نحو مقترح برمجة “فعل التفلسف”في المدرسة الابتدائية والإعدادي
ينطلق المهدي تجديد مفتش تربوي- الثانوي التأهيلي -الفرنسية في مقترحه الرامي إلى برمجة “فعل التفلسف” في السلك الابتدائي والاعدادي بالمدرسة المغربية من مقولة لميشال مونتين : ” إنه لمن المخطئ أن نعتبر أن الأطفال لا يمكنهم الولوج إلى فعل التفلسف.لأن فعل التفلسف يربي الفرد على العيش، وللأطفال حق في هذه التربية كباقي الأفراد.لماذا إذا لا نقوم بتمرير الفلسفة لهم؟ إن للفلسفة خطابا يهتم بالإنسان من ولادته إلى اندثاره“.
وأوضح المفتش التربوي أن الفلسفة فعلا فكريا مهما لتعلم الفرد كيف يتفلسف كما أكد على ذلك كانط. إنها سيرورة عقلية وتفاعلية تقوم على الحجاج وعلى المنطق انطلاقا من أسئلة متوالية مرتكزة على الطريقة التوليدية السقراطية. وليست الفلسفة فقط مادة لقراءة نصوص ومقالات قصد نقدها ودراستها ولكنها فعل تطبيقي للتدبر وللتأمل وللتحليل في كل القضايا الإنسانية. ما يهم في الفلسفة هو تعرف الفرد على هذه العمليات العقلية التي تتأرجح بين المجرد والملموس بين الأنا والآخر وبين الأنا والمحيط الكوني. ما يهمنا من الفلسفة في إطار موضوعنا هذا هو فعل التفلسف خصوصا عندما نتحدث عن إمكانية برمجتها في المستوى الابتدائي أو الإعدادي.
وأضاف أن الفلسفة مجموعة من الأسئلة التي يمكن لأي فرد طرحها حول نفسه وحول وجوده وحول نشأته ومآله ، وهي فرصة لمحاولة افتحاص ما يفكر فيه وتحليله بمفرده أوفي جماعات. ويمكن تجميع هذه الأسئلة في “تيمات” عامة كالأخلاق والجماليات والفن والوجود والروحانيات…إنها منظومة أفكار تحاول من خلالها عقلنة الوجود ، وتعمل على تقبله كما هو مع إمكانية تجويد العيش ، وذلك فيه في إطار قيمي مشترك. ومن هنا تتجلى ضرورة الاهتمام بها في حياة الفرد والمجتمع بشكل معقول ومدروس ومنهجي.
فما هو دورها في تشكيل شخصية الطفل؟ وماهي “عملية التفلسف” في عالم التلميذ في السلك الابتدائي أو الإعدادي ؟ وما هي أهميتها في المدرسة المغربية وكيف يمكن برمجتها في البرامج المدرسية؟ وكيف يمكن أجرأتها في حصة دراسية ؟
للاجابة عن هذه الأسئلة تطرق المفتش التربوي إلى مسألة جد مهمة وهي التلميذ بين الفلسفة و عملية التفلسف، حيث أكد أن الفيلسوف الفرنسي “فريديريك لونوار-في خرجاته العلمية- قال : إذا أردنا تغيير العالم يجب تغيير أفكار أطفالنا وإذا لم نساعدهم على كيفية التفكير سوف ننتج نفس المشاكل. فماهي عملية التفلسف عند الطفل؟ وهل يمكن التحدث عن هذه العملية في عالم الأطفال وماهي أهدافها في تربيتهم؟
تهدف عملية التربية في مراحلها الأولى عموما-كما نجده في التوجيهات البيداغوجية المغربية الرسمية في الابتدائي أو في الإعدادي- إلى بناء شخصية الطفل بناء متوازنا سليما حيث نجد أن مختلف الأنشطة التعليمية تقوم على تعزيز الثقة بالنفس لدى التلميذ والعمل على تحفيز التفكير النقدي والإبداع والتعاون و التفكير في الأسئلة الكبيرة الشيء الذي يمكّنه من الشعور بمزيد من الثقة في ما يتعلق بقيمته كفرد في المجتمع وأيضا بقيمة أرائه وكما تهدف بعض الأنشطة إلى التدرب على الإبداع الخيالي والتعاطف ومقاومة مختلف أشكال الظلم. والسؤال الذي يطرح نفسه ههنا هو: أين يتموقع نشاط التفلسف في هذه الأنشطة؟ فللفلسفة بصفة عامة نفس هذه الأهداف والمرامي التي أسلفنا ذكراها في الانشطة التعليمية. فلماذا يتم تغييبها في الابتدائي و الإعدادي والاقتصار على السلك الثانوي التأهيلي في تدريسها؟ أليس للأطفال حق في التفكير والتدبر؟ فكما يقول “أبيقور” ليس مبكرا أبدا كي نقوم بعملية التفلسف؟ ففي نظرنا كمزالين في الحقل التربوي يمكن تحقيق أهداف التربية التي سردناها من خلال برمجة مادة أو حصة خاصة لعملية التفلسف عوض الاقتصار على حصص محددة تهدف إلى تلقين ملخصات وتعاريف ترتبط بتحقيق هذه الأهداف كتعريف المواطنة و التعاون والتضامن، الخ. ما يهمنا إذن هنا هو عملية التفلسف وليست الفلسفة في حد ذاتها فالتلميذ بالمستويات الدنيا في حاجة إلى التواصل مع أقرأنه في حصص خاصة لذلك عنوانها الحرية في أخد الكلمة و في التحدث عن أي موضوع يتم تأطيره وتوجيهه بطبيعة الحال من طرف الأستاذ.
