2 نونبر 2024

  نظرية المؤامرة…

  نظرية المؤامرة…

 

ذ: عبد الجليل  الشافعي كاتب مغربي

في الحقيقة، وهذا ما لا يخفى على أي متتبع للمشهد السياسي المغربي، أن هناك عبارات مسكوكة سلفاً، وجملا محبوكة قبلاً، يضعها كل مسؤول حكومي عربي –ومغربي- على وجه التحديد، يضعها في أرشيفه مخزَّنةً، وفي رفوف مكتبه الفاخر مُحَنَّطَةً، لمعرفته التي تصل حَدَّ اليقين أنه سيحتاجها في قادم حياته، في قادم أخطائه وزلاته المتكررة، ومن بين هذه العبارات والجمل نجد، جملة “هناك أيادي خفية تريد المَسَّ بالاستقرار الاجتماعي والسياسي والأمني للبلد..” وعبارة ” إنها مؤامرة يكيدها أعداؤنا ضد الوطن، ضد الحكومة..” هذه العبارات يستعملها سياسيونا الذين لا يفقهون في السياسة إلا فن الكذب، وتبرير الكذب، عن طريق الكذب، والذين لم يأخذوا من كتاب “الأمير” الإطالي ميكيافيلي،  هذا إن قرؤوه، إن فهموه- إلا استعمال المكر وانتحال صفة الذئاب، واعتبار عموم الشعب ضباع، بتعبير السوسيولوجي  المغربي، محمد جسوس.

سياسيونا لا يعرفون – واللاَّمعرفة طبعهم- أن هذه العبارات ما عادت “أفيوناَ” يخدر الشعوب، ولا فَزَّاعة في حقل- وطن- تُخيف وتُخوِّف – العصافير- الشعب – ولم يدركوا بعد أن الشعب المغربي، ما عاد بليدا كما يتصورون، لا، لم نعد تلك الطيور التي يخدعها مالك الحقل، بصوته الأَجَشِّ، ومقلاعه العشوائي الذي لا يميز، ولا بصوت “فَقَّاصِهِ” المزعج، لأنكم لستم ملاك الحقل، الوطن… ولأنكم حصدتم وحدكم بعدما زرعنا.. وجنيتم بعدما سقينا.. وأنتجتم بعدما عَمِلنا حتى تشققت أيادينا.. الفقيرة، الشريفة.. وامتلأت بطونكم الوسخة، القذرة، وأصيبت أرصدتكم البنكية بالسمنة والتخمة على حساب خبز الشعب المُفَقَّرِ..

سياسيونا الذين يسكنون في “فوق” يجهلون الحقيقة، يجهلون الواقع، لأننا نسكن في “تحت” وهذا طبيعي لأنهم يسكنون البرج العالي والعاجي، والدُّورَ والمكاتب التي لا تشبه الوطن في شيء، إلا في دفء ربيعه، لذلك فإنهم لا يعرفون الحقيقة. ويظنون أنهم الحاذقون والنبهاء، وكل ما عداهم لا يعرفون مصلحة الوطن أين تكمن، وأنهم يتعاملون بالعاطفة، التي قد تجر الوطن إلى الهاوية.

إن الأوطان تسير بالعقل يا سادة، وهم أصحاب العقول والألباب !!

نظرية المؤامرة أيضا من أكثر الجمل الجاهزة، وطالما استعملها كل الذين جلسوا على سدة الحكم، جلسوا على خيرات الوطن، وحلبوا بقرته المعطاءة، وابتلعوا حقوق المقهورين، والآن نجد رئيس الحكومة ومن معه يستعمل نفس العبارة القديمة، لنفس الأهداف القديمة لمن سبقه، يقول: إننا لا يجب أن نتعاطف مع أي حركة احتجاجية، سواء كانت قضية الأساتذة المتدربين، أو حركة الاحتجاج حول قانون التقاعد .. الذي مُرِّرَ في غفلة من الوطن، وأن هناك أيادٍ خفية توجه نضالهم وتريد أن “تركب” على قضيتهم..

نفس الكلام الذي كان يقال عن حزبه مع حركة عشرين فبراير، ونفس الكلام كان يقال ضدا على حركته الإسلامية، ثم حزبه، حين كان في المعارضة.. فما أقصر ذاكرتكم، وما أوسع ثقبها..

إنه الواقع السياسي العاهر في بلادنا، وأتذكر في هذا الصدد سؤال صديق لي ذات يوم: لماذا ستصوت على حزب العدالة والتنمية؟ أجبته حينها: إني لا أصوت على هذا الحزب لأنه الأحسن في بلدي، لأني أومن أن لا حزب حسن في وطني، وإنما سأفعل ذلك، لأنه الأقل سوءا من بين طابور طويل من الأحزاب التي تتكاثر كما الأرانب، وتجيد الخوف والركض كما الأرانب أيضا، كما تجيد النهم والأكل من خيرات الوطن، مثل مصاصي الدماء في فلم الخيال العلمي..

اليوم تُبْتُ عن رأيي واكتشفت أني كنت طوباويا وحالما حين أجبت صديقي بتلك الإجابة ساعتها، فلا وجود لحزب يحترم نفسه وقناعاته في هذه البلاد، سواء الذي يحكم الآن، ولا الذي سيحكم غدا، تأكد لي هذا وأنا أرى رئيس الحكومة يبرر العنف الذي طال الأساتذة المتدربين ويُشرعِنه. آلمني ذلك جدا. وجعلني أسحب كل كلمة قلتها في كثير من الناس، حين كنت أتهمهم بالعدمية، وبلبس النظارات السوداء.. حين يعطون أحكاما على هذا الوطن.. وعن حكامه، من ألفهم إلى يائهم..

قبل أن يصل بنكيران وزمرته إلى الحكم، كان التظاهر حقا مشروعا، والنضال ضرورة مجتمعية، في نظرهم،  ولكن حين تذوقوا من شهد الوطن، وصار المكتب مكيفا، والرصيد سمينا فقد صار التظاهر مؤامرة، وكلمة “لا” جريمة تستحق كجزاء، تكسير الأضلاع وتهشيم الرؤوس، رؤوس ملآى بالعلم والمعرفة، لتسيل آخر جرعات حب الوطن مهراقة في الشارع، ويُتَّهم كل من أراد التظاهر، بالتآمر.

 

 

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *