3 نونبر 2024

رئيس النيابة العامة يكشف حصيلة النشاط القضائي بمناسبة افتتاح السنة القضائية لسنة 2022

رئيس النيابة العامة يكشف حصيلة النشاط القضائي بمناسبة افتتاح السنة القضائية لسنة 2022

الرباط- بتاريخ 26 يناير 2022

بسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وآله وصحبه أجمعين.

-السيد الرئيس الأول لمحكمة النقض، الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية؛

-السيد وزير العدل؛

-أستاذنا الجليل السيد ادريس الضحاك الرئيس الأول لمحكمة النقض والوزير سابقا وعضو أكاديمية المملكة المغربية؛

-السيدة الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات والسيد الوكيل العام للملك لديه؛

-السيد وسيط المملكة؛

-السيد المندوب العام لإدارة السجون وإعادة الإدماج؛

-السيد والي الجهة؛

-السادة أعضاء المجلس الأعلى للسلطة القضائية؛

-السيد الأمين العام للمجلس الأعلى للسلطة القضائية؛

-السيد المفتش العام للشؤون القضائية؛

-السادة رؤساء الغرف والأقسام والسادة المستشارون والمحامون العامون بمحكمة النقض؛

-السادة رؤساء الأقطاب والمدراء؛

-السادة المسؤولون القضائيون؛

-السيد رئيس جمعية هيئات المحامين  والسادة النقباء؛

-حضرات السيدات والسادة الحضور الكريم كل باسمه وصفته والتقدير والاحترام الواجب لشخصه؛

-حضرات السيدات والسادة الذين يتابعون هذه الجلسة عن بعد؛

تغمرني سعادة واعتزاز وأنا أشارك حضراتكم أشغال الجلسة الرسمية لافتتاح السنة القضائية 2022، تنفيذاً للأمر المولوي السامي لمولانا أمير المؤمنين رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية في إطار المنشور عدد 845 الصادر بتاريخ  17 ربيع الثاني 1399 الموافق 16 مارس 1979 كما تم تحيينه بتاريخ 11 محرم 1432 (17 دجنبر 2010) بشأن كيفية عقد الجلسات الرسمية والعادية تجسيداً لما يوليه جلالته من بالغ عنايته واهتمامه بالقضاء الذي يعتبر دعامة أساسية لحماية الحقوق والحريات وفقا لأحكام الدستور في فصله 117. هذه الجلسة التي أضحت تشكل مناسبة سنوية تلتئم فيها مكونات السلطة القضائية في أعلى هرم قضائي بالمملكة،  ويحضرها نخبة من قضاة المملكة وفقهاء القانون وقامات من نساء ورجالات الدولة والمسؤولين بمختلف المستويات .

لقد أصبح افتتاح السنة القضائية موعداً سنوياً بامتياز، تتواصل فيه مكونات محكمة النقض رئاسة ونيابة عامة مع محيطها الخارجي من أجل تقديم حصيلة نشاطها القضائي وتسليط الضوء على المجهودات المبذولة من طرف قضاة المملكة وتحليل الاحصائيات المسجلة في هذا المجال واستعراض أهم آفاق العمل المستقبلية .

وهي مناسبة نستحضر فيها بكل حس ومسؤولية، الخطاب الملكي السامي لجلالة الملك بمناسبة افتتاح السنة القضائية بأكادير يوم 29 يناير 2003 والذي قال فيه جلالته: “يسعدنا أن نجعل من افتتاحنا للسنة القضائية مناسبة لإضافة لبنات جديدة في مسار إصلاح جهاز العدل لما يكفله القضاء المستقل والنزيه والفعال من سيادة القانون وإشاعة الثقة والأمن على الأشخاص والممتلكات وتحفيز التنمية والاستثمار وتوطيد الاستقرار وترسيخ الديمقراطية التي نضعها فوق كل اعتبار”، انتهى النطق الملكي السامي.

وبهذه المناسبة المتميزة يشرفني أن أرحب باسمي وباسم كافة قضاة النيابة العامة بجميع الضيوف الكرام الذين شرفوا بحضورهم هذه الجلسة الرسمية التي تنعقد في هذا الصرح القضائي الشامخ. والترحيب موصول أيضاً بجميع المسؤولين القضائيين الذين لم تسعفهم الظروف الوبائية للحضور معنا بهذه القاعة والذين يتابعون هذه الجلسة عبر تقنية التناظر المرئي، كما نأسف لعدم تمكن العديد من نساء ورجالات الدولة وشخصيات  قضائية وقانونية حضور أشغال هذه الجلسة بسبب إكراهات الظروف الوبائية.

فبكثير من الاعتزاز والفخر أتشرف لأول مرة حضور هذه الجلسة الرسمية  بعد أن حظيت بالثقة المولوية الغالية، وبهذه المناسبة أود أن أشكر سلفي السيد امًحمد عبد النباوي الرئيس الأول لمحكمة النقض الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية على كل ما قام به من مجهودات جبارة من أجل مأسسة قواعد العمل بالنيابة العامة لدى محكمة النقض ومحاكم المملكة وتطوير أساليب اشتغالها وتجويد مستوى أدائها خلال الفترة التي تقلد فيها مهامه بصفته وكيلاً عاماً للملك لديها ورئيسا للنيابة العامة.

إن انعقاد هذه الجلسة الرسمية يأتي في سياق تطبعه مجموعة من التحولات العميقة التي تعرفها السلطة القضائية ببلادنا والتي تعرف تنزيل مجموعة من الأوراش والإصلاحات الكبرى، كما يأتي أيضا أياماً قليلة على تفضل مولانا أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية باستقبال الأعضاء العشرة المنتخبين الجدد بالمجلس، وبهذه المناسبة أهنؤهم على الثقة التي حظوا بها من قبل زملائهم القضاة وعلى تشريفهم بالاستقبال الملكي السامي الذي من خلاله تم تنصيبهم في مهامهم الجديدة متمنيا لهم كامل التوفيق في أداء رسالتهم التمثيلية عن زملائهم، والنجاح في مهامهم النبيلة في المجلس الأعلى للسلطة القضائية .

السيد الرئيس الأول؛

حضرات السيدات والسادة الأفاضل؛

على الرغم من استمرار الوضع الصحي الاستثنائي الذي تعيشه بلادنا بسبب تداعيات جائحة كوفيد 19 والتي أثرت على كافة مناحي الحياة، فإن السلطة القضائية مع ذلك استطاعت أن تحقق مستوى جيداً في أدائها خلال السنة المنصرمة.

فإذا كان الاحتكام إلى مؤشرات الأداء يعتبر أحد آليات قياس تحقيق النجاعة، فإنه يمكن القول أن سنة 2021 بالنسبة لمحكمة النقض كانت سنة جيدة ومتميزة، بذل خلالها قضاتها وأطرها جهدا إضافيا وعملا دؤوباً من أجل الحفاظ على المكتسبات السابقة والتقليص من عدد القضايا المخلفة، حيث تم البت في 45304 قضية، أي بزيادة 4743 قضية عن سنة 2020، والتي كان عدد القضايا المحكوم خلال  40561 قضية، أي بمعدل إنتاج يناهز 214 ملفا لكل مستشار في السنة و بمعدل شهري قدره 19 ملفا لكل مستشار، ويرتفع هذا المعدل بالنسبة للمستشارين في الغرفة الجنائية إلى حوالي 31 ملفاً شهرياً.

وإذا كان تأثير كوفيد 19 قد انعكس على عدد القضايا الجديدة المسجلة خلال سنة 2020، حيث تم تسجيل 31448 قضية. أي بأقل من عشرين ألف قضية عن سنة 2019 التي بلغ فيها عدد القضايا المسجلة 51591 قضية. فإن سنة 2021 عرفت تسجيل 48919 قضية جديدة منها 27139 قضية زجرية، بزيادة 17471 قضية مقارنة بسنة 2020 .

وإذا كان عدد القضايا الرائجة بمحكمة النقض خلال سنة 2020 قد بلغ 82433 قضية، فإن سنة 2021 عرفت إرتفاعا في القضايا الرائجة بلغ 90791 قضية، منها 41872 قضية مخلفة عن السنوات السابقة، و48919 قضية مسجلة خلال سنة 2021.

وعلى الرغم من المجهودات الجبارة التي بذلها قضاة وأطر محكمة النقض، إلا أنه مع ذلك  لا زالت هناك بعض الاكراهات التي تواجههم في أداء مهامهم، بالنظر للارتفاع المضطرد لعدد القضايا المسجلة كل سنة، والذي في حالة إستمراره من المتوقع أن يبلغ خلال سنة 2022 ما يناهز 100 ألف قضية رائجة، أخذاً بعين الإعتبار أن المخلف عن السنوات السابقة إلى حدود 31 دجنبر 2021 ناهز 45644 قضية، وهو الأمر الذي قد تنتج عنه صعوبة  في تصفية القضايا.

