رؤية تحليلية مفصلة  بمناسبة 50 سنة على استرجاع الصحراء المغربية 

رؤية تحليلية مفصلة  بمناسبة 50 سنة على استرجاع الصحراء المغربية 
٩
إعداد:رضوان جخا محلل سياسي وكاتب
لقد شَهدت السنوات الخمسون من تدبير ملف الصحراء المغربية تقلبات وتغيرات جيو _سياسية كبيرة بفضل الرؤية الملكية الإستراتيجية للملكين القائدين المغفور له الملك العبقري الحسن الثاني ،وجلالة الملك محمد السادس حفظه الله ، انتقلت المملكة المغربية عبرها من مرحلة التحرير إلى محطة التنمية ، وفي هذا السياق نستحضر التضحيات الجسام التي بذلتها بلادنا ودماء الشهداء المناضلين المغاربة من مختلف بقاع ومناطق المملكة المغربية شمالا وجنوبا ،شرقا و غربا بذلوا الغالي والنٌفيس في سبيل حماية حوزة الوطن ووحدة ترابه ، بدءً بِمُبدع المسيرة الخضراء الملك العبقري الحسن الثاني الذي فاجأ العالم بملحمة وطنية تاريخية في الخطاب الملكي في السادس عشر من شهر أكتوبر 1975 ، وهو نفس اليوم الذي قدّمت عبره محكمة العدل الدولية رأيها الإستشاري التاريخي من ستين صفحة كان خلاصتها تأكيد المحكمة الدولية على وجود روابط وأواصر البيعة والولاء بين شيوخ قبائل الصحراء مع سلاطين الدولة العلوية الشريفة قبل سنة 1884 ،بمعنى قبل الإستعمار الإسباني ، هذا الرأي والموقف التاريخي جعل الملك العبقري المغفور له الحسن الثاني يعلن عن قرب انطلاق ملحمة المسيرة الخضراء باعتبارها أضخم مسيرة تلاحم وثورة ملك وشعب ثانية ، بدأت تمظهراتها تتجسد كما قلتُ مع تأكيد محكمة العدل الدولية على رأيها الإستشاري بطلب من المملكة المغربية التي قدمته في الثالث عشر من شهر شتنبر من سنة 1974، وبعد مداولات واجتماعات مارطونية وتمحيص دقيق للوثائق التاريخية امتد تقريبا لعام كامل من 14 دجنبر من سنة 1974 إلى غاية 16 أكتوبر من سنة 1975 ،وهنا تتجلى أهمية هذا الرأي الإستشاري من مؤسسة قضائية دولية ، ماجعل الملك العبقري الحسن الثاني يبدع ملحمة المسيرة الخضراء عبر خطابه الملكي التاريخي حيث قال في مقتطف منه “و”لم يبق شعبي العزيز إلا شيء واحد، إننا علينا أن نقوم بمسيرة خضراء من شمال المغرب إلى جنوبه ومن شرق المغرب إلى غربه”، إنها مسيرة تاريخية خضراء بدون سلاح بل بمصاحف القرآن الكريم باليد اليمنى ،والأعلام الوطنية باليد اليسرى ، مسيرة ضخمة شارك فيها بأمر ملكي حوالي 350 ألف مواطن مغربي من جميع الأقاليم ، هذا الرقم ليس صدفة بل يدلّ على عدد المواليد الجدد وطنيا في تلك المرحلة الزمنية ، بمشاركة عشر بالمائة من النساء تقريبا 35 ألف شابة وامرأة ، هذه الملحمة التي كانت بمثابة شرارة انطلاق محطة تحرير الصحراء المغربية ،فهي ملحمة سلمية حاشدة نجحت في تحرير معظم الأقاليم الجنوبية من الإستعمار الإسباني ،ملحمة سلمية شكل الخطاب التاريخي من مدينة أكادير لجلالة الملك الحسن الثاني رحمة الله عليه نقطة الإعلان عن انطلاقها عبر الخطاب الملكي في الخامس من شهر أكتوبر سنة 1975 ،حيث قال جلالة الملك الحسن الثاني من مدينة أكادير “غدا إن شاء الله ستخترق الحدود، غدا إن شاء الله ستنطلق المسيرة، غدا إن شاء الله ستطؤون أرضا من أراضيكم وستلمسون رملا من رمالكم وستُقَبّلون أرضا من وطنكم العزيز”.
