3 نونبر 2024

‮ ‬ما معنى عودة أزمة الثقة‮ ‬من داخل هرم الدولة؟

‮ ‬ما معنى عودة أزمة الثقة‮ ‬من داخل هرم الدولة؟

أعاد خطاب العرش أزمة الثقة إلى صلب العلاقات بين مكونات الدولة،‮ ‬بما فيها الملكية وشخص الملك‮ ! ‬
والحال‮ ‬أن العهد الجديد تأسس على مقولات مؤطرة من صلب بناء الثقة:المصالحة،‮ ‬التجديد في‮ ‬مفهوم السلطة،‮ ‬الإصلاح الهرمي‮ ‬لاستعصاءات المجتمع‮ ( ‬المدونة،‮ ‬اللغة،‮ ‬المجال،‮ ‬صفحة الماضي‮….‬إلخ‮) ‬و‮ ‬الإصلاح الدستوري،‮ ‬كتتويج لمسار التقى فيه التاريخي‮ ‬بالحركي،‮ ‬بالشعبي،‮ ‬بالملكي‮..‬

الملاحظ الآن أن‮ ‬المغرب‮ ‬،‮ ‬قد عجز‮ ‬طيلة ست سنوات‮ ‬،‮ ‬أي‮ ‬منذ اعتماد دستور‮ ‬2011‮ ‬عن‮ ‬
‮ ‬إفراز نظام سياسي‮ ‬سليم‮ ‬يرسمل التوجه الجديد،‮ ‬والتعريف الجديد للدولة لنفسها،‮ ‬وعن توجهها نحو التغيير من طبيعتها‮…‬

ولعل من صلب مظاهر هذا العجز،‮ ‬العجز في‮ ‬الثقة‮..‬
إذ عادت‮ ‬هذه القضية لتأخذ أبعادا رهيبة هذه المرة‮..‬

لنعد إلى الأصل‮:‬
لقد شكل تاريخ المغرب الحديث،‮ ‬بعد فورة الاستقلال الجليلة،‮ ‬تاريخ عجز كبير في‮ ‬الثقة بين الفاعلين السياسيين‮…‬‭ ‬بين الدولة‮ ‬ومكوناتها،‮ ‬المركزية والمساعدة والمبتكرة وبين المجتمع ومكوناته بمستوياتها المتعددة‮….‬