ولتجاوز هذه الوضعية، فإنه بات من الضروري توفير العدد الكافي من الموارد البشرية  وإدخال إصلاحات تشريعية على المقتضيات القانونية المنظمة للطعن بالنقض، وذلك بوضع شروط موضوعية تقيد استعماله لتقصره فقط على القضايا المهمة، حتى تمارس محكمة النقض وظيفتها الأصلية في السهر على التطبيق السليم للقانون وتوحيد الاجتهاد القضائي.

وفي نفس السياق تجدر الإشارة إلى أن عدد الطعون بالنقض التي كان مآلها عدم القبول شكلاً بلغت ما نسبته 24% من مجموع القرارات التي أصدرتها محكمة النقض خلال سنة 2021 أي ما يعادل 10918 قرارا من أصل 45304 قرار.

  وحتى بالنسبة للقرارات الصادرة في الموضوع فإن ما يفوق 60 % منها قضى برفض الطلب، بينما لم يتجاوز عدد الملفات المنقوضة أي الصادرة بالاستجابة لطلب النقض 13111  ملفا من مجموع 45304 ملفا محكوما، أي بنسبة تقدر بحوالي 28% فقط، وهو ما يعني أن 32193 ملفا صدرت فيها قرارات سلبية، أي ما يفوق نسبة 72 % من الملفات المعروضة على المحكمة.

وقد لوحظ أن من بين أسباب عدم قبول الطعون وقوف محكمة النقض على بعض الاختلالات المضمنة في مذكرات الطعن سواء المرفوعة من قبل بعض قضاة النيابة العامة أو أعضاء الدفاع.

وبناء على ذلك وسعيا إلى تدارك هذا الخلل والرفع من قدرات السادة قضاة النيابة العامة المكلفين بتحرير عرائض النقض، فقد عملت النيابة العامة لدى محكمة النقض بتنسيق مع رئاسة النيابة العامة، على تنظيم عدة دورات تكوينية لفائدة نواب الوكلاء العامين، حيث استفاد منها انطلاقاً من سنة 2019 وحتى الآن أزيد من 130 نائبا للوكيل العام للملك، وإننا لعازمون هذه السنة، إن شاء الله على مواصلة هذه الدورات التكوينية ليستفيد منها أكبر عدد ممكن من قضاة النيابة العامة. والأمر موكول بالنسبة لهيئة الدفاع للجهات المعنية بانتظام التكوين المناسب في هذا المجال أيضاً. 

السيد الرئيس الأول؛

حضرات السيدات والسادة الأفاضل؛

رغم تأثير وباء كوفيد 19 سلبا على سير العدالة عموما، فإن الجهود المبذولة من طرف مختلف  مكونات محكمة النقض مكنت من تسريع البت في قضايا المعتقلين والتي أسفرت عن ارتفاع عدد القضايا المحكومة من 2577 سنة 2020 إلى 3696 سنة 2021، أي بزيادة 1119 قضية. غير أن المخلف ما فتئ يرتفع في هذه القضايا إذ بلغ 1455 قضية خلال سنة 2021.

وإذا كانت الأرقام والاحصائيات التي استعرضتها على حضراتكم تعكس حجم المجهودات المبذولة على مستوى رئاسة المحكمة، فإنه بنفس الحماس والجهد حرص قضاة النيابة العامة لدى محكمة النقض على ممارسة الاختصاصات الموكولة لهم بمقتضى القانون بكل مسؤولية من أجل الرفع من المردودية وتحسين مستوى الأداء القضائي، وذلك من خلال دراسة الملفات التي تحال عليهم وتحرير المستنتجات بشأنها، وحضور الجلسات والمشاركة في المداولات واقتراح بعض الحلول القانونية التي تساهم في توحيد الاجتهاد القضائي، ومساعدة الهيئات القضائية في تجهيز الملفات وتسريع وتيرة الإجراءات.

وفي هذا الإطار، أحيلت على النيابة العامة بمحكمة النقض خلال سنة 2021 من أجل الدراسة وتقديم المستنتجات الكتابية 45304 قضية، وهو رقم يساوي عدد القضايا المحكومة، أي بمعدل سنوي يزيد عن 1400 مذكرة معللة لكل محام عام.

أما بالنسبة للمساطر الخاصة التي أوكل فيها المشرع الاختصاص للنيابة العامة لدى محكمة النقض، فسأتوقف باختصار شديد عند بعض الإحصائيات المتعلقة بها.