إنها ملحمة تاريخية تجعلنا كشباب نعتز ونفتخر بتاريخ مملكتنا المغربية الشريفة ،ممكلة عريقة تمتد لقرون ،من ملاحمها الكبرى ذكرى المسيرة الخضراء بإبداع ملكي وتنظيم منقطع النظير أربك المستعمر الإسباني ماجعله مجبرا على تَوْقيع اتفاقية مدريد في الرابع عشر من نفس الشهر الذي بموجبها انسحبت اسبانيا من الأقاليم الجنوبية للصحراء المغربية.
إنّ أهم ما يُميز النموذج التنموي الخاص بالأقاليم الجنوبية هو نجاعته في التنزيل وحوكمته التدبيرية، حيث أشاد به جلالة الملك محمد السادس حفظه الله في الخطاب الملكي السامي بمناسبة الذكرى السابعة والأربعين لعيد المسيرة الخضراء المظفرة .
 إنّ النموذج التنموي الجديد الذي أطلقه جلالة الملك محمد السادس حفظه الله عبر الخطاب الملكي التاريخي من مدينة العيون سنة 2015 هو بمثابة ثورة تنموية للصحراء المغربية جعلها بجهاتها الثلاث أقطابا اقتصادية ،حيث تقدر تكلفته المالية حوالي 87.5 مليار درهم ،من خلال توطين أزيد من 700 مشروع وبرنامج هيكلي ،بلغت نسبة إنجازه أزيد من 85 في المئة من تقدم الأشغال ، فكما قلت سالفا نتحدث عن أوراش كبرى تنقسم إلى ثلاث مرتكزات هي كالتالي : أولا الأوراش المرتبطة بالبنية التحتية والمجال الترابي للصحراء المغربية بوعاء مالي يقدر بحوالي 28 مليار درهم ،وثانيا من خلال الأنشطة والبرامج السوسيو_اقتصادية بتكلفة إجمالية تناهز 46 مليار درهم ، أما المرتكز الثالث فيتعلق الأمر بالبرامج الإجتماعية التي تجاوزت 5 ملايير درهم ، انطلاقا من هذه الأرقام يتضح المجهود التنموي الضخم الذي خُصّص لجعل الصحراء المغربية بجهاتها الثلاث فضاءات ترابية كبرى يُضرَب بها المثل وطنيا ، وهنا أستحضر بعضا من هذه الأوراش الضخمة فعلى سبيل المثال لا الحصر نجد الطريق السيار الذي يربط الداخلة بتيزنيت ،نعم كان في البداية حلما صعب المنال بسبب صعوبة ووعورة التضاريس ،لكن لا مستحيل مع الإرادة الملكية_ الإستراتيجية لقائد الدولة الأمة حفظه الله ، حيث تحول الحلم إلى واقع وحقيقة ، وانتهت الأشغال به في وقت قياسي ، 1055 كيلومترا بين الداخلة وتيزنيت بوعاء مالي يقدر بحوالي 9.5 مليار درهم ،حيث وفر 2.5 مليون فرصة عمل خلال أطوار تشييد هذه الشبكة الطرقية المهمة جدا ، كما أن هذا الورش الطرقي سيربط أربعة جهات بمجموع نسمة تقدر بحوالي 2,2 مليون نسمة .
بالتّأكيد بِفضل الرؤية الملكية _الإستراتيجية تطورت شبكة الطرق بالصحراء المغربية من 70 كيلومتر سنة 1975 إلى أزيد من 9400 كيلومتر خلال الآونة الأخيرة ،ما يعكس حجم المجهودات المبذولة بالرغم من وعورة التضاريس بها ،أما الورش الملكي الإستراتيجي ميناء الداخلة الأطلسي الذي سيكون دعامة أساسية في تنزيل المبادرتين الملكيتين اللتان وضعهما صاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله في خطاب ذكرى المسيرة الخضراء المظفرة سنة 2023 ، سواء المتعلقة بتسهيل ولوج دول الساحل الإفريقي المحيط الأطلسي ،أو من خلال المبادرة الملكية الأطلسية_ الإفريقية التي انخرطت فيها واحد وعشرين دولة افريقية_ أطلسية من أصل ثلاث وعشرين دولة افريقية _أطلسية ، إذْ يعتبر ميناء الداخلة الأطلسي الورش الملكي المنتظر خلال منتصف أو على أبعد تقدير أواخر سنة 2029 لاستكمال أشغاله بوعاء مالي ضخم يقدر بحوالي 12.5 مليار درهم ، عبر مساحة مجالية تصل لِ 1650 هكتار ، وهو ذهاء مغربي برؤية ملكية_ إستراتيجية لإستثمار الموقع الجغرافي المهم جدا الذي تمتاز به المملكة المغربية الوحيدة إفريقيا التي تطل على واجهتين بحريتين هما البحر الأبيض المتوسط شمالا بامتداد يصل الى 500 كيلومتر ، والمحيط الأطلسي غربا بامتداد بحري يصل لثلاثة ألاف كيلومترا ، كما أن هذا الأخير يشكل %65 من الثروة البحرية التي يمكن الإستفادة منها ، كما أن المنطقة الأطلسية _الأفريقية تشكل تقريبا %55 من النسمة الأفريقية ، برأسمال ضخم يقدر بحوالي 1,5 تريليون دولار ، ما يعني ذلك من مؤشرات للتعاون الإقتصادي كبير جدا بين البلدان الأفريقية _الأطلسية ،مع طموح انفتاحها على القارة الأمريكية .
لا ننسى كذلك الأوراش التنموية ذات الطابع البيئي أو ما يمكن أن نسميه بالإقتصاد الأخضر مع حجم الفرص الإستثمارية المهمة جدا التي يمكن الإستفادة منها بالأقاليم الجنوبية ،خصوصا الطاقات الريحية والشمسية بأقاليم طرفاية والسمارة ،حيث نجد مزارع ومحطات ومنصات لذلك ، كذلك لا نغفل حجم الإستثمار العمومي المُقدم لذلك والذي يناهز حوالي 29 مليار درهم ،عشر مليارات درهم منها مرتبطة بالطاقات المتجددة ،والتسعة عشر مليار درهم الأخرى معنية بمشتقات الفوسفاط عبر مشاريع هيكلية تم توطينها بالصحراء المغربية , من بين كذلك الأوراش التنموية الإستراتيجية بالأقاليم الجنوبية بداية تشييد أطول ممر وجسر طرقي بإفريقيا من خلال القنطرة المتواجدة على وادي الساقية الحمراء بطول يمتد لأزيد من 1648 متر وبعرض يتجاوز الواحد وعشرين مترا ، هذه المعلمة الفنية التي بلغت نسبة إنجازها حوالي %25 ، بوعاء مالي يقدر بحوالي 1.38 مليار درهم ، أما في مجال الإقتصاد الأزرق نستشفّ بشكل ملموس العناية والرؤية الملكية الطموحة لهذا المجال بدأت تعطي ثمار كبيرة ،حيث تحدث جلالة الملك محمد السادس حفظه الله في خطابه الملكي السامي بمناسبة عيد العرش المجيد عن أهمية أوراش تحلية مياه البحر بالأقاليم الجنوبية التي ستساهم في تعبئة 1.7 مليار متر مكعب سنويا في أفق سنة 2030 ، كما أكّد الخطاب الملكي السامي نفسه عن أهمية دخول المقاولات والشركات الوطنية للإستثمار في هذا المجال سواء عبر التكوين أو الإستثمار باعتبارهما مجالين جَوْهريين بل إن الإقتصاد الأزرق يدخل ضمن المجالات السيادية الوطنية خصوصا بعد مرحلة الجفاف والاجهاد المائي الذي شهدته بلادنا خلال السنوات السبع الماضية ، وما شمله ذلك من إشراف ملكي شخصي لجلالة الملك الذي أكد بأنه لا مجال منذ الآن مع تأخر البرامج الحكومية المندمجة المرتبطة