4 نونبر 2024

بنجرير.. رئيس النيابة العامة يقدم ارقاما خطيرة حول زواج القاصر بالمغرب

بنجرير.. رئيس النيابة العامة يقدم ارقاما خطيرة حول زواج القاصر بالمغرب




بسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه
السيد عامل عمالة إقليم الرحامنة؛
السيد الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بمراكش والسيد رئيس المحكمة الابتدائية ببنجرير؛
السادة الوكلاء العامون للملك والسادة وكلاء الملك؛
السيد مدير الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة مراكش آسفي؛
السيد المدير الإقليمي للتربية الوطنية بمراكش؛
السيد رئيس المجلس العلمي المحلي؛
السادة البرلمانيون؛
السادة رؤساء الجماعات المحلية؛
السادة القضاة؛
السيدات والسادة أطر التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة؛
السيدات والسادة ممثلو المجتمع المدني؛
السيدات والسادة الاعلاميون؛
حضرات السيدات والسادة، الحضور الكريم كل باسمه وصفته والتقدير الواجب له.
اسمحوا لي في البداية أن أعبر لكم عن سعادتي بافتتاح هذا اللقاء الجهوي الهام الذي يندرج ضمن التزامات إعلان مراكش 2020 للقضاء على العنف ضد النساء، المبادرة المبتكرة البناءة التي تم إطلاقها تحت الرئاسة الفعلية لصاحبة السمو الملكي الأميرة الجليلة للامريم.
وأغتنم المناسبة لأتوجه بالشكر والعرفان للسيد عامل عمالة إقليم الرحامنة على استضافته الكريمة لهذا اللقاء، وعلى العناية والاهتمام والانفتاح الذي عبر عنه في تفاعله مع المبادرة.
وفي هذا السياق يجمعنا لقاء اليوم حول موضوع يهمنا جميعا، وهو موضوع «زواج القاصر”، نسعى للوقوف فيه سويا على نتائج تجربة مراكش لتفعيل الاتفاقية الإطار بين رئاسة النيابة العامة ووزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة من أجل الحد من الهدر المدرسي للوقاية من زواج القاصر.
لابد من الإشارة أن لقاءنا يتزامن أيضا مع فترة الاحتفال باليوم العالمي لحقوق الطفل الذي يصادف 20 نونبر من كل سنة واليوم العالمي لمناهضة العنف ضد النساء الذي يصادف 25 نونبر من كل سنة. واللذان يعتبران وقفة سنوية لتقييم السياسات والبرامج الرامية لحماية الطفولة ولحماية النساء والفتيات من العنف في حقهن.

