خط دفاع متقدم إقتصادي
يونس مجاهد
عاد موضوع التهريب، من المدينتين المحتلتين من طرف إسبانيا، ليطرح بقوة، بعد وفاة سيدتين، في معبر طراخال، على الحدود التي تقيمها القوات الإسبانية، بسبب التدافع القوي الذي حصل، حيث وصل عدد النساء اللواتي لقين حتفهن، في هذا المعبر إلى ستة منذ بداية سنة 2017، الأمر الذي ينذر بمزيد من التوتر في هذه المنطقة التي يزدهر فيها التهريب.
ومن المعلوم أن التهريب من هاتين المدينتين، ليس وليد اليوم، بل يمتد الى عشرات السنين، إذ تحولت المدن القريبة منهما إلى مركز لاستقبال السلع المهربة، وترويجها في باقي مناطق المغرب، حيث تشتغل شبكات قوية في هذا النشاط التجاري، غير المشروع، الذي أصبح الملجأ الوحيد لعشرات الآلاف من الناس، الذين يسفيدون منه، بتفاوت، غير أن النساء الحمّالات، اللواتي يقطعن المعبر يوميا، لاستجلاب السلع المهربة، واللواتي يقدر عددهن بأكثر من 15 ألف إمرأة، هن الأقل استفادة والأكثر عرضة للشقاء والخطر.
المستفيد الأكبر من هذا النشاط التهريبي، هو الإقتصاد الإسباني، الذي كانت تقارير سرية سابقة، في منتصف تسعينيات القرن الماضي، كشفت أن حجم استفادة إسبانيا من التهريب نحو المغرب، أكبر من مبادلاته التجارية الرسمية مع بلادنا.
ولا يعرف اليوم، مع التطور الذي حصل في العلاقات الإقتصادية بين البلدين، هل مازالت السلع المهربة تحتل الصدارة، في مبادلات اسبانيا مع المغرب، غير أن النزيف مازال متواصلا، ويرهق الإقتصاد المغربي، لكن في ظل أزمة التشغيل والفقر، لم تتمكن بلادنا من إيجاد بديل لهذا النشاط، الذي يعكس صورة مهينة للمواطنات المغربيات، وهن يحملن الأثقال من سلع، بعضها فاسد.
وقد حاول المغرب تجاوز الهوة الإقتصادية بين شماله والمدينتين المحتلتين، بخلق محاور اقتصادية، خاصة في طنجة، غير أن الهوة مازالت متواصلة، بالإضافة إلى الزيادة في عدد السكان والهجرة من البوادي نحو المدن واستمرار الفوارق الإجتماعية، وغيرها من الإكراهات التي مازالت تجعل من التهريب بديلاً لا محيد عنه، لفئات من المغاربة.
وتحتل إسبانيا المدينتين، كخط دفاع متقدم، ضد المغرب، حيث تسميهما presidios، أي حصنا عسكريا متقدما لصد هجومات الأجنبي، وهي إستراتيجية معروفة لدى الإمبراطورية الرومانية، تعرف بتسمية les limes كخطوط دفاع متقدمة، في أرض الأجانب، لتقييد حركتهم الهجومية، وقد تجاوزت إسبانيا دورهما العسكري، ليصبح خط دفاع متقدم إقتصادي.