العراقي لـ”المغربي اليوم”: “هناك طلاق غير معلن ما بين النخب السياسية والمجتمع”
ما هي قراءتك للمشهد السياسي خلال العشرية الأخيرة؟
– قراءتي للمشهد السياسي قراءة لتجربة بينت في آخر المطاف أن التعامل على أساس الثقة وحده يؤدي إلى نتائج عكسية، وإذا أخذنا الانتخابات الأخيرة على سبيل المثال نرى أن أربعة مغاربة على خمسة ليس لديهم ثقة في المسلسل ككل، بحيث لم يشاركوا في الانتخابات، ونلاحظ أن 35 في المائة من الكتلة الناخبة لم تسجل حتى في اللوائح الانتخابية، إضافة إلى تلك النسبة، التي شاركت، وهي 37 في المائة يوجد فيها عدد كبير من البطائق الملغاة، وإذا دخلنا في التفاصيل نؤكد أن هناك طلاقا غير معلن ما بين النخب السياسية والمجتمع، وبالتالي، لم تعد هناك ثقة حتى بين النخب، ولكن على أية حالة، أكدت سنة 2002، أن المشاركة في الحكومة على أساس الثقة ليس إيجابيا.
- ما هي الدروس السياسية التي تستخلصها من خلال العشرية الماضية؟
– إذا كان هناك درس كبير ينبغي استخلاصه من المشهد السياسي في العشر سنوات الأخيرة، فهو أن الضمانات الدستورية في نص واضح تفوق بكثير الثقة، التي يجب أن تكون، لكن ليس كعامل من عوامل تشييد المستقبل، الثقة يجب أن تأتي في سياق الضمانات وليس العكس، وما أتمناه أن نفعل الضمانات المنصوص عليها في دستور سنة 2011، وأظن أن ذلك ممكن، وأن المغرب يمكن أن يعطي للآخرين نموذجا حضاريا من أجل التنمية والازدهار والسلم.
- شغلت منصب وزير للبيئة في حكومة التناوب لو عينت في هذا المنصب اليوم ماذا كنت لتفعل؟
– سأرجع إلى الطريق، الذي ينبغي العودة إليه، وهو إعادة النظر في جملة من التوجهات الاقتصادية والاجتماعية وحتى الثقافية، التي تحكم العلاقة ما بين البيئة الاجتماعية والبيئة الثقافية، وفي هذه الحالة، في إطار مشروع مشترك بين جميع المغاربة يستدعي الكثير من التواصل الصريح ليلعب كل دوره، وأن تغير من تلك التوجهات، التي تسير في اتجاه الضغط على البيئة، لتذهب في إطار التعايش مع البيئة، وليس الضغط عليها، لأن هذا الوسط ملك مشترك عابر للأشخاص وللأجيال ولفضاءات العيش الخاصة، وأن السياسة البيئية ليست سياسة تلاؤم البيئة مع الإرادات، بل تلاؤم الإرادات مع تستلزمه حماية البيئة والاستفادة المستدامة منها.
وأعتقد أن من الأولويات الكبرى للبيئة والتنمية في المغرب مسألة إعداد التراب الوطني ومسألة الجهوية، اللتان يجب أن تأخذا أبعاد التنمية المحلية المتكاملة مع التنمية الوطنية، وهذا ما يعني تدابير مدققة جدا في ما يخص الوسائل البشرية والمادية والمعنوية للتنمية المحلية.
