2 نونبر 2024

الفنانة التشكيلية لبابة لعلج تكرم مسار مصمم الأزياء العالمي الراحل كارل لاغرفيلد

الفنانة التشكيلية لبابة لعلج تكرم مسار  مصمم الأزياء العالمي الراحل كارل لاغرفيلد

لبابة لعلج

توفي مصمم الأزياء العالمي والمصور الفوتوغرافي والمخرج والناشر كارل لاغرفيلد ، الثلاثاء الماضي بمستشفى باريسي عن عمر ناهز 85 عاما، وفق ما أعلنت دار “شانيل” الفرنسية التي كان مديرها الفني طيلة 36 عاما، وذلك بعد نقله إلى مستشفى في منطقة نويي-سور-سين خارج باريس.
وظل لاغرفيلد أيقونة في عالم الأزياء على مدى نصف قرن واشتهر بارتداء البدلات الداكنة وتميز بشعره الأبيض القصير المصفف في شكل ذيل حصان وبنظارته الشمسية المعتمة. كما تميزبعمله مع شانيل لكنه كان يصمم مجموعات لدار أزياء فيندي التابع لشركة لوي فويتون مويت هينيسي وللعلامة التجارية التي تحمل اسمه.
وكان لاغرفليد الملقب بـ “القيصر” يعرف كيف يقتنص الفرص. فقد صمم في 2004 مجموعة للعملاق السويدي للملابس ذات الأسعار المنخفضة “إتش أند إم”، ضاربا القدوة لمصممين آخرين. وكان يتقن اكتشاف المواهب في مجال الأزياء، مثل اكتشافه الفرنسية إنيس دو لا فريسانج والألمانية كلاوديا شيفر والبريطانية كارا ديلافين والأمركية الفرنسية ليلي-روز ديب والجزائرية زاهية.
وأكد برنار أرنو رئيس شركة لوي فيتون وفاة لاغرفيلد قائلا إن مصمم الأزياء الراحل الشهير جعل باريس عاصمة الموضة في العالم. حيث تضمن بيان لأرنو أنه “برحيل كارل لاغرفيلد نكون قد فقدنا عبقريا مبدعا ساهم في جعل باريس عاصمة الموضة في العالم وجعل فندي أحد أكثر بيوت الأزياء الإيطالية إبداعا. “لقد فقدت الموضة والثقافة مصدرا عظيما للإلهام”.
بدورها كرمت هذا الفنان الطلائعي عبر لوحاتها التشكيلية عام 2017 وكتبت في حقه هذه الشهادة : “كارل لاغرفيلد عبقري مبدع ، ملحاح ، مواظب ومثابر ذو رؤية عميقة . بالنسبة لي، إنه فنان طلائعي”.