بالسدود ومحطات تحلية مياه البحر ، فهذا القطاع ليس للمزايدات السياسية بين الأحزاب السياسية، بل أصبح ورشة يدخل ضمن الزمن الملكي الإستراتيجي ،من الأوراش الملكية الضخمة المرتبطة بالمجال المائي نَسْتحضر محطة تحلية مياه البحر بشمال الداخلة التي تمتد على طول 130 كيلومتر ،بغية انتاج حوالي 37 مليون متر مكعب من المياه سنويا ،الأشغال بها اقتربت من نسبة %80 حيث من المنتظر الإنتهاء من الأشغال خلال السنة المقبلة ، أما في المجال الصحي فقد وضع النموذج التنموي بالأقاليم الجنوبية رؤية طموحة من خلال توطين مشاريع هيكلية بمختلف أقاليم الجهات الثلاث ،فعلى سبيل المثال لا الحصر نجد المستشفى الجامعي بمدينة العيون على مساحة تمتد لثمانية عشر هكتار بوعاء مالي يقدر بحوالي 1،2 مليار درهم , والذي ستصل طاقته الاستيعابية خمسمائة سرير ، حيث بلغت الأشغال به حوالي %85 ، دون نسيان توْسعة المستشفى الجهوي مولاي الحسن بالمهدي ،والمستشفى الإقليمي الحديث بإقليم طرفاية ، أما فيما يخص التكوين الطبي فقد خصص لها النموذج التنموي بالأقاليم الجنوبية برامج هيكلية مهمة أبرزها كلية الطب و الصيدلة بمدينة العيون بتكلفة إجمالية بلغت 257 مليون درهم ،هذا الورش الصحي الإستراتيجي الذي يبرز عناية صاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله بأهمية التكوين الطبي من خلال توفير أرضية وبنيات تحتية صحية من الجيل الجديد حيث بدأت كلية الطب بالعيون باستقبال أفواج لا تتجاوز مئة طالب لتصل حاليا إلى عشر ألاف طالب سنويا ،أما بخصوص التكوين المهني الذي وضع ملامحه جلالة الملك حفظه الله من خلال الخطاب الملكي السامي بمناسبة سنة 2018، كما خصص جلالته ثلاث جلسات عمل لهذا الورش التكويني الهيكلي ، عبر وضع خارطة طريق واضحة المعالم ،إذ نجد نموذجا متميزا له بمدينة الداخلة عبر مدينة المهن والكفاءات بها بتكلفة تناهز حوالي 12 مليار سنتيم وبطاقة استعابية تصل لألف وثلاثمائة وأربعين مقعدا ، هذا بالإضافة إلى مدينة المهن والكفاءات بجهة العيون الساقية الحمراء عبر توطينها بمدينة العيون بمساحة تقدر بست هكتارات لإستقبال ألفي طالبة وطالب متدرب ، ومن المنتظر كذلك إحداث مدينة للمهن بجهة كلميم واد نون بتكلفة إجمالية ستصل لحوالي 125 مليون درهم.
أما في المجال الرياضي فقد تم تشييد مسبح أولمبي بإقليم العيون بالإضافة إلى مركز كبير من الجيل التكوين في كرة القدم بتكلفة تناهز مئة وستين مليون درهم ،دون نسيان القرية الرياضية الكبيرة التي سيتم إحداثها بجهة العيون الساقية الحمراء والتي تمتد مساحتها لإثْنا عشر هكتار بوعاء مالي يقدر بعشرين مليار سنتيما ،إضافة إلى العدد المهم من صالات كرة القدم وملاعب القرب ،حيث من المرتقب إضافة سبعين ملعبا جديدا بمختلف أقاليم الجهات الثلاث ، حيث من المرتقب أن يتم تدشين ملعبين رياضيين بكل من منطقة الكركرات وبئر كندوز لتعزيز البنيات التحتية الرّياضية بالصحراء المغربية.
ختاما إن كل هذه الأوراش الملكية الإستراتيجية بالصحراء المغربية جعلت الأمم المتحدة عبر تقارير الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس على غرار التقرير الذي أصدره هذا الأسبوع والتي أشاد عبرها بالدينامية التنموية الهيكلية التي تشهدها الصحراء المغربية بفضل النموذج التنموي الذي وضع ملامحه جلالة الملك محمد السادس حفظه الله بمناسبة الذكرى الخامسة و الأربعين للمسيرة الخضراء المظفرة ، عقد تقريبا من التنمية المستدامة في شتى مجالاتها أعطت لنا هذا التحول الماكرو_ اقتصادي الضخم بالأقاليم الجنوبية.