وظل مشكل الثقة،‮ ‬بين المجتمع السياسي‮ ‬والمجتمع عموما
وبين مكونات المجتمع السياسي‮ ‬نفسها وبين الفاعلين السياسيين أحد مظاهر العجز الكبير،‮ ‬التي‮ ‬عطلت الحركية التصحيحية‮..‬وأحد كوابح السلاسة الديمقراطية‮..‬
وتأسست لحظات ثقة،‮ ‬موضوعية أكثر منها مختارة،‮ ‬بقبول الأطراف ببعضها خلال لحظات مفصلية،‮ ‬كما هو حال‮ ‬1975‮ ‬مع انطلاق المسلسل السياسي‮ ‬والانفراج في‮ ‬العلاقة‭ ‬بين المجتمع ومكوناته وبين قطب الدولة‮..‬
أعقبته لحظات توتر لم تصل‮ ‬إلى درجة القطيعة وعودة أزمة الثقة في‮ ‬الثمانينيات ثم في‮ ‬التسعينيات‮..‬
وقد بادرت الأطراف إلى قراءة التحولات الجارية في‮ ‬العالم مع سقوط‭ ‬بنيات الحرب الباردة وانهيار المعسكرات المقامة على أنقاضها،‮ ‬قراءة‭ ‬وطنية ثم مع التحولات الداخلية إلى تدبير مرحلة للثقة،‮ ‬ثم التعبير عنها بواسطة التصويت الإجابي‮ ‬على دستور‮ ‬1996،‮ ‬من طرف الأحزاب المعارضة التقليدية لا سيما الاتحاد والاستقلال‮..‬
واعتقدنا أن حكومة التناوب رسملة سياسية لهذه الثقة المستعادة،‮ ‬وإطلاق مسلسل جديد من بناء مؤسساتها‮..‬
مع نهاية التجربة،‮ ‬ولا سيما مع ما سميت بأزمة المنهجية الديموقراطية،‮ ‬عادت قضية الثقة لتطرح من جديد،‮ ‬بل لن نبالغ‮ ‬إذا ما قلنا بأن جزءا من القرارات السياسة المتعلقة بالمشاركة،‮ ‬كان وراءه الخوف من عودة شبح عدم الثقة بين مكونات الحقل الوطني‮ ‬وبين الملك الجديد‮…‬،غير أن التحليل السياسي،وعلى الأقل الذي‮ ‬قام به جزء من المكون التقدمي‮ ‬الديموقراطي،‮ ‬كان قد توصل إلى عودة العجز في‮ ‬الثقة من جديد،‮ ‬على قاعدة أن الدورة التي‮ ‬دشنتها إصلاحات‮ ‬1996‮ ‬ثم ممارسة للسياسة طوال الفترة الموالية لها،‮ ‬قد استنفدت نفسها،‮ ‬وبدأ الحديث عن جيل جديد لسد العجز وتحفيز المشاركة المواطنة على المعترك السياسي‮ ‬بعد العزوف الرهيب لسنة‮ ‬2007‮!‬
‮ ‬وقد ظل التأرجح في‮ ‬البحث عن إعادة المغاربة إلى الحماس السياسي،‮ ‬يتأرجح بين التفكير في‮ ‬تحويل جذري‮ ‬للدولة أو مساعدتها بوسائل بشرية ومادية وحزبية على مشروع متحرك‮ ‬،‮ ‬ومنطلق‮ ‬قبل ذلك التاريخ‮..‬
غير أن الاختيار الجوهري‮ ‬من أجل‮ »‬إصلاح الاختلالات وتصحيح المشهد،‮ »‬سيكون هو السنة الفاصلة مع فبراير‮ ‬2011‮.. ‬وإصلاح الدستوري‮ ‬العميق‮.‬
وتبين من بعدُ‮ ‬،أن ما جاء من سياسة،‮ ‬كان في‮ ‬جوهره‮ … ‬تعطيل للدستور‮!‬
وأصل الثقة والمنعدمة اليوم،‮ ‬هو أن السياسة عطلت دستور التغيير بعد أن كان الدستور،‮ ‬في‮ ‬أزمة الثقة السابقة،‭ ‬بسبب أن الدستور كان‮ ‬يعطل السياسة‮!‬
‮ ‬أزمة الثقة،‮ ‬هي‮ ‬أزمة لا‮ ‬يمكن أن تقف عند حد معين،‮ ‬بل تمس،‮ ‬عندما تبدأ،‮ ‬كل مقومات الدولة الحديثة‮..‬
ولا أحد‮ ‬يعرف أين تقف عندما تستفحل‮..‬؟‮..‬
الآن،‮ ‬مادامت الأحزاب في‮ ‬صلب النقاش العمومي،‮ ‬ماذا‮ ‬يقول أبناؤها في‮ ‬أزمة الثقة التي‮ ‬وصلت إلى حد أن‮ ‬يقول ملك البلاد إنه لا‮ ‬يثق في‮ ‬بعض السياسيين‮ ( ‬وليس الحزبيين،‮ ‬للتوضيح،‮ ‬فكثيرون‮ ‬يمارسون السياسة بدون الحاجة إلى الأحزاب‮..!)‬؟
لنتحدث لغة الوضوح‮ ‬والصراحة‮:‬
كل الذين‮ ‬يمارسون النقد الذاتي‮ ‬،‮ ‬يعرفون أن أوضاعهم ليست بخير وأن الإصلاح صار إجباريا من أجل البقاء قيد الحياة،‮ ‬ويكفي‮ ‬أن نقرأ ما‮ ‬يكتبه المناضلون والمسؤولون الحزبيون الجادون وحتى بعض المسؤولين في‮ ‬مراكز القرار من الحزبيين عن إنقاذ الأحزاب التي‮ ‬ينتمون إليها من الموت بواسطة التفكير‮ ‬غير المألوف‮!‬
ويكفي‮ ‬التذكير بالكثير من الأدبيات التي‮ ‬كتبها مناضلون حزبيون عبر أجهزتهم لنرى استشعار الأزمة في‮ ‬عمقها‮…‬
وقوتها‮…‬
وكارثيتها‮…‬
‮حميد جماهري

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *