تداعيات التبادل الآلي للمعلومات في أوساط الجالية المغربية بين مطرقة التهويل وسندان الصمت الحكومي
مازال وقع الصدمة قائما بين صفوف مغاربة العالم، ومازالوا يعيشون وضعية ارتباك وذهول مستنكرين الصمت الحكومي حيال وضع غير مسبوق بصدد التبادل الإلكتروني لبياناتهم الخاصة. إنه الحدث الذي سيجهز على ما تبقى من الود المزيّف بينهم وبين الحكومة التي أحالت مرسوم قانون على لجنة الخارجية بين الدورات البرلمانية في 22 فبراير 2018، وناقشته يوم 23 فبراير 2018، والمصادقة عليه في الدورة الموالية يوم 28 ماي 2018. مرسوم قانون ملغوم يقضي بسن أحكام انتقالية في شأن التبادل الآلي للمعلومات لأغراض جبائية. ولأن المراسيم بقوانين ليست كمشاريع القوانين، فإنّها تختلف في مسطرتها التفعيلية. لذا فنحن ننتظر ما ستقرّره الحكومة في المرسوم التطبيقي من أجل أجرأة الاتفاقية التي لم تدخل بعدُ حيّز التنفيذ رغم توقيع المغرب عليها مع مجموعة OCDE يوم 25 يونيو 2019.
وهنا نتساءل هل تمّت دراسة هذه الخطوة بما يكفي قبل الإقدام عليها؟ وهل تمّ التشاور مع المجلس الاستشاري للجالية المغربية بالخارج على سبيل المثال، أو مع فعاليات مدنية وسياسية مرتبطة بالهجرة؟
وبالصدفة، جاءت حادثة طرد 25 عائلة من السكن الاجتماعي ناحية ليير الفلامانية البلجيكية بينهم عائلات من أصول مغربية لتشعل الشرارة الأولى لهذه الضجة على مواقع التواصل الاجتماعي، رغم أنّ حادثة ليير هي نتيجة أبحاث مؤسسة الإسكان الاجتماعي الفلامانية بوسائلها الخاصة، ولا علاقة للدولة المغربية بذلك، كما أنّ هذه القضية لا تمتّ بصلة إلى اتفاقية تبادل المعلومات المالية.
من بين الأدوار الأساسية للحكومة والوزارة الوصية هو التواصل الجدّي والمستمر مع أفراد الجالية. تواصل مدعوم بالشروحات اللازمة. وهذا يدخل في باب حقهم كمواطنين مغاربة في امتلاك المعلومة. فأين هي الوزيرة المكلفة بمغاربة العالم؟ أينك في هذه الأيام العصيبة لشرح مقتضيات الاتفاقية ولطمأنة المواطنين الذين تتحملين حقيبتهم الوزارية بعدم تسريب معطياتهم الشخصية للدول الأجنبية؟ أليس من حقّ هؤلاء أن يتمتعوا بحماية حياتهم الخاصة كما هو منصوص عليه في دستور بلدهم (الفصل 24)؟ هذا حدث مشهود سيدتي الوزيرة في تاريخ الهجرة المغربية التي تمتد لأزيد من نصف قرن. أين نحن من الفصل 16 من دستور المملكة الذي يقضي بالحفاظ على مصالح وحقوق مغاربة العالم في بلدان الإقامة، وعلى تمتين وشائج الارتباط بوطنهم الأم.
الحكومة هي المسؤولة الأولى عن حيثيات هذه الاتفاقية التي يبدو أنّها لا تحتوي على شروط للتبادل الآلي للمعلومات، تنحصر فقط حول الأشخاص المعنويين والذاتيين غير المقيمين من الجانب المغربي ومن جانب الدول الموقعة، بل تتعدّاهم لتشمل كل فئات الجالية. وفي ذلك مزيد من الهدر لحقوق مغاربة العالم المادية بعدما تمّ حرمانهم من حقّهم في المشاركة السياسية.
كبرلمانية من المعارضة سأحتفظ بحقي في طرح الأسئلة مطالبة بتبيان الحقيقة ورفع التعتيم عن بنود الاتفاقية، وأيضا بتجميد كل ما من شأنه – في نصوص المرسوم التطبيقية – أن يمس بحقوق ومصالح مواطنينا في الخارج وطلب الحماية القصوى لمعطياتهم الشخصية كما تقتضيه المواثيق الدولية لحقوق الإنسان. نحن لسنا ضدّ هذه الاتفاقية إذا كانت تروم مكافحة تهريب رؤوس الأموال خارج الوطن ومحاربة غسيل الأموال من طرف تجار المخدرات والمنظمات الإرهابية ولوبيات الفساد وكل الأموال المتأتية من أنشطة مشبوهة. وبالتالي رفع السرية عن المعطيات البنكية سيتمّ بطلب مبرّر من دولة ما، وقد لا تتمّ الاستجابة له إلا بعد الفحص وحسب ضوابط معينة. لكن المساس بحقوق ومصالح فئة عريضة من المواطنين، تناهز ستة ملايين نسمة، أمر مرفوض جملة وتفصيلا. مواطنون يساهمون في التنمية الاقتصادية لموطنهم الأصلي بتحويلات مالية تقدر بسبعين مليار درهم وبذلك يدعم المغرب رصيده من العملة الصعبة. الصمت المطبق للمسؤولين الحكوميين يفتح الباب أمام كل أنواع التكهنات والالتباسات، خاصة مع ما تحمله وسائل التواصل الاجتماعي من تهويلات مغرضة أحيانا وتأويلات متضاربة. مما دفع بالعديد من مغاربة العالم إلى الإعراب عن نيتهم في سحب ودائعهم المالية من البنوك المغربية والتي تصل إلى 185 مليار درهم، وغلق حساباتهم تفاديا للغرامات الناجمة عن الإقرار الضريبي في بلدان الإقامة، بل والتخلّي عن ممتلكاتهم العقارية في بعض الأحيان. لذا ندعو الحكومة إلى مراجعة بنود الاتفاقية مع استحضار المصلحة العليا للوطن، ومصلحة الوطن لا يمكنها أن تتعارض مع مصلحة أبنائه. كما نحذّر من تداعيات هذه القرارت على الاقتصاد الوطني بشكل عام ناهيك عن إضعاف ارتباط الدياسبورا المغربية ببلدها الأم. فمتى ستقرّر الجهات الحكومية المسؤولة التواصل مع أبناء الجالية بصراحة ووضوح؟ الأزمة الآن أزمة ثقة ستستفحل مع الوقت. وأخشى أنّ هذا الصمت الحكومي لن يزيد الأمر إلا تعقيدا.
لطيفة الحمود
برلمانية من مغاربة العالم