لقد جعلت الإستثمارات الضخمة التي اقتربت من تسعين مليار درهم رجّة تنموية الأقاليم الصحراوية فضاءات ترابية متميزة ، فمثلا بجهة العيون الساقية الحمراء تمّ استثمار حوالي 46 مليار درهم جعلها جوهرة الصحراء المغربية هي وطبعا رفقة عاصمة المحيط الأطلسي الداخلة المغربية ،كل ذلك ساهم بشكل محوري في تعزيز البنيات التحتية من الجيل الجديد ،كما تم توطين العديد من الشركات والمؤسسات الخصوصية الأجنبية الكبرى بالأقاليم الجنوبية ، هذا دون نسيان الدور الدبلوماسي الكبير والمثمر للمملكة المغربية بفضل الرؤية الملكية الإستراتيجية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله التي جعلت بقاع العالم شرقا و غربا ،شمالا وجنوبا بمختلف قارات العالم تؤيد في شبه إجماع دولي لمقترح الحكم الذاتي المغربي وسيادته على صحراءه ،هذا الأمر نتج عنه دبلوماسية القنصليات التي تجاوزت الثلاثين قنصلية بمدينتي العيون والداخلة ، ما يعنيه ذلك من استثمارات تنموية قياسية ،على غرار الإستثمارات الأمريكية التي من المنتظر أن يتم توطينها بالأقاليم الجنوبية بقرابة خمس مليار دولار بعد تجديد الولايات المتحدة الأمريكية اعترافها بمغربية الصحراء ،وهذا كله على مقربة من قرار مجلس الأمن الدولي التاريخي حول الصحراء المغربية مع إجماع الأعضاء الخمس حول مقترح الحكم الذاتي المغربي ، لا ننسى كذلك الإستثمارات البريطانية مع تمويل هيئة الصادرات البريطانية البالغ حوالي خمس مليارات جنيه استرليني سيتم استثمارها بمختلف التراب الوطني بما فيها الأقاليم الجنوبية للصحراء المغربية ، وهذا ما أكد عليه وزير الخارجية البريطاني دافيد لامي بعد زيارته إلى المملكة المغربية ، أما اسبانيا فتجمعنا معها شراكة إستراتيجية جعلت أزيد من مئة مقاولة وشركة اسبانية تستثمر بتراب الصحراء المغربية ،وهذا ما أكده مؤخرا وزير الخارجية الإسباني ألباريس ، أما فرنسا العضو الدائم بمجلس الأمن الدولي فقد أكد رئيسها إيمانويل ماكرون من داخل قبة البرلمان المغربي على أن حاضر ومستقبل الصحراء المغربية يأتي في إطار السيادة المغربية ،هذا الموقف الفرنسي تلاه استثمارات فرنسية وزيارة رئيس الجمعية العمومية الفرنسية ووزيرة الثقافة رفقة مجموعة من رجال الأعمال الفرنسيين للأقاليم الجنوبية لبداية استثمارات قياسية فرنسية مع الشراكة الإستراتيجية الإستثنائية الوطيدة بين البلدين الشقيقين ، إضافة إلى تنظيم المنتدى الإقتصادي المغربي _الفرنسي من قلب الصحراء المغربية ،وتجديد الموقف الفرنسي من طرف رئيس الدبلوماسية الفرنسية بارو ، أما الإتحاد الأوروبي فقد جعلت سياسة الحزم والصرامة التي أكد عليها جلالة الملك محمد السادس حفظه الله بمناسبة الذكرى التاسعة والستين لثورة الملك والشعب حينما أكد جلالته على أن المنظار والباروميتر والنظارة التي تنظر لها المملكة المغربية لصدق ونجاعة الشراكات هي منظار الصحراء المغربية ،فلا شراكة مع أصحاب المواقف الضبابية والإزدواجية في التعامل مع وحدتنا الترابية ،ما جعل الإتحاد الأوروبي يُعدّل الإتّفاق الفلاحي يشمل تثمين المنتجات الفلاحية بالأقاليم الجنوبية والتعامل معها بنفس الضمانات الجمركية التي يتم التعامل بها مع منتجات المناطق الشمالية المغربية ، أما ألمانيا ،البرتغال ،إيطاليا ومجموعة فيسغراد ،سلوفينيا ،بل حتى الدول الإسكندنافية كالدنمارك وفنلندا ،وصولا مؤخرا لبلجيكا وغيرها الكثير من الدعم الأوروبي ، أما قلب آسيا والقوة العالمية بشرقها الصين الشعبية فقد أكدت مجموعة من المؤشرات على متانة الشراكة المغربية الصينية التي بدأت مع الزيارة التاريخية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله إلى بكين في شهر ماي من سنة 2016 ،هذه الشراكة التي تعززت ملامحها لتصل المبادلات التجارية الثنائية بحوالي 9,4 مليار دولار ، وإرساء حوار استراتيجي بين وزارتي خارجيتي البلدين بعد زيارة وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة إلى بكين موخرا ولقاءه بنظيره الصيني وونغ يي ، لاتنسى كذلك زيارة الرئيس الصيني تشي تجين بينغ القصيرة للمغرب مباشرة بعد قمة العشرين بالبرازيل ،وما تلاه من لقاءه بولي العهد الأمير مولاي الحسن ،وتلك مؤشرات تعزز دينامية العلاقات بين البلدين ،خصوصا مع اعتبار المملكة المغربية هي أول دولة أفريقية انخرطت في مبادرة الحزام والطريق الصينية ، دون نسيان الشراكة الصحية بين البلدين خلال فترة كورونا ، التي أفرزت تدشين مصنع ضخم لتصنيع اللقاحات المضادة يجسد الشراكة المغربية الصينية ، أما روسيا الإتحادية فقد انتقلت من المنطقة الضبابية إلى موقف دبلوماسي روسي تاريخي واضح خلال الآونة الأخيرة ،مع زيارة وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة إلى موسكو ، وإجراء الدورة الثامنة المشتركة بين البلدين ،مع إرساء آلية للحوار الإستراتيجي الروسي المغربي ،دون نسيان ما أكده وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بِكون الوضع تغير بشكل جلي بخصوص الصحراء المغربية ، وتأكيد الناطقة الرسمية بإسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا على أن المملكة المغربية حليف وشريك استراتيجي لروسيا الإتحادية ،في تجسيد الشراكة الإستراتيجية المعمقة التي انطلقت مع زياراتي جلالة الملك حفظه الله إلى موسكو سنتي 2002 و 2016، وزيارة رئيس روسيا الإتحادية فلاديمير بوتين للرباط سنة 2006 ، أما الشراكة المغربية _الأفريقية فهي في أوج عطاءها مع الزيارات المكوكية لجلالة الملك حوالي خمس وخمسين زيارة ملكية لإفريقيا ،وما نتج عنها من أزيد من ألف اتفاقية وشراكة تزامنت مع عودة المملكة المغربية لبيته الإفريقي يناير من سنة 2017 ،أما حلفاؤنا الخليجيون فهم يضعون المملكة المغربية شريكا استراتيجيا لهم ،ودائما ما تؤيد جميع دول الخليج مغربية صحراؤنا على غرار المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين ودولة قطر وسلطنة عمان ،دون نِسيان دول عربية شقيقة كالجمهورية المصرية والمملكة الأردنية الهاشمية وغيرها الكثير .
إنطلاقا من هذه الشراكات الاستراتيجية الدولية التي مزجها عبر المغرب بين الدبلوماسية والبعد الإقتصادي ،ما جعل الأقاليم الجنوبية تشهد استثمارات تنموية عالمية في انتظار قرب تدشين قنصلية أمريكية بمدينة الداخلة كما أكد على ذلك كبير مستشاري الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المكلف بالشؤون الإفريقية والعربية مسعد بولس وما سَيعنيه ذلك من استثمارات أمريكية كبرى.