وكما يؤكد على ذلك فيليب لونوار في جمعيته “سيف” فإن عملية التفلسف لا يمكن ارتجالها كما يؤكد على ذلك. لهذا يجب تحضير مجزوءات وفق “تيمات” تتطرق لمواضيع الحياة اليومية قصد التفكير فيها معية التلاميذ من خلال وضعيات فلسفية محددة يعدها فريق من المختصينن من مكونين في الفلسفة و من أخصائيين في علم النفس-التربوي لمراعاة الفئات العمرية والمستويات الإدراكية أثناء اختيار هكذا مواضيع.
ومن أجل تحقيق ما سلف من الأهداف التي سردها شدد المفتش التربوي على وجوب التفكير في برمجة مجزوءات للتأمل الفلسفي في البرنامج المدرسي لإعطائه صبغة رسمية وذلك عبر حصص تخصص لورشات فلسفية لمناقشة القضايا الإنسانية. ولتنظيم هذه الوحدات نقترح اعتماد وسائط بصرية وسمعية تتطرق لهكذا مواضيع من أجل تنويع زوايا التطرق لها وأيضا من أجل التعرف عليها من خلال مختصين عبر العالم أو من خلال تجارب الأفراد في حياتهم بهدف تقييمها وقصد التوسع في التأمل فيها ودراستها في الفصل. و من المستحسن أن تكتب بعض الأفكار المنطقية والجيدة التي جاءت على لسان التلاميذ أو التي تم الاتفاق عليها في دفتر خاص لهذه الغرض.
ولهذا يتم اعتماد مواضيع فلسفية بسيطة عبر وحدات ديداكتيكية تدور في مجملها حول حب الطبيعة وحب الإنسان وحب الوطن وحب الحيوانات ومواضيع عن قدرات الإنسان وحدودها وكيفية استثمارها في الخير.
كل وحدة تنتهي بتقويم بسيطة يكون عبارة عن مسألة مرتبطة بطبيعة الحال بمحتوى الوحدة التي تم التطرق لها حيث يتم العمل على حلها بشكل شفهي او كتابي حسب مستوى التلاميذ. ولكي تنجح بصفة عامة عملية إدماج عملية التفلسف في البرامج التربوية المغربية في المستويات الدنيا بجب العمل على :
– تطوير الممارسات البيداغوجية لكي تنضج أجيال مستقبلنا.
– تربية الأطفال على العيش المشترك والإنساني بالمدرسة وليس فقط العمل على حشوهم بالمعارف.
– تكوين مكونين لكي يمررون المادة الفلسفية بشكل غير مباشر للأطفال ولكي يلقنون لهم كيفية التأمل في حياتهم وفي مجتمعهم.
-عدم فرض رأي المربي على التلميذ فهو سيعمل دور الموجه فقط اثناء هذه الحصص الفلسفية.
-التدرج في التطرق للمواضيع حسب المستوى الإدراكي للمتعلم.
– القيام بأنشطة عديدة كالعمل في ورشات لمناقشة مواضيع تهم يوميات التلاميذ وانشغالاتهم.
– إدماج التلاميذ في وضعيات-مشكلة التي يستوجب حلها بل وتجاوزها في جو تفاوضي إنساني يسوده إعمال الضمير المبني على تكريس حقوق الإنسان.
– التحسيس بدور الجمعيات في الحث على تكريس حقوق الإنسان والعمل على دعوة فاعليها إلى المؤسسة للحديث عن مختلف أدوارها وانجازاتها.
– تزويد التلاميذ بمهارات التفكير السليم.
– تزويد التلاميذ بمهارات التحليل والتصنيف والبرهنة.
كم أشار في مقترحه إلى أن حصة “فعل التفلسف” يمكن أن يتم تنظيم فضاء الفصل بتشكيل دائرة لتمكين التلاميذ من مواجهة بعضهم لبعض حيث يتم الانطلاق دائما من سؤال أو من شريط قصير لوثائقي أو من خطاب معين حول موضوع ما للتعرف على تمثلاتهم تبعا. وذلك قصد تحليلها انطلاقا من أسئلة الأستاذ بشكل توليدي وبشكل تدريجي في جو يسوده احترام جميع الآراء. وتنتهي الحصة بتدوين الأفكار المهمة على شكل خلاصة لكي تكون للتلميذ مرجعا يلجأ إليه كل ما دعت الضرورة الى ذلك.
وختم مقترحه بالتأكيد على أن من شأن برمجة حصص فلسفية في المستويات الابتدائية والإعدادية في المدرسة المغربية أن تبث روح النقد لدى التلاميذ، وأن تربي فيهم قبول الرأي الأخر، وأن تنمي فيهم ملكة الاستماع، وكذا ملكة أخذ الكلمة أمام الملأ باعتماد أدلة التي قد تبدوا لهم مقنعة. كما سيرمي هذا البرنامج إلى التربية على المواطنة وعلى قبول الاختلاف. وكما سيهدف لا محال إلى تحسين مستوى التحليل المنطقي في جميع المواد الدراسية العلمية والأدبية منها.