حضرات السيدات والسادة؛
نعلم جميعا أن قضايا زواج القاصر من القضايا ذات الراهنية الكبرى في المجتمع لتأثيرها المباشر على حق الطفل في الحياة والنماء والرفاه والسلامة الجسدية والنفسية، وغيرها من الحقوق التي تكفلها القوانين الوطنية والاتفاقيات الدولية ذات الصلة، فالمغرب بصفته دولة طرفا في الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل وغيرها من الاتفاقيات ذات الصلة وتماشيا مع التزاماته الدولية، لاءم قانونه الوطني وحدد سن الأهلية للزواج في 18 سنة شمسية كاملة، ولم يسمح بزواج من لم يبلغ بعد السن القانونية إلا بصفة جد استثنائية، وأخضعه لمجموعة من الشروط أهمها أنه جعل الإذن بيد القضاء ومنحه سلطة تقديرية في منح الإذن من عدمه بعد تقصي مصلحته من هذا الزواج من خلال الخبرات والأبحاث الاجتماعية التي يأمر بإجرائها، وذلك توجها من المشرع نحو حماية الطفل ومراعاة مصلحته الفضلى.
غير أن الإحصائيات والتقارير الرسمية الصادرة في هذا الموضوع تشير إلى أن المحاكم ما فتئت تتوصل بمزيد من طلبات الإذن بزواج القاصر، حيث تلقت سنة 2020 ما يعادل 19926 طلبا صدر بشأنها 13335 إذناً بالزواج (تقرير رئاسة النيابة العامة لسنة 2020)، ما يجعل الظاهرة مقلقة وتتجاوز الاستثناء. فالواقع أنتج وضعية لا تساير على الوجه المطلوب فلسفة المشرع التي اتجهت إلى جعل هذا الزواج استثناء في أضيق الحدود.
وإذا كان القضاة غير مسؤولين عن الأرقام المهولة من الطلبات الرامية إلى تزويج القاصرات لارتباط ذلك بمجموعة من العوامل السوسيو ثقافية والاقتصادية والتنموية وغيرها، فإننا بالمقابل مسؤولون جميعا عن الأرقام المرتفعة لزواج القاصر. وهو الأمر الذي يدعونا لعدم إفراغ الاستثناء التشريعي من محتواه والحرص الدائم على توخي المصلحة الفضلى للطفل كل من موقعه، وهو ما جسدته فلسفة إعلان مراكش 2020، كمبادرة رائدة تهدف لضمان التقائية التدخلات وتنسيقها، ودعم المقاربة التشاركية في مجال محاربة العنف ضد النساء والفتيات والحد من زواج القاصر.
فموضوع زواج القاصر ظاهرة اجتماعية بامتياز يتداخل فيها القانوني بالاجتماعي بالاقتصادي بالديني بالثقافي…، وبالتالي فالمقاربة القانونية أو القضائية وحدها لن تكون مجدية بل يجب مساءلة باقي فضاءات التدخل كذلك، كالمدرسة والصحة والإعلام والمجتمع المدني دون أن نغفل دور الأسرة في ذلك وغيرها من الفضاءات المعنية بقضايا الطفولة في بلادنا.
ومما لاشك فيه أن الحصول على تعليم عصري ملائم متاح للجميع عبر توفير الحماية القانونية والاعتبار الاجتماعي لجميع الأطفال بكيفية متساوية بصرف النظر عن وضعيتهم العائلية أو الاجتماعية، مسلك أساسي لتحقيق هذه الغايات، وفي المقابل يشكل الهدر المدرسي أهم الأسباب التي تعوق تحقيقها، وهو ما برر إبرام الاتفاقية الإطار بين رئاسة النيابة العامة وقطاع التربية الوطنية من أجل تكثيف التعاون بين الطرفين كل من موقع تدخله للوقاية من الهدر المدرسي باعتباره رافدا أساسيا لزواج القاصر.
حضرات السيدات والسادة؛
إن رئاسة النيابة العامة تؤمن بعدم جدوى العمل الفردي أو المقاربة الأحادية، كما سعت منذ تأسيسها إلى مواكبة انشغالات المجتمع من خلال طرح القضايا التي تستأثر باهتمامه للنقاش، ومقاربة أية ظاهرة اجتماعية يشتبه في انتهاكها لحقوق الإنسان عامة ولحقوق الطفل خاصة، مقاربة تروم تطوير تدخلها من خلال النيابة العامة بالمحاكم.
ومواكبة منها لموضوع زواج القاصر بالنظر لانعكاساته الوخيمة على الصحة النفسية والبدنية للطفل، وتفاعلا منها مع النقاش المجتمعي حول الزواج المبكر ، جعلت رئاسة النيابة العامة زواج القاصر في صلب اهتمامها منذ شروعها في ممارسة مهامها بعد استقلال السلطة القضائية، وعبرت عن ذلك من خلال دوريتين الأولى بتاريخ 29/03/2018 والثانية بتاريخ 21 يناير 2020 ، تحث من خلالهما قضاة النيابة العامة على تفعيل الصلاحيات المخولة لهم قانونا للحفاظ على حقوق الطفل ومصالحه الفضلى كالتسجيل في الحالة المدنية وغيرها، كما دعتهم إلى عدم التردد في التماس رفض الإذن بالزواج كلما اقتضت مصلحة القاصر ذلك، ورسمت لهم بالتالي خارطة طريق للنهوض بدورهم الحمائي للطفل بهذا الخصوص. كما وجهت دورية ثالثة بتاريخ 9 يونيو 2021 دعت فيها النيابات العامة بجميع محاكم المملكة إلى تعميم العمل بالاتفاقية الإطار للشراكة والتعاون مع قطاع التربية الوطنية لمحاربة الهدر المدرسي، موضوع لقائنا اليوم.
وفي نفس السياق حرصت رئاسة النيابة العامة على تكثيف برامج التكوين التي يستفيد منها قضاة النيابة العامة لتعزيز قدراتهم وخبراتهم في المجال. كما أنجزت دراسة تشخيصية حول موضوع زواج القاصر، من أجل الوقوف على الحجم الحقيقي له وتحليل الظروف الاجتماعية والاقتصادية والثقافية المحيطة به، وتقديم توصيات تقارب الأسباب الحقيقية لارتفاع أرقام زواج القاصر، وهي الدراسة التي سنقدم نتائجها في الأيام القليلة المقبلة.
وإذ ننظم سويا هذا اللقاء الجهوي اليوم، فهدفنا المشترك هو الوقوف على ما تم إنجازه في المنطقة النموذجية الأولى “مراكش”، تنفيذاً للاتفاقية ذات الصلة بمحاربة الهدر المدرسي، من طرف النيابات العامة من جهة والمصالح التابعة لقطاع التربية الوطنية من جهة أخرى.
ومن هذا المنطلق يجب التنويه بالمجهودات التي بذلت من قبل الجميع وبالدينامية التشاركية والتنسيقية التي تم بها تنفيذ مقتضيات الاتفاقية وأهدافها النبيلة.
وختاما، أؤكد لكم أن رئاسة النيابة العامة متطلعة باهتمام كبير لنتائج هذا اللقاء، وكلي يقين بأن مخرجاته ستكون منطلقا جديدا لتجويد مخططاتنا المشتركة.
وفقنا الله لما فيه خير وطننا وجعلنا عند حسن ظن قائد هذه الأمة مولانا الإمام جلالة الملك محمد السادس حفظه الله وأعز أمره ونصره وأقر عينه بولي عهده الأمير الجليل مولاي الحسن وشد أزره بصنوه الرشيد الأمير مولاي رشيد وكافة أسرته الشريفة، إنه سميع الدعاء وبالإجابة جدير.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *