قبط العربون وطلق السخون
سعيد عيسى المعزوزي إعلامي وكاتب مغربي
لفضة العربون في تراثنا المغربي معبرة للغاية.
العربون يعني مقدمة وضع اليد والإحتكار مع سبق “التركرغيل والتمركيل”.
أما السخون في ثراتنا الإجتماعي، هو ذلك الضباب المريح أيقونة الإسترخاء وليس الإستخراء بلفض السواعدة…
وأنا أكتب هذا النص الساخر بمناسبة 7 أكتوبر 2016 استحضرت اللفظين “العربون ” و”السخون” فصرخ ذلك المارد بدواخلي أن لا أجزع بالقول لأن هيجان الأمة في عصر الضباب ظاهرة صحية في وقت ضلت فيه أغلب المفاهيم ضبابية على وزن ضلامية إن صح مقالي…
ها المشهد !
لقد أرخ الموروث الشعبي القديم أن “افليفلة الحي” والأسرة العريقة، حينما كانت تختلف مع بنات الحي والجيران فإن الأخيرة تضرب لهن موعدا عند برمة السخون بحمام الحي…
لقد كان الحمام مسرح تصفية الحسابات أو حلبة صراع النسوة المغربيات وما كاين غير نتف وشتف هايتف إلى أن يسأم الحمام من “قبابوا”.
أما ذكوريا فقد كان الحمام متنفس العامة والخاصة على حد سواء.
وفي سنة 2016 وما سبقها، ظهر العالم الأزرق كسيف الله في أرضه حيث كان عنوان بوابته فضائح بالجملة لرجال و نساء غارقين في تصفية الحسابات في اليابسة ومنهم من ضاقت به حدود الوطن بما رحبت فأضحت أوساخهم وروائحهم الكريهة متجلية في كل مكان ومنها ما أثار حفيظة أنوف الديك الفرنسي.
هل تعرفون مسيلمة المغربي !
لا ليس مسيلمة الكذاب ذلك الجد الأكبر، أنا الآن بصدد الحديث عن الحفيد الأصغر.
مسيلمة المغربي هو شخصية حاضرة غائبة ميتة حية، ما قشرتي والو … !
واخا اصبر معايا.
أول شيء يجب أن أُشَرِحَ لك علاقة مسيلمة المغربي بالعربون والسخون .
مسيلمة المغربي إذن،
قد لا يستطيع هذا الأخير غسل أوساخه بعيدا عن زحمة السخون، لأن في السخون تـتفتح شهية مسامه الجلدية فتبرز على شاكلة ألفية من الأفواه الجائعة وهي تنشد ضالتها عند أعتاب “حكة يد ” ورشقة ماء دافئ يتدفق.
كما أن مسيلمة المغربي قد تخرج من جامعة الشيطان شعبة اللعب بالبيض والحجر والسماوي الله يداوي ، مسيلمة بشر مثلنا يأكل الطعام ويسير بين الناس في الأذهان، لكن حينما يتسخ جلده يهرول باحثا عن حمام فقير لا ينازعه عليه أحد.
كما أن ذكائه يدفعه إلى عدم الإهتمام والإلتفات “للبرمة العامرة بالهرج” بل إن أول شيء يركز عليه داخل السخون هو “مقعد” مقعد بأي ثمن بأي طريقة أينما كان، المهم مقعد لكي يقعد ثم يتمدد ويتمدد بحيث لا يستطيع أن يوقفه أحد.
في السخون تجد الناس منشغلين في تشارك الممتلكات فيما بينهم، شي كايطلب الصابون البلدي شي كايطلب شي حكيكة وأما عبد الله لهوى مونس السخون بصوته الشجي و الجلسة الباردة أو ما تعارف عليه المغاربة بالقعدة فتجدها مونسة راسها بناسها، يا قصيدة ملحونية يا ذكرة ربانية.
بطل النص مسيلمة المغربي، يقف مثقلا “بقْبابو” و أوساخه الخفية لكنه ينضر إلى المكان بعين الغاب، الأخير يحدد حدوده ونفوذه حيث سيختار من يجاوره ومن يحمل عنه أوساخه من أبناء الحي الكئيب.
خونا مسيلمة المغربي قد تخلى عن كبريائه المعهود لم يعد “فْرّاعْ” بعد اليوم.
كما أنه بارع في اختيار الحمام الصغير بكباره بارع في اختيار الزحمة والبرمة الممتلئة بالبائسين بحذف الباء الثانية ووضع الياء.
وبين التفاتة عينه وانتباهتها تخرج أنت ! نعم أنت أنت… الرهان الأكبر.
ولكي نُقدر الأمور بمُقدراتها، فأنت لست ذلك العنصر القادم من مجرات بعيدة، لكنك أحد أفراد الحي، مواطن عادي سماك مسيلمة المغربي “بالكسال” عنصر ينتمي إلى فئة المحاصرين اقتصاديا واجتماعيا.
ها الخدمة !
يحرك مسيلمة سبابته في اتجاهه أو في اتجاهك في اتجاهي، لكن المعني بالأمر ” عارف شغلو” .
فينطلق هذا الأخير مسبحا بحمد البرمة مرددا لازمة اطلق السخون ثم يبدأ في استخراج الفلكة وليس السلكة فيُبحر بفُلكه “الخرقة” في جسد مسيلمة المغربي حيث تبدأ خطاياه عفوا أوساخه بالتساقط تباعا.
الكسال يهلل بصوته مكبرا:
الوسخة مشات مشات ومسيلمة جاب الخيرات …
الوسخة مشات مشات ومسيلمة جاب الخيرات …
الغريب في الأمر وما يشدنا في هذا المشهد، هو أن كل الحضور بعد سماعهم لمديح الكسال تحول جلهم إلى كسالة وووصالة وحمالة ثم انتقلت العدوى إلى أولئك المغضوب عليهم من أبناء الحي من اشتهروا سابقا “بالبسالة “، فيتحول السخون إلى قبة مولاي الشيح و الريح والكل يصيح الكل يقدم خدماته إلى السي مسيلمة المغربي الكل مشترك متشارك في حمل خطاياه ودفعها دسا دسا إلى فوهة “القرقورة “.
فيخرج مسيلمة من رحبة السخون كمن ولدته أمه أول مرة .
ثم يعطس عطسته الشهيرة، فيُشمته الكل دون أن يَجهر بحمد الله والناس، بعدها يُصدر قراره الأخير بعد أن ابيض جلده فأصبح يسر الناظرين، أن كافئ حُظار البرمة والسخون بقرار هدم الحمام لأنه يهدد حياة الكسالة والوصالة والحمالة ووو.
اسم المشروع “قرارُ فرار” رقم المشروع رقم هاتف مسيلمة الشخصي.
الغريب في الأمر أنه لا أحد يدرك أنه فرار من أقدار منتهية إلى أقدار وليدة.
بقلمي سعيد عيسى المعزوزي، ما أقدمه ككل مرة ليس قرآنا منزلا ولكن أكتبه لا لأعود إليه ولكن ليعيد تصحيحه الآخرون .
أشكر الصديق العزيز الأستاذ شفيق السحيمي الذي ألهمني الفكرة بعد مكالمة هاتفية فوق أرضية فكرية عميقة.