على بعد خطوة من الاتحاد الإفريقي… الملك يدشن جولة جديدة داخل القارة السمراء
تضع اليوم العديد من الدول كالجزائر ومن يدور في فلكها و”جبهة البوليساريو”، أيديها على قلوبها خوفا من الهزائم التي حصدتها وما تزال منذ إعلان المغرب قراره التاريخي بالعودة إلى حضن الاتحاد الإفريقي، وإلى البيت الذي كان له بالغ الأثر في بنائه ورغم الألغام التي زرعتها هاته الدول في طريق عودة المملكة المغربية إلا أنها جوبهت بعزيمة وذكاء حاد للآلة الدبلوماسية المغربية تحت قيادة ملك متبصر.
باتت المعطيات والتطورات الحاصلة اليوم على الساحة الإفريقية تجري عكس ما تشتهيه إرادات هذه الدول التي تناصب المغرب العداء في وحدته الترابية كلما اتسع لها أي مجال لكن شتان بين الأمس واليوم فالمستجد هو أن إفريقيا كاملة باتت تفتح ذراعيها لبلد مؤثر ومؤسس وبلد من العيار الثقيل كالمغرب.
وبهذا الخصوص قال عبد الفتاح الفاتحي، الباحث الأكاديمي المتخصص في قضية الصحراء والشؤون المغاربية، “يتأكد جدليا بأن المغرب ماض في اعتماد سياسة جديدة في التعاطي مع الدول الإفريقية أيا كانت مواقفها بخصوص قضية الوحدة الترابية، وهكذا يبدو أن الزيارة المرتقبة لجنوب السودان تأتي في هذا السياق لا سيما أن السودان معروفة بمواقفها المؤيدة لجبهة “البوليساريو”، لكن هذا يسجل كاختراق للدبلوماسية الملكية لعدد كبير من الدول مما يرفع سقف الدول التي تؤيد إيجابا عودة المغرب للاتحاد الإفريقي، مما سيشكل إحراجا للدول المناوئة لهذه العودة، كما هو الحال بالنسبة لجنوب إفريقيا والجزائر وعدد قليل من الدول التي باتت معزولة داخل الاتحاد الإفريقي والتي تعطل أو تعرقل أو تؤجل العودة الشرعية للمملكة المغربية للاتحاد الإفريقي”.
وأضاف الفاتحي، “على العموم إن المغرب وجلالة الملك يفعلان دبلوماسية متكاملة وشاملة وتعتمد كل الوسائل والآليات من أجل العودة في هذه القمة المرتقبة، لذلك سيكون السفر الملكي إلى إثيوبيا في هذا الاتجاه لاسيما أن المغرب أكمل كل شروط الانضمام ومنها المصادقة على النظام الأساسي من قبل مجلسي النواب والمستشارين، والذي أحالته وزارة الخارجية على مفوضية الاتحاد الإفريقي من أجل الآخذ بعين الاعتبار بأن المغرب مستعد ومنسجم مع كل قناعاته الشعبية وكذا المؤسساتية للعودة إلى الاتحاد الإفريقي، وبأن التعاطي الإيجابي صدر فإلى حدود انعقاد مجلسي النواب والمستشارين بلغ العدد 40 دولة وهناك من يتحدث اليوم عن 44 تأييدا لعودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي”.
وحول كيف سيخدم المقعد الذي سيستعيده المغرب داخل الاتحاد الإفريقي مصالحه مستقبلا؟ أكد الباحث الأكاديمي، “للتذكير أن الاتحاد الإفريقي كان يصدر مجموعة من القرارات في غير صالح المملكة المغربية فيما يخص قضية الصحراء، وكان يتم تمرير هذه القرارات بسرعة وبدون مناقشة ودون استحضار للدفوعات المغربية، لذلك فالمغرب سيكون أمامه اليوم بعد الدخول إمكانيات توضيح موقفه وإمكانيات سبق الجهات التي كانت تتحين الفرصة لتمرير هكذا قرارات ضد دولة عضو في الاتحاد الإفريقي، من الناحية السياسية المغرب تكبد الكثير من الخسائر وبالتالي الكثير من الضغوط لا سيما أن مواقف الاتحاد الإفريقي باتت قوية لدى مجلس الأمن ولدى الأمم المتحدة والجمعية العامة للأمم المتحدة وهو ما يثير إشكالات على مستوى الرأي العام الدولي ويظهر أن المملكة المغربية تواجه يعني القرارات الدولية”.
وقال الفاتحي، “على العموم المملكة المغربية اليوم تتجاوز براغماتيتها في التعاطي مع الاتحاد الإفريقي المستوى السياسي فيما يتعلق بقضية الصحراء إلى الموائمة في ما بين معادلة الشق الاقتصادي والشق السياسي، معلوم أن المغرب له مغامرات وكذلك مجازفة في إطار الاستثمار في عدد من الدول الإفريقية من منطلق وعيه المساهمة في دعم والاستقرار السياسي والاقتصادي لإفريقيا لكنه يحتاج إلى مظلة سياسية لتأمين حقوقه على هذه الاستثمارات”.
وزاد الباحث الأكاديمي المتخصص في قضية الصحراء والشؤون المغاربية، “لذلك فالعودة للاتحاد الإفريقي ضرورة كذلك ذات مصداقية، وإعلان بأن المغرب سينخرط بشكل أفضل في المستقبل في إفريقيا وستكون مساهمته داخل الاتحاد الإفريقي قوية من الناحية السياسية وهذه هي البراغماتية بالنسبة للاتحاد الإفريقي وستكون مساهمته قوية جدا على مستوى إصلاح القوانين المتعلقة بالاتحاد الإفريقي على الأقل من أجل مسح خطأ تاريخي هو انضمام جبهة “البوليساريو”، التي تفتقد الشرعية داخل هذا التنظيم لأنها لا تحظى باعتراف دولي ولأنها لا تخضع لمعايير ومبادئ القانون الدولي المتعلق بإنشاء الكيانات وكذلك بأن هذه الدولة تجلس إلى جانب دول داخل الاتحاد الإفريقي وبأن هذه الدول الإفريقية لا تعترف بجبهة “البوليساريو”، لذلك فحالة التناقض الموجود داخل الاتحاد الإفريقي سيكون بإمكان المغرب وكذلك الدول الصديقة بأن تحاول استصدار قرارات من أجل حل هذا الإشكال القانوني من الناحية الأخلاقية ومن الناحية السياسية لإعطاء مصداقية أفضل للاتحاد الإفريقي”.
وبخصوص كيفية إزالة الألغام التي يحاول الخصوم وضعها في طريق عودة المغرب للاتحاد الإفريقي ؟ قال الباحث الأكاديمي، “من الناحية المسطرية لنا تجربة كتجربة جنوب السودان وطبقا كذلك للمادة 29 من ميثاق الاتحاد الإفريقي التي تؤكد بأن حاجة الدولة للانضمام هي إخطار للدول بطلب الانضمام زائد الحصول على تأييد إيجابي يتجاوز بالأغلبية النسبية إذا كنا نتحدث عن 54 دولة فنحن نحتاج على الأقل إلى 27 صوت كافية لأن تعطي الشرعية لعودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي”.
واستطرد الخبير قائلا، “الإشكال المطروح الآن بين الجزائر وجنوب إفريقيا التي تحاول أن تدخل الطلب المغربي في حيثيات سياسية منها مثلا دفع المغرب لتوضيح خريطته السياسية أو على الأقل الإيمان بالمبدأ الوارد في المادة 4 من الميثاق الإفريقي والتي تتعلق بما يسمى بالحدود الموروثة عن الاستعمار، لكن حتى الحدود الموروثة عن الاستعمار أي الخريطة السياسية القديمة للملكة المغربية مثلا، وإن كانت في هذا الاعتبار لا تتضمن الأقاليم الجنوبية فإن الأقاليم الجنوبية لم يقدمها المستعمر الإسباني لأي جهة كانت، وبالتالي الترابطات التاريخية وكذلك السياسية تؤكد أن المملكة المغربية كانت دائما مطالبة بشرعيتها على الأقاليم الجنوبية لا سيما أنه في 1962 تقدم المغرب بطلبين طلب يخص سيدي إيفني وطلب يخص الصحراء إلى اللجنة الرابعة لتصفية الاستعمار، فتم حسم ملف سيدي إيفني وبقي ملف الصحراء داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة خاصة اللجنة الرابعة لتصفية الاستعمار”.
واسترسل الفاتحي “لذلك الوضع الحالي يتجاوز هذا المبدأ ويؤكد أن المملكة المغربية قد حققت كل الشروط الموضوعية للعودة إلى الاتحاد الإفريقي، وهم يتوقعون بأن المغرب سيحقق انتصارات كبيرة فيما يخص قضية الصحراء داخل الاتحاد الإفريقي لذلك فحالة الخوف والرعب الشديد تتلمسها من خلال المواقع المؤيدة لجبهة “البوليساريو”، وهذا ما يعني خلافا لبعض الأطروحات التي تقول بأن من شأن مصادقة مجلسي النواب والمستشارين على ميثاق الاتحاد الإفريقي الاعتراف بشرعية جبهة “البوليساريو”، كدولة ولكن الحقيقة ليست كذلك، وإلا كانت “البوليساريو”، والجزائر وجنوب إفريقيا تهللان لطلب المغرب العودة إلى الاتحاد الإفريقي، ولما كانت هناك عرقلة لعودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي، إذن المغرب سيحل الكثير من الإشكاليات العالقة أو ما تسميه جبهة “البوليساريو”، في سياق الصراع الدبلوماسي بأن المغرب يعيش عزلة إقليمية ودولية لذلك فالمغرب بإمكانه نفي ذلك وبالدليل فالمغرب يعيش وضعا طبيعيا مع أوروبا ومع الاتحاد الإفريقي وأن مساهماته أكبر من أن يعيش عزلة بل أن مشاريعه مطلوبة ومرحب بها في العديد من الدول الإفريقية وتحقق نجاحات له وكذلك للدول الشريكة”.