“البوب آرت” العجائبي في تجربة الفنانة لبابة لعلج

من المعلوم في تاريخ الفن أن حركة البوب آرت نشأت في بريطانيا العظمى أواسط 1950 ثم بالولايات المتحدة الأمريكية بعد مرور عشر سنوات ، حيث تأسست على مبدإ الانزياح وإعادة تأويل علامات المجتمع الاستهلاكي بكل قوانينه الإشهارية وأساطيره الثقافية الشعبية: صور صحفية، وسائط إعلانية، منتوجات صناعية، نجوم في مختلف الفنون والقطاعات المجتمعية، أشرطة مرسومة، ممارسات موسيقية، أعمال سينمائية تجريبية…
على آثار أندي وارول وجون كاج وروبير روشينبرغ وروي ليشتينستين ، أبت الفنانة لبابة لعلج إلا أن تكرم بصيغة إبداعية خالصة رمزي شخصيتي كارل لاغرفلد وزاهية في عمليها التشكيلين : “زاهية وسط حلمها” (تقنية مختلطة ، 100×100 سم ، 2017 ) و”كارل لاغرفيلد أو العبقري المبدع” (تقنية مختلطة ، 100×100 سم ، 2017 ) . تستحضر الفنانة سر شهرة العبقري الألماني مصمم الأزياء والمصور الفوتوغرافي والمخرج والناشر كارل لاغرفيلد الذي رعى واحتضن المجموعة الأولى لملابس البطلة زاهية بمناسبة آخر أسبوع الموضة الباريسي عام 2012 وقام بتصويرها الفوتوغرافي. ترك طابعه الخاص في كل دار أزياء عمل فيها، وهو المصمم الرئيسي و المدير الفني لدار أزياء ” HYPERLINK “http://www.chanel.com/ar_ME/” \t “_blank” شانيل” و ” HYPERLINK “http://www.fendi.com/ii/” \t “_blank” فيندي”، ثم أنشأ دار الأزياء الخاصة به، وخلال عقود أشرف على الحديث في عالم الموضة والازياء ووضع بصمته الخاصة، كما أصبح معروفاً حول العالم بأناقته الشديدة وشعره الأبيض ونظارته السوداء.
هكذا، جادت قريحة لبابة بهاتين اللوحتين الغرائبيتين مدشنة بذلك، كسبق تاريخي بالمغرب، الإرهاصات الأولى لفن شعبي عجائبي ذي دلالات سوريالية بليغة المعنى والدلالة، فما استأثر باهتمام المبدعة ليس جمال لاغرفيلد و زاهية أو شهرتهما بل قدرهما الوجودي المرسوم كمقاومة عنيدة لكل المثبطات والإكراهات. تقول الفنانة في هذا الصدد: “زاهية ملكة الشجاعة. طاقتها الأنثوية ماء يدور. مهما كانت الصخور، فقد عاشت حياتها دون ثقل الأحكام. “.
ما يثير نظرة المشاهد المتبصر، الإطار المغاير الذي رسمته الفنانة لبابة على خلفية وردية – بيضاء تخترقها المواد المختلطة على مستوى الوحدات البصرية التي تنزع إلى تبئيرها كالشعر والصدر ، تاركة عدة فضاءات منسابة وشفافة تشغل الحيز الكلي للوحة. زاهية في هذا العمل امرأة أخرى من خيال لبابة. انها زاهية لبابة . يا لها من علاقة تماهية بين الفنانة ونجمتها الأسطورية التي فتنت أوساط الموضة العالمية، وأغوتها ببلاغة الجسد وملحقاته.
امتدادا لهذا المسلك الفني الشعبي على الطريقة المعاصرة ، تطالعنا شخصية كارل لاغرفيلد بهالة سرية ، وبتعابير هلامية: نجم ببدلة سوداء حاملا نظارتيه الشهيرتين، منفردا بنظرة ثاقبة ثلاثية الاتجاه ، يتعلق الأمر من الناحية المجازية بالقوة التبصرية والرائية التي يتحلى بها هذا المصمم الألماني الحداثي، وأحد رموز الرشاقة على المنوال الفرنسي . ما سر استيحاء هذه الأساطير الحية والمؤسسة للفن المعاصر ؟ ما هي القواسم المشتركة بينها وبين النماذج العليا التي طالما سكنت عوالم لبابة ن وتصدرت مشاهدها الغرائبية والتعبيرية الرمزية ؟
لا جدال في أن الفنانة لبابة تسعى من خلال لوحتيها المرجعيتين إلى تخليد الوضعية الاعتبارية والرمزية لهذين المثالين النموذجين كأمثولة للجمال ، والهالة والمواظبة والتفاني في الإصرار والتحدي . كتبت الفنانة لبابة في هذا الشأن : “كارل لاغرفيلد عبقري مبدع ، ملحاح ، مواظب ومثابر ذو رؤية عميقة . بالنسبة لي، إنه فنان طلائعي ” .
ما يستهوينا، أيضا، في المنجزين معا، ملكة التوظيف الخيميائي للمادة الصباغية وغير الصباغية ، مع التحكم في تفضية المشهد البصري العام ، وتأكيد عمقه المنظوري ، وشفافيته اللونية، ونظام قياسه التماثلي (زاهية في وضعية تقابلية مع كارل عن بعد ،قامتها تشغل أعلى اللوحة وقدماها متجذرتان في الأرض كما هو شأن صورة كارل).
لعل رسالة اللوحتين معا دالة على منطق المصالحة بين الجسد/ الأرض والروح /السماء، أي بين ثنائية الواقع/ المادة والفكر /المثال.
بدل أن تنتقد لبابة المجتمع الاستهلاكي على غرار فناني البوب آرت (جاسبر جونس، دافيد هوكني…) أو فن الشارع الحضري (الفنان الأمريكي جون ميشيل باسكيا، والفنان الإنجليزي بانكسي ….) تراها تخلد بالريشة والخيال الجامح بعض الرموز المؤسسة لقيم النجاح والارتقاء ، انطلاقا من أرضية واقعية محكومة بنوائب الدهر وتقلباته . فالفنانة في بحث مستمر عن الكمال والمثال ، موجهة رسالة هادفة إلى الإنسانية جمعاء لكي ترمم كيانها الحضاري المهدد بالتكييف والتشييئ والتسليع.
لبابة حريصة على أن تجعل من لوحاتها الفنية بيانا إنسانيا يسلط الضوء على القيم النبيلة والمؤكدة التي تعزز هويتنا الوجودية في شكل طقس بصري توجيهي ، وحكاية تنويرية تستهدف التحسيس والتوعية .
أدهم معتز
كاتب وباحث سوري

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *