19 مارس 2024

القطب العمومي وإم بي سي

القطب العمومي وإم بي سي

بقلم: توفيق ناديري

بعيدا عن مناقشة ما يثار في الإعلام الإلكتروني حول آلية انتقاء المشاريع في القطب العمومي، في انتظار اتضاح الصورة ومعرفة مآل العملية كلها، على الرغم من علمنا بدقائق الأمور وسيروتها منذ إطلاق طلبات العروض لحد الساعة رغم تغير الأشخاص وتبدل أدوارهم، يتجدد النقاش حول تأثير ولوج القنوات الفضائية والإلكترونية العربية( إم بي سي 5، نيت فليكس، شاهد بلاس) للسوق المغربية ومستقبلها على القطاع ومهنييه، وتأثيرها على المفهوم الأشمل للخدمة العمومية.
إن ولوج قناة” إم بي سي 5 كمقدمة لهذا المد،وتخصيصها إمكانيات ضخمة تعزز الرغبة لدى القيمين عليها في الوصول إلى أكبر شريحة من المشاهدين والعاملين بالمجال السمعي البصري من خلال عملية إنتاجية سلسة تعتمد وساطة بعض الأشخاص والشركات لتقريب الأطراف المتدخلة في عملية الإنتاج، هذا فضلا عن تنويع المنتوج وتكثيفه بصرف النظر عن الجودة التي تظل مفقودة لحد الساعة لأسباب بعضها فني والآخر مادي صرف يتعلق بالبون الشاسع بين قيمة المنتوج المحلي القوي المدعم من طرف الدولة المغربية وبين المنتوج المقتنى من طرف الشركات الوسيطة في العملية مع مجموعة” إم بي سي” دون الإشارة حاليا للمشاكل التي ترافق عملية الوساطة وظروف اشتغال المغاربة مع المجموعة في انتظار تجميع كل المعطيات والتدقيق فيها.
هذه المعطيات تفرض بالضرورة أهمية العودة إلى روح دفاتر تحملات الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة وشركة صورياد دوزيم التي تنص أولا على المساهمة في إنعاش مجال الإنتاج الخارجي عبر تكريس التعدد مع المشتغلين والمهنيين، كما تفرض المعطيات ذاتها تكريس مفهوم الحكامة ليكون ملموسا على أرض الواقع ويتحول لأرقام واقعية عبر تشجيع المقاولات الناشئة وتقوية المتواجدة من خلال آلية شفافة تعيد الثقة لكل الأطراف المتدخلة في المجال.
إن الرهان اليوم وليس غدا، أن تتحمل الدولة مسؤليتها بشكل واضح في تقوية القطب العمومي وتخصيص عقد برنامج جديد وعقلاني وخلق شركة إنتاج وطنية تجمع بين كل المؤسسات السمعية البصرية العمومية وخلق تكثل يمكن أن يقوم بالخدمة العمومية ويساهم في النهوض بالإنتاج الداخلي والخارجي، ويحافظ على حصة المشاهدة ويعزز الشفافية ويقوي مفهوم المقاولة المواطنة التي تخلق تناغما وتفاعلا مع التحولات والتحديات والإنجازات التي تعرفها بلادنا بحس مسؤول يترفع عن تكريس الريع أو الانتصار لمفهوم الانتهازية الإنتاجية أو الإعلامية على حساب تكريس الإعلام المسؤول والشفاف والخاضع للضوابط الأخلاقية والقانونية والدستورية التي تربط المسؤولية بالمحاسبة وتعزز قيم الحكامة وفق آليات موجودة أصلا ولا تحتاج سوى إلى تقويم وضخ دماء جديدة فيها.
وإذا كانت المعطيات تشير بشكل آني للتهديد الذي يمكن أن تشكله القنوات الآتية من الشرق، بحكم أن التجارب تؤكد أنها تنطلق ترفيهية وتنتهي سياسية نهضوية بالمفهوم التخريبي للعملية، اللهم إذا كان حدسنا غير صائب، ولنا في ذلك تجارب سابقة في الفضاء السمعي البصري العربي،فإن نهوض القطب العمومي بمسؤوليته أصبح حتمية سياسية سيادية لا مجال فيها للمناورة أو التسويف أو خلق عداوات عابرة مع أطراف يفترض أن تكون بنية متكاملة غير صدامية لا تنجر للصراع المحكوم بالخلافات الصغيرة لكنها يمكن أن تتطور لتصبح انتحارية تطيح بما تبقى من هذا القطب العمومي.
فالمصلحة العامة تفترض المصارحة والمصالحة ولم شمل كل الأطراف التي تعتقد أنها أقصيت من حقها في الولوج للإعلام العمومي أو الاشتغال معه بشكل عادل ومنصف، مادمنا نتحدث عن إعلام عمومي ممول من دافعي الضرائب، في ظل إكراهات إعلامية دولية لا تريد لهذا البلد أن يكون آمنا مطمئنا، لهذا أصبح الخوف من ذواتنا وعلى ذواتنا على هذا الاستقرار السياسي والسيادي والذي يجب أن ينسحب على المجال الإعلامي والتلفزيوني بشكل أدق ولو اقتضى ذلك تقديم التضحيات أو التنازلات.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *