاهر محمد بن يعقوب الفيروز أبادي “تفسير القرأن”،مصنف و مدقق،سورة النساء (موقع تفسير).
* الهامش :
– سرينجار sirinjar منطقة ب”كشمير”
محمد سعيد عضو المكتب التنفيذي لمركز الدراسات والأبحاث الإنسانية مدى