22 مارس 2024

الطاحونة الكبرى

الطاحونة الكبرى

جليل الشافعي

لعل الكثير من المواطنين في بلدي، الذين تضامنوا مع موت بائع السمك محسن فكري بطريقة تشبه مصاصي الدماء وأبطال أفلام “الزامبي” آكلي لحوم البشر، التي اشتهرت في أمريكا في السنوات العشر الأولى من القرن الواحد والعشرين، لم يكن تعاطفا معه وفقط، لم يكن رفضا لأن تزهق روح تبحث عن لقمة عيش، بتلك البشاعة، بل كان إلى جانب كل هذا، رفض لممارسة الطاحونة الكبرى التي تتسع دائرتها يوما بعد يوم،  فالوطن صار طاحونة مجنونة لا تبقي ولا تذر، وطني أصبح طاحونة وَحَبُّ رحاها هم الفقراء والمهمشين، أما أرباب الطاحونة فيتفرجون على “طحين” الشعب في سادية هتليرية..

ليطرح السؤال الفأس، كم عدد المطحونين في هذا البلد؟ وألى متى سيستمر هذا الطحن..؟

كم من تلميذ طُحِن حقه في أن يجد مكانه في المدرسة، وكم عدد الأقسام التي تُرتب تلاميذها في حجرات بئيسة وكأنهم في علب سردين؟ وكم من النساء والأطفال المنسيين في الجبال والدواوير المعزولة، متروكين لغطرسة برد لا يرحم، حتى تغدو كل أحلامهم، مدفأة وكسرة خبز تسكت البطون المحتجة؟ كم من العمال الذين تقتل إنسانيتهم تدريجيا، ويصبحون  مع مرور الوقت”ربوهات” بليدة، يشتغلون ليل نهار في شركات أجنبية بدراهم لا تكفيهم حتى ليعيلوا أنفسهم، فكيف بذويهم؟

إنها أسئلة ما عاد المواطن يطرحها، لأنها موجعة، ولأن أنياب الطاحونة لا ترحم، وتغتال كل من قال “لا”

إنها الطاحونة الوطن، أو الوطن الطاحونة، تُفقر وتُجهل، كي نبقى حطبها ووقودها، فإن كان “فكري” بائع سمك “بو سيف” يعرفه، فإن شريحة كبيرة من الشعب ما كانت تسمع بهذا الاسم قبل الحادثة، وشريحة أكبر كانت تسمع به، لكنها كانت تدرجه في خانة الحلال/المحرم، الممنوع، لأن دراهمنا الحقيرة لا ترقى لشراء حبة منه، نحن البلد الذي يتمتع بثروة بحرية تصل  إلى 3500 كلم، لا نعرف من الأسماك سوى، السردين، الشرن، كابايلا، يعني، كل ما لا يتجاوز ثمنه 20 درهما، حتى إن الواحد منا، لَيَتَجنب أن يمر بجانب “مارشي الحوت” هذا حال المغاربة مع سمكهم، السمك الذي ذهب بروح شاب ثلاثيني، بصورة تجعلك أمام كوابيس مزعجة بعد مشاهدتها..

الوطن الطاحونة، هذا هو الوصف الذي يليق ببلدي، ولقد تعلمنا، وبُرمجنا أن نكون “مازوشيين” أي، أن نحب الوطن رغم كل هذا الظلم والحيف، أن نقول، سمعنا وأطعنا، أن نقول عاشت الطاحونة، أن نشاهد في قنوات تافهة برامج للطبخ، في لا يعرفها أغلب الشعب، فقط نشاهدها ولا نعرف حتى نطق أسمائها، ونترك لخيالاتنا المعطوبة/ المكبوثة، أن تتلذذ بها في الحلم.. نحن الذين نعدُّ الدراهم عدا، قبل أن ندخل السوق، لا نطرح السؤال المزعج: هل نحن فقراء قدرا؟ هل الله هو الذي حرمنا من أن نحصل على حصتنا في ثروات بلدنا..؟

موت محسن فكري ما هو إلا صورة صغيرة لطاحونة كبيرة، تطحن كرامة المواطن في المستشفيات، في النقل، في التعليم، في الشغل، وفي كل شيء، طحن بنظام المداومة، حتى أننا أَلِفنا أن نكون حبوب الطاحونة الكبرى، وحين جاءت واقعة سماك الحسيمة، وقبله مي فتيحة.. صدمنا سؤال استشرافي: من المطحون القادم، أناـ أنت، أم هم؟

 

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *