20 مارس 2024

حراك الريف… ظاهره اجتماعي وباطنه فيه التطرف والانفصال

حراك الريف… ظاهره اجتماعي وباطنه فيه التطرف والانفصال

بات أكبر سؤال مؤرق ويتردد صداه عاليا اليوم هو من يحب حقيقة هذا الوطن ومن يكرهه حد المطالبة بتحويله إلى كعكة قابلة للتقسيم إلى أجزاء، فما يحدث حاليا بالريف لا يمكن إلا أن يصنف في خانة عنوانها الأبرز الرغبة في جر المغرب لا قدر الله نحو العنف والتفرقة تحت مسميات كثيرة، فما يسمى بالمطالب الاجتماعية شيء وما يحدث على أرض الواقع شيء آخر.
لا يحتاج المتتبع لما يحدث بريف المغرب كثيرا لكي يفهم بعد أشهر من محاولات دفع كل مرافق المنطقة نحو الشلل المنطق الذي يحكم هذه التحركات، إذ لم يعد الشغل الشاغل للكثيرين ممن يحومون في فلك ناصر الزفزافي الذي نصب نفسه زعيما ل”الحراك”، هو الاحتجاج ليل نهار والسعي وراء قتل الحياة والحركة داخل الحسيمة وضواحيها مستغلين المناخ الديمقراطي الذي يعيشه المغرب والذي بات يتيح هامشا أكبر للمغاربة للاحتجاج والتعبير عن كثير من القضايا التي تؤرق بالهم، وتحويل هذا الامتياز من نعمة لنقمة وجعل الاحتجاجات هي اللغة السائدة واليومية من خلال منطق لي الذراع عوض الحوار الكفيل وحده لحل أي إشكال إن وجد، فمن يحتج وبشكل مسترسل لا يبحث عن حل بقدر ما يبحث عن الأزمة فقواعد أي احتجاج في العالم معروفة أي أن الاحتجاج يتوقف مباشرة بعد بدأ الحوار وجلوس جميع الأطراف فوق الطاولة، فعندما تنخرط في منهجية الحوار لن يصبح من حقك الرجوع إلى الخلف أو حتى الاحتجاج مادام الحوار قائما وإلا تكون نواياك المعلنة شيء ونواياك الخفية شيء ثاني.
إن انتقال وزير الداخلية السابق محمد حصاد وبعده وزير الداخلية الحالي عبد الوافي لفتيت للمنطقة لا يعكس سوى شيء واحد هو حضور الإرادة وتجاوب الدولة مع الجانب المعقول في المطالب المرفوعة، بل والحديث على أن تنمية الحسيمة وإعطائها وجها آخر ليس سوى مسألة وقت كل هذا لا ينبغي أن يقابل بالنكران والجحود، إذ في الوقت الذي تتعامل فيه الدولة بسلاسة مع الملف هناك من لا يروقه الأمر بل يستخف بكل ذلك ويضع شروطا تعجيزية للوصول إلى الباب المسدود ورهن مصير أبناء المنطقة واستغلال مطالبهم ومحاولة توظيفها لغايات تتداخل فيها أطماع خارجية بنزعات فردانية داخلية نحو الزعامة.
مسألة أخرى في غاية الأهمية يجب استحضارها أيضا لفهم الكثير مما يجري هناك على الأرض هو المخطط الذي يجري التحضير له منذ مدة من قبل دول عظمى وغايته تقسيم المغرب وهو السيناريو الذي تحدث عنه الكثير من الباحثين المغاربة في وقت سابق، فدول كثيرة لا تنظر بعين الرضى للتقدم الذي يحققه اليوم المغرب على عدد من الأصعدة بل ولا تنظر بكثير من التقدير لمقولة الاستثناء المغربي التي أثبتت الأيام والمعطيات الواقعية صدقيتها فهذا المخطط الذي يتم الترويج له أي مخطط إقامة دويلات داخل المغرب (دويلة الريف وأسامر وسوس…)، يجد صدى له وسندا واقعيا له عبر ما يقع في الريف والذي ليس سوى الجزء والتمثل الظاهر للمخطط، الذي إذا تمكن الواقفون من خلفه لا قدر الله من تطبيقه سيمرون للسرعة القصوى والاجهاز على ما تبقى، هناك اليوم داخل المغرب من فهم هذا المخطط وتلقى الكثير من الإشارات في هذا الاتجاه وهناك في الريف من هو مغلوب على أمره وينفذ بوعي أو دون وعي أو على الأقل يسهل على الخارج وعلى الطامعين ويقصر عليهم المسافة.
عودة للسؤال المركزي في هذا المقال من يحب الوطن ومن يكرهه؟ لا يمكن للعاقل إلا أن يقول في مثل هاته المواقف، أن من يحب وطنه لا يفكر لحظة في جر منطقة لأشهر نحو التوتر وتعطيل مصالح البلاد والعباد، ومن يحب وطنه كذلك لا يفكر ولا يرفع علما غير علم بلده بل ولا يدفع شبابا طائشا للهتاف بعد فوز منتخب خصم على منتخب بلادهم، ومن يحب بلده أيضا لا يشعل النار ويخرب الممتلكات ولا يعتدي على رجال أمن يؤطرون ويراقبون عن بعد الاحتجاجات مخافة حدوث أي انفلاتات ممكنة، كما أن من يحب وطنه لا يراسل منظمات وجمعيات هولندية وأوروبية لمطالبتها بالتدخل في شأن مغربي محض ونقل ما يحدث وتدويله بل وتنظيم وقفات بأوروبا وتقديم صورة للعالم وكأن الريف يغلي خلافا للواقع، كما أن من يحب وطنه لا يحاول عزل الريف عن باقي المغرب بل والقول دون خجل أو أن يرف له جفن أن الاستعمار الإسباني أفضل من العيش تحت سيادة وراية المغرب إلى غير ذلك من الشعارات الشوفينية والمتطرفة بل والتي ترفع حتى في حق ووجه سكان باقي مدن المغرب…
سبق لأحد رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية السابقين أن قال مخاطبا الأمريكيين “لا تسألوا ماذا قدمت لكم أمريكا اسألوا أنفسكم ماذا قدمتم أنتم لأمريكا”، فقبل أن تتساءل سواء كنت في الريف أو غيره من مدن المغرب ماذا قدم لك هذا الوطن اطرح السؤال على نفسك أولا ماذا قدمت أنت لهذا الوطن وماذا بذلت من جهد في سبيل رقيه وتقدمه لكي تطالب بالمقابل فالوطن يستحق منا أكثر من تلويح بالانفصال.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *