القرار الأممي الأخير حول الصحراء المغربية: انتصار دبلوماسي يؤسس لمرحلة جديدة من ترسيخ السيادة والتنمية
					شكّل القرار الأخير الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة منعطفًا حاسمًا في مسار قضية الصحراء المغربية، إذ لم يعد الأمر يتعلق ببيانات متكررة أو مواقف رمادية، بل بترسيخٍ واضح وصريح لمبدأ الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية باعتباره الحل الواقعي، الجادّ، والدائم لهذا النزاع المفتعل.
إنّ هذا القرار التاريخي يعكس، في جوهره، ثمرة مسار دبلوماسي متأنٍّ وطويل قاده المغرب بقيادة رشيدة من جلالة الملك محمد السادس نصره الله، والذي نجح في تحويل هذا الملف من قضية نزاع سياسي إلى نموذج للاستقرار والتنمية الإقليمية.
أولًا: دبلوماسية الملك محمد السادس… من منطق الدفاع إلى منطق المبادرة.
منذ اعتلاء جلالة الملك محمد السادس العرش، اتّسم التعاطي المغربي مع ملف الصحراء بالحكمة والواقعية والوضوح. فالمغرب لم يسعَ إلى فرض الأمر الواقع بالقوة، بل اشتغل على بناء الثقة وإقناع المنتظم الدولي بعدالة قضيته عبر رؤية متبصّرة تجمع بين الوضوح في المبدأ والطموح في الأفق، كما وصفها جلالته في خطبه السامية.
وقد جسّد القرار الأممي الأخير حصيلة هذا النهج المتزن؛ إذ أكّد أن مبادرة الحكم الذاتي، التي قدّمها المغرب سنة 2007، تمثل الحلّ الوحيد القابل للتطبيق. وهو ما يعني أن المغرب انتقل من مرحلة الترافع إلى مرحلة الاعتراف، ومن الدفاع عن مشروعية موقفه إلى ترسيخ سيادته الكاملة على أقاليمه الجنوبية في الخطاب والممارسة الدولية.
ثانيًا: الخطاب الملكي… إعلان فصل جديد في مسار الحسم
في خطابه الأخير، الذي جاء عقب صدور القرار الأممي، رسم جلالة الملك معالم مرحلة جديدة بقوله إنّ ما بعد 31 أكتوبر ليس كما قبله.
فالكلمات الملكية حملت ثقة سيادية ووضوحًا استراتيجيًا، إذ أكّد جلالته أن المغرب «لا يفاوض على سيادته ووحدته الترابية»، وأنّ الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية «هو أقصى ما يمكن أن يقدمه المغرب وأدنى ما يمكن أن يقبله».
لم يكن الخطاب مجرد إعلان انتصار، بل دعوة إلى مواصلة العمل بنفس النفس الطويل الذي طبع الدبلوماسية المغربية. فقد شدّد جلالته على أنّ الرهان اليوم هو التنمية المندمجة والعدالة المجالية في الأقاليم الجنوبية، في رؤية متقدمة تجعل من الحل السياسي منطلقًا لمشروع تنموي شامل يربط الصحراء بعمقها الوطني والإفريقي.
ثالثًا: الدبلوماسية الهادئة وحكمة الميدان
التحول الجوهري في مقاربة المغرب يتمثّل في أنه لم ينتظر القرارات الأممية ليثبت سيادته، بل اشتغل على الأرض، فاستثمر في الإنسان والمجال، وأطلق مشاريع كبرى في الداخلة والعيون وبوجدور، جعلت من الأقاليم الجنوبية نموذجًا للتنمية المتقدمة في إفريقيا.
كما أطلق جلالة الملك مبادرة الأطلسي التي تربط الساحل الإفريقي بالمحيط الأطلسي عبر الموانئ المغربية الجنوبية، لتتحول الصحراء من “موضوع نزاع” إلى “جسر للتكامل الإقليمي”.
بهذه المقاربة، قدّم المغرب للعالم درسًا في البراغماتية المتنورة: بدل إضاعة الوقت في الخطابات، انخرط في الفعل الميداني، لأن «التنمية هي أبلغ لغات السيادة».
رابعًا: دلالات القرار الأممي وأبعاده الاستراتيجية
لم يكن القرار الأممي الأخير مجرّد وثيقة تقنية، بل إعلانًا ضمنيًا بأن المجتمع الدولي بات يُدرك أن مشروع الحكم الذاتي المغربي هو الخيار الواقعي الوحيد لإنهاء النزاع.
وتتجلى من هذا القرار ثلاث دلالات رئيسة:
الاعتراف الدولي بسيادة المغرب الفعلية: فقد أقرت دول كبرى — من الولايات المتحدة وفرنسا وإسبانيا إلى دول إفريقية وأمريكية لاتينية — بمغربية الصحراء، واعتبرت أن الحل يكمن في مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية.
نهاية الأطروحات الانفصالية: إذ لم يعد هناك مجال لمشاريع الانفصال أو المناورات السياسية التي كانت تستند إلى الغموض الأممي أو الفراغ القانوني.
تثبيت المغرب كفاعل استراتيجي إقليمي: حيث أظهر أنه لا يدافع فقط عن وحدته الترابية، بل عن استقرار المنطقة بأكملها، مما يعزز موقعه كشريك موثوق في الأمن والتنمية الإفريقية.
خامسًا: من كسب المعركة الدبلوماسية إلى رهان التنمية الميدانية
المرحلة المقبلة، كما أكّد جلالة الملك، ليست مرحلة احتفال بالقرار، بل مرحلة ترسيخ للمكتسبات على أرض الواقع.
فالتحدي اليوم هو تحويل الاعتراف الدولي إلى مشاريع تنموية ملموسة ترفع جودة الحياة في الأقاليم الجنوبية، وتعزّز انخراط الساكنة في تدبير شؤونها المحلية ضمن إطار الحكم الذاتي الموسّع.
إنّ نجاح المغرب في هذا الورش سيكون برهانًا إضافيًا على أن الصحراء ليست موضوع نزاع، بل رافعة تنموية إفريقية وجزء لا يتجزأ من المسار الحداثي للمملكة المغربية.
إنّ القرار الأممي الأخير يمثّل تتويجًا لمسار طويل من الحكمة والرؤية الاستباقية التي تميز بها جلالة الملك محمد السادس نصره الله. وهو قرار يكرّس سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، ويمنح الشرعية الدولية لمبادرة الحكم الذاتي باعتبارها الإطار الوحيد الواقعي القابل للتطبيق، ويعزز مكانة المملكة كقوة استقرار وتنمية في محيطها الإقليمي والدولي.
لقد انتقل المغرب من مرحلة الترافع إلى مرحلة التثبيت، ومن الردّ على الادعاءات إلى صناعة الواقع. فالصحراء اليوم ليست مجرد عنوان قضية وطنية، بل رمز لقدرة المغرب على الجمع بين الشرعية السياسية والنضج الدبلوماسي والنموذج التنموي المتكامل.
وهكذا، يكون القرار الأممي الأخير قد فتح فصلًا جديدًا في التاريخ المغربي الحديث، فصلًا عنوانه السيادة بالفعل، والتنمية كبرهان، والوحدة الوطنية كقدر لا رجعة فيه.
بقلم عبد الصمد بوطالب










