2 نونبر 2024

قصتي مع الكتاب المقدس

قصتي مع الكتاب المقدس

ما الذي جعلنا نهتم بأمر الكتاب المقدس ؟ كيف دخل الكتاب المقدس إلى حياتنا بشكل هادئ؟ ما الذي أغرانا بثنايا الكتاب المقدس ؟ كيف دخل الفكر المسيحي بشكل متواصل في حياتنا و أصبح منهجنا في كل أمر من أمور حياتنا ؟ كيف تعمقنا في دراسة اللاهوت المسيحي و أصبح آلية لإنتاج الأفكار و المفاهيم ؟ فليس شيء أكره إلى نفسي من أن يقول لك أحدهم أن الكتاب المقدس الذي تؤمن به “كتاب مُحرف”،هذا ما تعجً به سوق الأنتلجنسيا المؤدلجة دينياً بالعالم المدعو بالإسلامي كذبا و بهتانا، و هذا ما يدعيه فقهاء الوحدة المذهبية عندنا بمغرب اليوم، مستعملين التنميط الإيديولوجي الديني للعقول و الأفهام،فهذه الأدلوجة بتعبير عبد الله العروي،أو هاته الخرافة توهم الناس بأن الكتاب المقدس لعبت فيه الأيدي البشرية ! و كأن الله عاجز عن عدم حماية كلمته و ذكره بلغة القرءان.

سأحكي لكم هنا بدايتي الأولى في البحث بثنايا الكتاب المقدس،لعلي أجد إجابة أو شبه إجابة عن الإدعاء القائل ب”تحريف الكتاب المقدس”،لازلت أذكر أن بدايتي الأولى مع الكتاب المقدس أتت نتيجة بعض المطارحات الفكرانية مع المؤمنين به،أولاً،مع عائلة إنجليزية و بعض المسيحيين المغاربة (إثنان فقط)،ثانياً،كتاباتpoul ricoeurs حول الهيرومنطيقا و الكتاب المقدس،هذه هي بداية علاقتي بالكتاب المقدس،مع فكرة إستبدت بي منذ نعومة أظافري،و هي أن الكتاب المقدس تم تحريفه كما تؤمن بذلك المرجعية الدينية الإسلامية بلا دليل،فما كتب عن هذا الأمر هو كثير جداً و نراه في كتب إبن القيم الجوزية و إبن تيمية الذي كتب كتابا عنونه ب”الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح”،و مثله اليوم محمد عمارة المفكر الإسلامي حسب ما تقوله الوسائط الإعلامية بالعالم الإسلامي،…فأنا هنا لا أعدو سوى طالب علم أمام محمد عمارة و غيره من القائلين بتحريف الكتب المقدسة،لكن دعونا نتأمل في هذا الأمر ونتسائل الأسئلة المحرجة التالية لهؤلاء الأساتذة الأكابر.

من حرف الكتاب المقدس ؟ و متى تم تحريفه ؟ و كيف نعرف أنه محرف ؟ و ما الغاية من التحريف ؟ و في أية سنة تم التحريف إذا سلمنا أنه محرف ؟ و لماذا لم تقع مناوشات بين من حرفه و بين المؤمنين به ؟ و لماذا لم تقع حروب دينية بسبب هذا التحريف المزعوم ؟ و أين هي الأسفار أو النصوص التي تم تحريفها ؟ أين هي الفقرات و الجمل و المصطلحات التي تم تحريفها ؟ و أين هو النص غير المحرف الذي نقيس عليه الكتابات المحرفة ؟ و هل يمكن التحريف في فلسطين و أيضاً التحريف في منطقة أخرى ؟ فالكتاب المقدس منتشر في كل المناطق الجغرافية،فكيف تم التحريف ؟ و هل التحريف واقع في الترجمات أم النصوص الأصلية ؟ و هل تم التحريف قبل الإسلام أم بعده ؟ و إذا حرف قبل الإسلام،لماذا يصبر الله على ذلك حتى بزوغ الإسلام ؟ لماذا يترك الناس يؤمنون بكتاب محرف ؟ فهل الله عاجز عن عدم حماية كلمته ؟

هذه الأسئلة و غيرها الكثير أجوبتها بادئة و ظامئة.

