الفقيه اللي نتسناو براكتو دخل للجامع ببلغتو !!
بقلم/ محمد أوزين
وأنا أقرأ مسار و سيرة السيد المحترم راشد الغنوشي رئيس مجلس نواب الشعب التونسي، وزعيم حركة النهضة بتونس الشقيقة، أعجبت بمسيرة الرجل النضالية كسياسي وحقوقي ورجل دولة ومفكر له باع طويل في الكتابات الفكرية. استوقفتني بعض منشوراته حول مواضيع ذات راهنية علاقة بالحريات والديمقراطية والإسلام، كللت بجوائز دولية وتتويج من مجلة FP (فورين بوليسي) الأمريكية، الشهيرة بنشرها السنوي لمؤشر الدول الفاشلة، صنفت الأخ الرئيس ضمن 100 أفضل مفكر. ومنحت وزارة الثقافة الهندية جائزة غاندي للسلام لسنة 2016 للأخ الرئيس، ليكون بذلك أول شخصيّة عربية تتحصّل على هذا التكريم الذي يعود أساسا إلى الشخصيات والهيئات التي تركت بصمتها في مجال صنع التغيير في مختلف مناطق العالم سواء على المُستوى السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي عبر وسائل سلمية.
لعل هذه النبذة المقتضبة عن مسار الأخ الرئيس هو ما يفسر رؤيتنا له واعتبارنا له و احترامنا له وتقديرنا له “كفقيه”: وهو ما يعني لغة: العالم الفطن والعارف الملم والحكيم الحصيف بحكم إدراكه الرصين وفهمه الراجح لكُنْهِ الأشياء. فما يمكن أن ننتظر من رجل من هذه الطينة إلا رأي سديد وقول وَزِين. قد يسوء التقدير أحيانا، وقد يزيغ التخمين تارة، لكن يبقى الإستدراك فرصة كما جاء في الأثر الشريف: “كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ، وخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ”.
علق أحد الظرفاء على المثل الشعبي عنوان المقال بقول يسائلنا حول تسرعنا ربما على الحكم على الفقيه منبها: “ماعرفتش واش الفقيه هو اللي فيه الديفو ولا اللي كايساين بركة الفقيه؟” معرجا على مثل شعبي آخر حول الفقيه دحمان، الي شد لبرا سبع ايام، وقاليهم الخط عيان.
وللأمانة فإنني لم أستسغ بعد تصريح الأخ الرئيس راشد الغنوشي حول تصوره للإتحاد المغاربي بالصيغة التي ساقتها إطلالته الأخيرة، وهي صيغة عرجاء تَغْمِزُ برجلها. ولا أظن صادقا أن قناعات الأخ الرئيس ستكون بهذا العرج وهذا العِوَج. وإلا فإنه بتر وتقزيم لحلم جيل عايشه الأخ الرئيس في الماضي، ولا يزال يتطلع إليه الجيل الحالي. ويكفي التذكير أن ولادة المشروع المغاربي كانت منذ 30 سنة فوق أرض السلاطين بمراكش الحمراء، وسمة التكامل والتآزر والتعاون هي الرهان الذي أسند عليه المشروع اعتبارا لوحدة العقيدة واللسان والتاريخ والمصير المشترك.
إنه تنزيل لواقع جمع شعوب المنطقة بحكم الجوار: ضيافة وإيواء وسند ودعم متبادل لرجال ونساء المقاومة وجيوش التحرير. واقع تعايشت فيه شعوب الاتحاد من خلال تبادلاتها التجارية ومرور القوافل والأفراد وتقاسم الأفراح والمسرات.
الأخ الرئيس، سيكون من نافلة القول التذكير بأن المشروع المغاربي تتويج لسياق تاريخي وفضاء جغرافي مشترك، وأي تصور تقزيمي أو إقصائي يقتصر على النظر يمينا وشمالا ليس إلا تنكرا للدماء المغاربية، واسترخاصا لأرواح الشهداء وتبخيسا لنضالاتهم التحررية المشتركة. قد تكون هناك خلفيات تذكي مثل هذه الدفوعات المجانبة لمنطق الإتحاد والفاقدة لبوصلة الوحدة، لكنها تبقى بذور فتنة لا يليق أن تذر أو تنثر على يد رجل كالأخ الرئيس.
والأخ الرئيس هو من أطل من جديد خلال التظاهرات التي عرفها شارع محمد الخامس وشارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة التونسية نهاية الأسبوع قائلا: “إن مشاكل تونس لا تحل إلا بالحوار، وإن هذه البلاد تعبت بسبب الكراهية والحقد الذي يحرق كل المكاسب”، مضيفا أن “حب التونسيين لبعضهم البعض هو الذي يبني الحضارة، نحن هنا لإرسال رسالة محبة إلى كل التونسيين، والبلاد تتسع للجميع”.
نعم الأخ الرئيس! هذا هو الكلام الذي يليق برجل دولة من حجمكم! واسمحوا لي هنا أن أقتبس من قولكم وأسير على نهجكم وأضم صوتي لدعوتكم إلى وحدة تونس الشقيقة. وحدة تتعدى الحدود لتشمل فضائها المغاربي كما أسس له قادته الخمس: “إن مشاكل الإتحاد لا تحل إلا بالحوار، وإن حب بلدان الإتحاد المغاربي لبعضهم البعض هو الذي يبني حضارتهم المشتركة. ونحن هنا لإرسال رسالة محبة إلى كل بلدان الفضاء المغاربي، فهو يتسع للجميع”.
قد نتفق الأخ الرئيس وقد نختلف! لكن ما لا يمكن أن نختلف حوله هو أن الإتحاد عرف 30 سنة من الفشل. وكلنا أمل لتجاوز هذا الفشل! وكما جاء على لسان الأسير الفلسطيني أحمد زهران: “الفشل ليس محاولة لم تنجح، و لكنه عدم المحاولة”. و “معاودة الكفاح بعد الفشل يشير الى معدن الرجال”. وهذا قول لوليام شيكسبير.