لا يجب أن يظل لدينا منظور تمييزي ما بين بعض المناطق على حساب أخرى، كما أن التوازنات الاجتماعية لا يمكن تحقيقها إلا بفضل التوازنات المجالية، وما ينبغي استدراكه، إعادة إنتاج هذه التوازنات المجالية، ما يعني جهوية محكمة من خلال اعتماد دراسة التأثير على البيئة كلما تعلق الأمر بمشروع اقتصادي أو اجتماعي أو سكني أو سياحي، ولا يجب أن نتعامل مع البيئة من زاوية الربح المباشر لأن تحويل أرض فلاحية إلى أرض عمرانية، ربما يسمح للمقاول أو المضارب بربح مئات الملايير، لكن من المؤكد أن الطفل، الذي سيولد سنة 2011، لن يستفيد تماما من المضاربات العقارية، التي جرت في سنة 1990 في غابة بوسكورة، مثلا، ذاك الطفل سيجد نفسه فاقدا لكل شيء، وبالتالي، المسائل البيئية، التي يمكن أن تنجز ببساطة هي السياسة، التي تسمح بها الطبيعة إذا أردنا أن نبسط الأمور لأقصى حد.
- كنت من أبرز الأصوات المعارضة داخل الاتحاد الاشتراكي لتغادره بعد ذلك، وتؤسس الحزب الاشتراكي، قبل أن تعود اليوم لبيت الاتحاد الاشتراكي فما هي محددات هذا القرار ؟
– تاريخ الحركة التقدمية إلى حدود سنة 1975، كان تاريخ الاصطدام مع المؤسسة الملكية ومنذ، 1996، كان هناك نوع من التردد الذي جرى الحسم فيه سنة 1996، بتبني الحركة التقدمية خيار بناء الثقة مع المؤسسة الملكية من أجل التغيير المؤسساتي، ودخلنا حكومة التناوب سنة 1998، على هذا الأساس، وفي سنة 2002، جرى فسخ عقد تشييد المؤسسات على أسس سلمية من طرف واحد، وشخصيات عبرت عن أملي في أن يغادر الاتحاد الاشتراكي الحكومة، وحاولت منذ سنة 2002 إلى سنة 2006، من داخل الاتحاد الاشتراكي المساهمة في التصحيح الضروري، فلم تساعد الظروف على ذلك، وفي سنة 2005، وتماشيا مع التزاماتي في ما يخص المسلسل الديمقراطي، الذي ابتدأ منذ سنة 1975، ومن أجل المحافظة على المشروع الاتحادي وهذا المسلسل الديمقراطي، شكلت رفقة إخوان لي “الحزب الاشتراكي، وشعاره” مغرب المستقبل، مغرب المؤسسات والمواطنة”، وعلى هذا الأساس تأسس الحزب سنة 2005، قبل أن تترسخ لتا القناعة اليوم بضرورة العودة للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.
- ارتباطا بالسؤال السابق من هم أبرز القياديين والكوادر الذين تأثرت بهم خلال مسارك السياسي؟
– أذكر على سبيل المثال لا الحصر، عبد الرحيم بوعبيد، وعبد الرحمن اليوسفي، والفقيه البصري، ومحمد بنسعيد أيت يدر، ومحمد عابد الجابري، وعمر بنجلون، والمهدي بنبركة، الذي لم ألتقه شخصيا، بل سبق لي أن لمحته في أحد الأيام، ولم يكن لي أي اتصال مباشر به لأن سني كان، أنذاك، ما بين 11 و 12 سنة، وتعرفت إلى علال الفاسي كذلك، لكن الشخصية، التي كانت قريبة مني وتأثرت بها كثيرا هي شخصية عمر بنجلون، الذي كان مكلفا بتاطير الطلبة ككل، سواء في المغرب أو في الخارج، ومحمد عابد الجابري كنت أيضا، قريبا منه كثيرا، إضافة إلى الفقيه البصري، الذي تعمقت معرفتي به عند عودته إلى المغرب، وارتبطت به واستفدت كثيرا منه لأنه كان يمتلك ذاكرة نضالية غنية جدا.