4. ما هي التحديات المتبقية أمام تحقيق التنمية المستدامة في الصحراء، خاصة على مستوى التشغيل، العدالة المجالية، والحوكمة المحلية؟
لقد أفرزت نتائج الإحصاء العام للسكان والسكنى لهذه العُشرية ارتفاع ملحوظ لنسمة الصحراء المغربية من أربعمائة ألف وخمسمائة نسمة سنة 2014 إلى حوالي ستمائة ألف نسمة خلال سنة 2024 ،هذا التطور السكاني يستوجب معه المزيد من المجهودات التنموية لمشاريع هيكلية إضافية خصوصا بجهة كلميم واد نون التي تحتاج استثمارات إضافية سواء عمومية أو خصوصية ، لكي يكون تأثير أكثر نجاعة على مستوى تشغيل الشباب وحوكمة التنمية المجالية المندمجة كما أكد على ذلك خطاب جلالة الملك محمد السادس حفظه الله بمناسبة عيد العرش المجيد ،من خلال الإنتقال من المقاربة الكلاسيكية إلى رؤية مجالية جديدة تأخذ بعين الإعتبار الخصوصيات المحلية لكل جهة والإنطلاق من الأولويات المحورية سواء في مجالات التعليم والصحة والشغل والعدالة المجالية ، لذلك وجب تخصيص تحفيزات ضريبية بالأقاليم والمناطق الصحراوية التي مازالت تسير ببطء على المستوى التنموي ،والإنتقال من المساواة الضريبية إلى العدالة الضريبية بأقاليم على غرار طرفاية والسمارة وبوجذور وكلميم لكي تسير بنفس سرعة مدينتي العيون والداخلة ، وهذا هو طموح جلالة الملك حفظه الله أن يسير المغرب بكل مناطق بسرعة موحدة بحواضره وقُراه ومناطقه الجبلية والواحية والساحلية والصحراوية ، كما أنّ الإستثمارات الأجنبية التي تحدث عنها سابقا يمكن الإستفادة منها لهيكلة المناطق الصحراوية التي تسير بالسرعة الثانية ، خصوصا هذه الدينامية الأمريكية مع ترسيخ بعد الجهوية المتقدمة الذي يؤكد الفصل 143 على أنها تتبوأ مكانة الصدارة في التنمية المستدامة الجهوية مقارنة مع باقي الجماعات الترابية الأخرى ، فالبعد الجهوي والترابي من وجهة نظري هو المفتاح لبلوغ السرعة التنموية الموحدة ، وهذا ينطبق كذلك على الأقاليم الجنوبية ، خصوصا مع شراكات التوأمة التي جمعت مدينة العيون مع مدينة أرلينغتون بولاية تكساس مع حضور جيمي روس رئيس عمداء الولايات المتحدة الأمريكية ، وكذا اتفاقية توأمة بين مدينة الداخلة ومدينة كولومبوس بولاية أوهايو مع حضور عمدتها جينتلر ، هذه الشراكات واتفاقيات التوأمة سيكون لها تأثير إيجابي كبير جدا على تلك الجهتين ، لا ننسى كذلك تصريحات كبار المسؤولين الأمريكيين على غرار السيناتور الجمهوري جون ويلسون والديمقراطي جيمي بانيتا وشنايدر والسيناتور مورفي كريس والديمقراطية روزن،دون نسيان السفير الأمريكي السابق ديفيد فيشير والسفير الأمريكي الحالي بالمغرب ريتشارد ديوك بيوكان الثالث ،كل هؤلاء أكدوا وأجمعوا جمهوريين وديموقراطيين على أهمية الإستثمار بالمملكة المغربية باعتبارها بوابة التنمية والإستثمار قاريا ، أعتقد بأنه مع هذه الإستثمارات الدولية الضخمة يمكن جعل باقي المناطق بالأقاليم الجنوبية أقطابا اقتصادية كبيرة ، فقط نحتاج للمزيد من الحوكمة الرشيدة في التدبير والتسيير مع اعطاء أولوية للقطاعات الإجتماعية ورصد الأولويات الإقتصادية بجهة كلميم واد نون التي تحتاج مجهودا تنمويا ينضاف لما تم حاليا ،برزنامة من المشاريع الهيكلية بها ،خصوصا في مجالات الطاقات المتجددة بشتى أصنافها ،وكذا الهيدروجين الأخضر والإقتصادين الأخضر والأزرق باعتبارها اقتصارات واعدة وجذابة للإستثمار العمومي والخصوصي بتلك المناطق ،مع بلورة ميكانيزمات تنزل بشكل أكثر فعالية نقاط القانون الإطار رقم 03.22 المتعلق بالميثاق الجديد للإستثمار بالتحديد ميكانيزم وبعد تنمية منصفة للمجالات الترابية الذي يشكل أحد أعمدة القانون الإطار السالف الذكر ،لتجاوز تحدي البطالة فقد أوضحت المذكرة الإخبارية للمندوبية السامية للتخطيط خلال النصف الثاني من هذه السنة على أنّ جهات الجنوب الثلاث بالأقاليم الجنوبية وصلت فيها معدلات البطالة حوالي %25,7 ، ما يتطلب ذلك جعل الدينامية الإقتصادية كما قال جلالة الملك محمد السادس حفظه الله يجب أن تؤثر على المؤشرات الإجتماعية خصوصا في نسب التشغيل ،وهذا التحدي الأكبر بالأقاليم الجنوبية ،ويتجلى في كيفية التلاقح بين حجم المجهودات التنموية الضخمة جدا مع العدالة المجالية والتنمية الإجتماعية بمختلف تمظهراتها .