الباحثة جهان نجيب تصدر كتاب “جدلية الدين والسياسة في المجتمع الغربي الحديث”
لطالما شكلت العلمانية بالنسبة للباحثة جهان نجيب توجه فكري وسياسي مناسب للدول لضمان عيش مسالم ومحايد تجاه القضايا المتعلقة بالدين. مع اعتبار أن الدولة العلمانية تعامل جميع مواطنيها بشكل متساوي بغض النظر عن انتماءاتهم أو تفسيراتهم أو أفكارهم الدينية. لذلك فكتاب، “جدلية الدين والسياسة في المجتمع الغربي الحديث”، للأستاذة الباحثة جهان نجيب هو إصدار متواضع يجيب عن هم إشكالي فلسفي لطالما شكل سوء فهم كبير لدى الباحثين الصاعدين وقبلهم والمتمثل في كون أنّ العلمانية أتت لتقويض الدين، في حين لم تأت لمحاربة الدين وإنما سعت إلى تجسيد الدولة عن التوظيف الديني وهو ما أنجزته الثورات الغربية، وهي ثورات لم تكن تهدف إلى القضاء على الدين ورجاله، وإنّما هدفت إلى الحسم مع الحكم المطلق ومسوغاته الدينية، لكن الوضع مع التاريخ الشرقي يختلف وهذا يعكس لنا في نفس الوقت أن التاريخ أظهر أن العلاقة بين الدين والسياسة كانت تعبيرًا عن لغة المصالح أكثر مما هي تعبير عن لغة الدّين، وهي الخلاصة التي أرادت جهان تأكيدها من خلال هذه الدراسة.
– فأساس بناء المجتمعات هو بفصل السلطتين وضمان الاستقرار لا يكون إلا بالحد من سلطة رجال الدين حتى يتفرغوا لأمور الدين والعقائد السلفية الشائعة، مع مراعاة مصلحة الدولة والدين.
على هذا الأساس سبق لاسبينوزا الإشارة إلى ضرورة مراعاة مصلحة الدين والدولة حيث لا ينبغي إعطاء أصحاب السلطة حقّ التمييز بين الأفعال والحكم عليها، فإذا كان هذا الحق لم يعط حتى الأنبياء دون أن يلحق الضرر بالدين والدولة على السواء فالأولى ألا يعطى من هم أقل قدرة منهم….
– فإذا كانت الغاية من الدّين هي تدبير الشؤون الروحية للمؤمنين، فإنّ الغاية من تأسيس الدولة، هو إتاحة الفرصة للأفراد حتى يقوموا بوظائفهم في آمان ثام، حيث ضرورة ضمان استخدام عقولهم استخدامًا حرًا دون إشهار أسلحة الحقد أو الغضب أو الخداع. فالحرية إذن، هي الغاية الحقيقية من تأسيس الدولة، ومن أهم هذه الحريات حسب غوشيه هو حرية المعتقد.
ولأن العلمانية كمنهج سياسي واجتماعي لا يقوم دون نظيراته من المفاهيم، وجدت الباحثة أهمية التركيز على الديمقراطية، حيث لا سبيل للحديث عن الدولة المدنية في الدولة الغربية في غياب قيم الديمقراطية ومن أهمها قيم المساواة واحترام الحقوق وضمانها، والمشاركة السياسية، واستقلالية المجتمع وتقديس التعددية الاجتماعية والثقافية…إلخ، أما الواقع الشرقي الإسلامي فالأمر يختلف حيث لم يشهد هذا الأخير طيلة مساره التاريخي أي ملمح للتحديث بخصوص الفصل بين السلطتين، الدينية والسياسية، إلا مع النهضويين الحداثيين المؤخرين وهذا كان رهان الباحثة جهان منذ البداية لإثباته من خلال هذه الدراسة، وهو تأكيد الفرق الشاسع بين التاريخين الغربي المسيحي والشرقي الإسلامي، مع اهتمامها بالتاريخ الغربي كأولوية في دراستها على التاريخ الشرقي، لأسباب موضوعية وهو تطور الدولة الغربية على نظيرتها الشرقية، وذاتية نظرًا لتوجهها النسوي اليساري في تحقيق بلد علماني حر.
لوحظ أيضا، أن ما يروج حول المجتمع السياسي الديني في كثير من النقاشات التي من أجلها تقام أضخم الندوات، لأنّه تبين أن أوجه المجتمع السياسي أوسع من أن يحيط بها الباحث، لذلك كل إمكانية لتعريف المجتمع المدني هو تحديد من شأنه أن يبخس الموضوع.
هناك مسألة أخرى سعت الباحثة نجيب التركيز عليها في هذا البحث هي أنه لابد من التمييز بين بعض الأمور إذا ما أريد فهم الموضوع الذي يحاول المجتمع المدني الإجابة عن أسئلته حيث ينبغي التمييز بين العمومي والخصوصي، لأنّ الخلط بينهما هو ما سبب الكثير من سوء التقدير والأمر الآخر الذي ينبغي عدم اغفاله أنّ الدولة بما هي كيان مستقل يحمل شخصية اعتبارية، وعن طريقه تتجسد فكرة العيش المشترك، لابد من أن يصار إلى تجنيبها الرهانات الإيديولوجية، أو الفلسفية أو الدينية.
ما تؤكده الباحثة نجيب، في هذا الختام هو ضرورة التمييز بين الشؤون الروحية لمعتنقي الديانات والحد من التأويلات الدينية الرامية للهيمنة على الشؤون الحياتية كافة، {السياسة الأخلاقية، الثقافية…}، فالمجتمع المدني التي نظّرت لها التآليف الفكرية، لم تسعى لقمع الدين، كما يتأول ذلك بعضهم وإنما كان شعار المجتمع المدني في الغرب هو أنه، “لا مجال للكنيسة القوية إلا داخل الدولة القوية، وأنّ استقلالية الدولة لا تتأتى إلاّ من استقلالية الدين، وأن التمييز بين المجال الروحي والزمني وبين الخصوصي والعمومي سيكون أكبر خدمةً للدين والدولة بشكل متزامن”.
لقد حاولت الدكتورة جهان في هذا العرض المقتضب، تلخيص عدد من الأطاريح التي صادفها البحث، والتي تؤكد الأبعاد السياسية والفلسفية غير المتصارعة مع الدين، وإنما مع تأويلات رجال الدين، ونزوعاتهم السياسية، وهذا كان هدف الباحثة الأساسي لتبيانه في البحث.