- من كان سببا في ولوجك المجال السياسي؟
– انخرطت في العمل السياسي انطلاقا من المنزل لأن والدي كان من رجالات الحركة الوطنية، ومن منخرطي حزب الاستقلال، وكان متخصصا في توزيع جريدة الحزب، التي كانت تمنع في بعص الأحيان، وبالتالي، عندما كنت صغيرا جدا، كنت أتصفح الجريدة، كما كانت بعض الرموز الكبيرة تزورنا في المنزل، وكان المحيط الذي تربيت فيه هو محيط الحركة الوطنية، وتابعت جيدا حملة دستور سنة 1962، إذ كان المرحوم علال الفاسي تبنى موقف معينا، وكانت للمراحل القدرة على التأثير الخطابي في الجماهير، وأتذكر جيدا أنني حضرت له بحي سيدي معروف مهرجانا خطابيا بهذا الخصوص، كما شاهدت جلالة الملك الراحل محمد الخامس يلقي خطابا في مسجد المحمدية مباشرة بعد عودته من المنفى، وحملني والدي لحظتها فوق كتفيه لأستمع لخطاب المرحوم محمد الخامس، ويمكنني القول بشكل عام إنني عشت في محيط خول لي الانشغال بالسياسة، وكان يهمني تتبع ما يروج في الساحة، آنذاك، لكن الانخراط السياسي، الحقيقي، الذي لم يكن عن قصد جاء مع أحداث 23 مارس 1965، إذ كنت في تلك الحين أوجد بشارع محمد الخامس، الذي كان معتقلا لانطلاق أحداث 1965، فوجدت نفسي بصفة طبيعية وتلقائية من بين المشاركين في تلك الأحداث، وشاهدت عددا من المآسي، ووقفت على وفاة عدد من الرفاق وتعذيبهم، ولحظتها انجذبت إلى النضال من أجل الكرامة والحرية بصفة طبيعية وتلقائية، كما وجدت نفسي في أحداث لعبت فيها الثانوية دورا معينا واقتنعت بعد ذلك أن مستقبلي هو مستقبل إنسان يجب عليه الدفاع عن بعض المبادئ.
منذ ذلك الحين انخرطت تدريجيا في العمل السياسي، بدءا من الإتحاد الوطني لطلبة المغرب سنة 1968، وبعده الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ثم بعد ذلك الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ثم الانخراط في العمل السياسي من بابه الواسع رفقة رموز الحركة الوطنية، وتلقيت في تلك المرحلة تكوينا سياسيا جيدا، وبعد ذلك توجهت إلى أوروبا سنة 1970، لمتابعة دراستي، والتي ابتأتها في الرباط، ثم جاءت أحداث 1968 و 1969، ما دفع والدي خوفا علي لإرسالي إلى فرنسا وبالضبط إلى مدينة تولوز، لمتابعة دراستي، ودامت هذه الفترة من 1970 إلى سنة 1979، وكانت تلك المرحلة فترة للمواجهة السياسية الخاصة بمغربية الصحراء، بحيث كان انشغالنا الأول كطلبة هو قضية الصحراء المغربية، وكانت لنا مواجهات عديدة كمدافعين عن مغربية الصحراء مع خصوم الوحدة الترابية.
- هل سبق لك أن تعرضت خلال مسارك للاعتقال السياسي؟
– لم يسبق لي أن اعتقلت، كانت هناك فقط مسائل بسيطة، كالاستنطاقات البوليسية، لا أقل ولا أكثر، وأتذكر في هذا اللإطار أن أحد المسؤولين الأمنيين قال لي لحظة بداية التقارب ما بين حزب الاتحاد الاشتراكي والمؤسسة الملكية في أوائل الثمانينات من القرن الماضي إن لم تخني الذاكرة، وكانت في تلك الفترة لقاءات بين عبد الرحيم بوعبيد والملك الحسن الثاني، رحمهما الله، من أجل قضايا كبرى تهم البلاد، قال لي رجل الأمن خلال الاستنطاق “ملي هما في القمة توافقوا أجي تاحنا في القاعدة نتوافقوا ” في إشارة منه إلى ضرورة أن أجيبه على الأسئلة دون مقاومة.
أحمد العراقي عضو المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي ووزير أسبق