الموسيقى في زمن كورونا
توفيق سرحان طالب باحث وفنان
غادرت البسمة المسارح والمعاهد ودور الثقافة وقاعات العرض، حجر صحي خيم على أرجاء المعمور، كورونا عبثا تحاول وقف الإيقاع وبعثرت الألحان، فلازالت الكمنجات الجميلات والعيدان الملهمات تُدوْزن شادية ، وآلة البيان والساكسفون يصدحان بأعذب الألحان يرافقهم قانون ودف وإيقاع لتشكيل السيمفونيات باختلاف مفاتيحها وطبقاتها وحركاتها الأربع، لتتعالى أصوات الفنانون والفنانات من البيوت وشرفات المنازل تصدح بترانيم عازفة أمل الحياة شرقا وغربا سمفونية كورنا للأمل، ولحن الحياة، مبشرة بصبح يلوح في الأفق وإن طال انتظاره، غير أبهة بموت يعصف ببني الإنسان،ليطرح السؤال ما الحاجة إلى الموسيقى في زمن كورونا؟ ما طبيعتها وأهميتها؟ وكيف يمكن تقاسمها في عالم رقمي زمن الحجر الصحي لكن قبل الإجابة على هذا الأسئلة لا بد من التعرف على هذا الفن ذا الطبيعة العلمية .
فالموسيقى فن وعلم مكون من السكوت والأصوات التي تصدر خلال فترة زمنية، وهي كلمة ذات أصول يونانية، وقد كانت سابقاً تعني مجموعة الفنون بشكل عام، إلا أنها مؤخراً أصبحت تقتصر فقط على لغة الألحان، الذي يبحث في تنظيم الأنغام، والروابط والعلاقات فيما بينهم، بحث في النغم والإيقاع والوزن يستعمل أنواع متنوعة من الآلات في العزف، ومنها: الآلات العضوية (التصفيق، وصوت الإنسان)، والآلات الوترية (العود، والكمان، والقيثارة)،)( والآلات النفخ البوق والناي)، والآلات الإلكترونية (الأورغ)، شاملة كذلك الهر مونيكا والطبول. وبما أننا نعيش حجرا صحيا لنتعرف على أهميتها فالحاجة الإبداع والثقافة تزيد بشكل كبير ولافت للانتباه فهي تبنى على علم الرياضيات نظرا لمدد علاماتها الموسيقية وحركاتها الميترونومية ومباحث الهرموني وحقولها وأوزانها والفيزياء ارتباط بأصواتها المختلفة وعلى المستوى النفسي أثبت الطب قديما وحديثا قدرتها التأثيرية على حالات النفس إما حزنا أو فرحا وتراقصا وتمايلا وتنمية ملكات التفكير والتركيز والفهم وحسن إصغاء، الشيء الذي انتبهت إليه الحضارة اليونانية من خلال شد انتباه الجمهور بالسماع إلى المقطوعات الموسيقية قبل البدء في عملية الخطابة التي حررت الإنسانية وارتقت به على مستوى الفكر وشكلت البراثين الأولى للتفكير العلمي، فالموسيقى تسهم في الإعداد النفسي للمتلقي وتمكنه للإصغاء بكل كيانه ووجدانه، متيحة انسجاما بين الروح والعقل، لها وظيفة اجتماعية وتربوية كما تحقق التفاهم بين عموم الناس وتبرز الحاجة إليها كوسيلة في التنشئة الإجتماعية منذ البواكر الجنينية للأطفال- فكثيرا معتمدتها دول غربية كإيطاليا التي تنظم حفلات موسيقية للنساء الحوامل- فكيف لا واكتشاف علاماتها الموسيقية كان من طرف الراهب الإيطالي أريزو من خلال الترانيم سنة 1800م
وتزيد أهميتها في تنمية الإدراك الحسي للطفل وتضبط قدراته على الملاحظة والتنظيم المنطقي وتحفيز الذاكرة السمعية، مكسبة إياه القدرة على الإبتكار والإبداع، وتيسر له عملية تعلم المواد التعليمية والدراسية، وتعمل على تحفيز وإثارة الكثير من الانفعالات في شخصيته مثل: القوة، والفرح، والحزن، والشجاعة، وهذا بدوره يزود عالمه بالعديد من المشاعر والأحاسيس التي تنمي الحس الإنساني لديه. إضافة إلى الجانب الإجتماعي لديه، فالألعاب الموسيقية والغناء يقويان ثقته بنفسه، الأمر الذي يجعله يعبر عن مشاعره دون خجل،كما يقوي علاقاتها بأصدقائه وأقرانه.
لكل ذلك تبقى أهمية الموسيقى في زمن كورونا بالغ الأثر على الإنسانية جمعاء، خاصة الأطفال هذه الفئة التي عانت الكثير والكثير في زمن كورنا من غياب وسائل الترفيه والتسلية لديهم وتقبل حركيتهم من الأمهات والآباء وعموم المربين.
على مستوى التقاسم الموسيقي في زمن كورونا، فالحجر الصحي لم يمنع الأصوات عن الشدو ولم ينل منها عزفا وغناء، فلقد أثبت واقع الحال أنها ظلت لسان من أعجزه الحجر عن البوح والتعبير عن مكنون النفس، لذلك تبقى قيمة التقاسم الموسيقي في تدريسه وتعليمه عبر المنصات الرقمية ذا أهمية قصوى لتصل إلى عموم الأطفال والشباب فكورنا أتبت بالملموس أن الموسيقى لغة الشعوب باختلاف الأجناس والأعراق والديانات مساهمة في نشر ثقافة التسامح والتعايش، إلى أن ترفع كورونا ستبقى الموسيقى صلة الوصل وسيحتفى بزوالها بالموسيقى.