أريد أن “أستبيح مسامعكم” (و هذه العبارة تعلمتها من أستاذي المختار بنعبدلاوي الذي أكن له تقديراً خاصا) بأن أحكي لكم قصتي مع الكتاب المقدس الذي عانيت معه معاناة حقيقية..عندما أقول “معاناة” فأنا أعني تماما ما أقول “معاناة” بما تجمعه هذه اللفظة من معاني “التحًُير الفكري” و “الخوف من الظلال”،و “بدل المال لإقتناء الكتب”،و “السهر الكثير من أجل إنهاء أسفاره الستة و الستون”،و “الإنفصال عن عالم الناس لزمن طويل”،و “حرمان الجسد من مُتع الحياة الكثيرة”…و غير ذلك مما قد يبدو نوعا من “الزًهد” فيما يستلذه الناس من مُتع الحياة و مغرياتها..سأستبيح مسامعكم لأحكي لكم قصتي مع الفكرة التي تقول ب”تحريف الكتاب المقدس” التي هي أصل بحثي و انشغالي بالمسيحية فيما بعد.

حتى سنة 1998 كنت أكره اليهود و كل مستغلقاتهم،بل قبل هذا التاريخ كنت أدعو الله حسب الطرح الإسلامي أن يشتت شملهم و يهلكهم كما أهلك قوم موسى في التاريخ الفرعوني..كنت أعتبر اليهود جرثومة بشرية استباحت فلسطين،و أن ما جرى لهم بألمانيا من تقتيل و حرق هو بسبب بهتانهم و قساوة قلوبهم..كنت لا أفرق بين اليهودي و الصهيوني،فالكل عندي واحد،الذي جعلني واثقا من هذا الحكم الجائر (كما سأكتشف فيما بعد) هو تربيتي المحافظة و قرائتي لكتب الشيخ المصري “كشك” في ذلك الزمان..أذكر أن هذا الأخير (الشيخ كشك) قال يوما بأن اليهود و المسيحيين في جهنم و من والاهم، هذا ما تعلمته ليس بالكتب التي قرأتها فقط عن اليهود و المسيحيين بل في التعليم الأساسي و الإعدادي و الثانوي..لقد قررت أن أقرأ بعمق الكتابات الإسلامية و لو أنني قرأت بعض الكتب الدينية و التفسيرية من قبل،فقد كنت أجلس في محل تجاري لعائلتي بشارع المقاوم عبد الله الصنهاجي بمدينة الدار البيضاء ساعات طوال أقرأ خلالها هاته الكتب التراثية و الدينية،كنت أقرأ في هذا المحل التجاري كل يوم العديد من صفحات الكتب التي أقتنيها أو أخذها من بعض الأصدقاء أو أحدهم بعائلتي،كان السؤال الذي أحاول الإجابة عنه – كيف سمح الله بتحريف الكتاب المقدس ؟ هل هو عاجز عن عدم حماية كلمته ؟ حاشى أن يكون الله عاجزا ! و بما أن الله غير عاجز – فمن أين أتى الإدعاء بالتحريف ؟ هذا الكلام يعني بكل بساطة أنني بدأت أشكك في ما كنت أعتقده حول الكتاب المقدس،نستطيع أن نثبت صدق الشيء بالدليل و بالبرهان،فلماذا لا نستطيع إثبات التحريف الذي ندعيه و تدعيه الإيديولوجية الدينية المضادة ؟ فلا يمكن للكتاب المقدس أن يكون مُحرفا و يستشهد به في التاريخ القديم،و يستعمله السوسيولوجيون و الأنثربولوجيون لفهم المعتقدات القديمة و تفكير إنسان الشرق الأوسط القديم،فالإدعاء بالتحريف غايته بناء أدلوجة دينية جديدة مكان الأخرى طمعا للمكاسب السياسية و الإجتماعية و الإقتصادية ليس إلا.

خلاصة : تلكم بداية رحلتي مع الكتاب المقدس إلى اليوم…و ذلك هو الشكل الذي دخل به الفكر المسيحي إلى حياتي الفكرية دخولا هادئا و متواصلا و فريدا.

محمد سعيد: باحث في مقارنة الأديان

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *