عبد الصمد بنشريف يرثي الفقيد خالد الجامعي بطريقته
لخالد الخلود والسمو والمجد ماانحنى ولانكسر فالعهد هو العهد
فقد المغرب في رحيل خالد الجامعي ابنا بارا ،كان في طليعة المدافعين عن الكبرياء والكرامة والقيم النبيلة وحريةالتعبير. دماثة خلقه وتواضعه وبساطته وعمق إنسانيته وصلابته ، كانت خصالا وسلاحا ،واجه به كل التحديات. هو المنحدر من سلالة الأمل والحياة، لكن يبدو أن” للأبطال التراجيديين قدر يشاكسهم ويتربص بخطوتهم الأخيرة نحو باب الوصول، ليحرمهم من الاحتفال بالنهاية السعيدة بعد عمر من الشقاء والتضحية، لأن الزارع في الحقول الوعرة لا يكون دائما هو الحاصد ،كما قال الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش وهو يرثي ياسر عرفات.
وخالد الجامعي يختزل كثيرامن عناصرالتراجيديا .فمنذ امتلاكه سلطة الكتابة وإعلان انتمائه إلى مهنة المتاعب، شرع في رسم خريطة أحلامه، وتحديد هويته وإعلان إصابته بمرض حب الوطن ،الذي تمنى أن لا يشفى منه، وأشهر وضوحه وانتصاره لكل ماهو إيجابي وإنساني ومهني.وفي قراءة مساره المهني والتزامه الفكري ،مايكفي من الأدلة للتأكد من واقعيته وصدقه ونباهته و وقيمة استشرافاته وتوقعاته،حيث كان بصره كبصيرته يخترق الوقائع والواقع، حتى ولو كان مثل الضباب الكثيف الذي يغطي من حين لآخر سماء الوطن.ما أقساك أيها الموت.تأتي دون استئذان لتخطف منا إنسانا كان ملكية لغيره .ألا تدرك حجم الصدمات التي تخلفها أيها الموت.كان خالد فارسا في ميدان الصحافة، وكان النموذج والمثال.لم يتوان عن التباهي والافتخار بانتمائه إلى مدرسة الأخلاق والفضيلة ونكران الذات، حيث كان هاجسه هو الدفاع عن المشروعية ومناهضة الإقصاء، والتأكيد على أن خلافه مع خصومه، هو خلاف فكري في العمق، وله علاقة بالرؤية إلى العالم وإلى الأشياء.
خالد هو الآن سيد طمأنينته.من مرقده في الأعالي يشهر وصاياه ، يرسل رسائل في كل الاتجاهات، ليمحو هذا الفارق اللفظي والدلالي بين نبل وانحراف السياسة، بين انحطاط وسمو الأخلاق، بين الوضوح والغموض في المبادئ والأفكار والقيم، بين الهدوء والرعونة بين الاختلاف والتنميط، بين القبول والإقصاء.كان خالد يملك القوة والقدرة على تحويل الوفاء إلى منظومة قيمية.الوفاء كما اعتنقه على امتداد عقود عقيدة ومذهبا وقناعة، وهاهو طيفه في كامل وعيه وكاريزماتيته، يتجول في ضمائرنا .وكلماته ونبراته ولكنته وصوته وضحكاته المجلجلة، مازالت طرية وحية في الذاكرة، كما تناهت إلى أسماعنا، وهو صحافي مترع حماسا وأناقة وحدة، أيام كان رئيس تحرير صحيفة” لوبنيون” بشارع مولاي عبدالله. كان في عز بهائه وعطائه الإعلامي، وكنا نرى فيه الهرم والمثال والمرجع وأفق الحلم الممتد إلى ما لانهاية. كم كان وفيا لمهنته ! وكم كان صادما وجريئا ومستفزا بالمعنى الإيجابي ! كان الأقدر على أن يوجه رسالة تاريخية إلى أقوى وزير داخلية عرفه المغرب. رسالة كتبت في سنوات الجمر والرصاص.
كان خالد يشتغل في جريدة تابعة لحزب الاستقلال. وكان هذا الانزياح بداية تمرد على القوالب الإيديولوجية، وعلامة على انخراط حيوي في مسار كان يجمع في تركيبة ومعادلة معقدة، بين دهاء ومكر السياسية وطابعها البراغماتي. وبين الصحافة كممارسة، لها خصائصها ومجالها الحيوي، وسلطتها واغراؤها وخطورتها. كان حلم خالد الأكبر، أن يرى مهنة المتاعب تزهر في وطنه، وأن يرى قبيلة الصحافيين تنعم بشروط مريحة، لتمارس مهنتها في بيئة سليمة تضمن الكرامة وترسخ الحرية والاستقلالية والمهنية. فلقد شكل مدرسة قائمة الأركان، تكون فيها وتخرج منها صحافيات وصحافيون مازال بعضهم يؤثث بكتاباته المشهد الإعلامي الوطني.
قد نختلف فكريا ومنهجيا مع الراحل في قراءة ومقاربة جملة من القضايا والأحداث.لكنه يبقى هرما إعلاميا بكل المقاييس ورجل مبادئ ومواقف، ومدافعا عنيدا عن الحق والحقيقة والعدالة في أبعادها المختلفة ومناضلا ثابتا من أجل ترسيخ الديمقراطية وعقلنة المؤسسات. فقد نهل من معين الوطنية الصادقة مبكرا. خاصة وأنه ترعرع واشتد عوده وتفتح فكره في أسرة وطنية، وفي كنف والده المجاهد بوشتى الذي كان من القياديين المتميزين في الحركة الوطنية.
*كنت أكن احتراما وتقديرا كبيرين للراحل خالد الجامعي. لذلك أردت أن أرثيه بطريقتي. .