بالنسبة لمساطر الإحالة من أجل حسن سير العدالة: وتندرج ضمنها طلبات الإحالة من أجل التشكك المشروع، المنصوص عليها في المادتين 270 و271 من قانون المسطرة الجنائية والطلبات المتعلقة بالإحالة من أجل حسن سير العدالة المنصوص عليها في المادة 272 من القانون نفسه، وكذلك طلبات الإلغاء المنصوص عليها في الفصلين 381 و382 من قانون المسطرة المدنية، فقد تم برسم سنة 2021 تسجيل 30 قضية، منها 15 قضية تتعلق بالإحالة من أجل التشكك المشروع، و6 قضايا بخصوص طلبات الإلغاء، و3 قضايا تتعلق بالإحالة من أجل حسن سير العدالة و6 قضايا من أجل تنازع الاختصاص. وقد تم اتخاذ الإجراء المناسب بشأنها.

بشأن الطعن بالنقض لفائدة القانون: سُجل خلال سنة 2021 ما مجموعه سبع  طلبات اتخذ بشأنها الإجراء المناسب، حيث أحيل ثلاث منها على الغرفة الجنائية بملتمس من هذه النيابة العامة، بينما أحيل ثلاث طلبات على النيابة العامة المختصة فيما تم حفظ طلب واحد لعدم توفر الشروط القانونية التي تبرر إحالته على الغرفة المذكورة.

أما طلبات إعادة النظر في القرارات الصادرة عن محكمة النقض: فقد بلغ مجموع الطلبات المرفوعة من طرف النيابة العامة إلى الغرفة الجنائية خلال سنة 2021 ما مجموعه 46 طلبا، منها طلبات تصحيح بعض الأخطاء التي تسربت إلى القرارات وكانت مؤثرة فيها، وطلبات أسست على الحالتين الثالثة والرابعة من المادة 563 من قانون المسطرة الجنائية المتعلقة بإغفال البت في طلبات معروضة بمقتضى وسائل استدل بها، أو في حالة عدم تعليل القرار. وقد بتت محكمة النقض في 33 طلبا وفق ملتمسات النيابة العامة، والباقي لازال في طور الإجراءات.

بالنسبة لطلبات المراجعة: سجل خلال سنة 2021 ما مجموعه 14 طلبا، اتخذ بشأنها الإجراء المناسب، حيث تم حفظ 12 طلباً منها لعدم توافر الشروط القانونية المنصوص عليها في المادة 566 من قانون المسطرة الجنائية والباقي أحيل على الجهة القضائية المختصة.

بالنسبة لطلبات التسليم: سجل خلال سنة 2021 ما مجموعه 49 طلبا، وذلك بزيادة 10 طلبات عن سنة 2020. وقد اتخذ بشأنها أيضا الإجراء القانوني المناسب، حيث أحيلت جميعها على الغرفة الجنائية بمحكمة النقض، تم البت في 41 طلبا، حيث أبدت الرأي بالموافقة في 16 طلبا، وبالإشهاد على قبول طلب التسليم بخصوص 18 طلبا، فيما قضت بالإفراج في 4 ملفات، وعدول السلطات الطالبة عن 3 طلبات، وبقيت 8 طلبات في طور الإجراءات.

بخصوص طلبات المساعدة القضائية: توصلت النيابة العامة بمحكمة النقض خلال سنة 2021 بما مجموعه 96 طلبا اتخذ بشأنها أيضا الإجراء القانوني المناسب، حيث أصدر بخصوصها مكتب المساعدة القضائية 70 قرارا  منها 46 قرارا بقبول الطلب المساعدة، و24 قرارا بالرفض ، وبقي 26 طلبا في طور الإجراءات.

بالنسبة للشكايات التي توصلت بها النيابة العامة لدى محكمة النقض:

بلغ مجموعها 911 شكاية، تشمل 266 شكاية قدمها معتقلون و 98 شكاية ضد مساعدي القضاء و43 شكاية مقدمة من طرف أفراد الجالية المغربية بالخارج و61 شكاية في مواجهة أشخاص آخرين، وقد تمت معالجة جميع الشكايات المذكورة واتخاذ الإجراء القانوني المناسب بخصوصها.

وإذا كانت المنجزات والنتائج التي حققتها النيابة العامة إيجابية، فإننا نطمح ونتطلع دائما إلى ما هو أفضل، وذلك بتكثيف الجهود وبذل كل الطاقات لمواجهة التحديات، والاستمرار في تحقيق الأهداف وتطوير القدرات بنفس الحماس والتضحية ونكران الذات، لتحقيق مصلحة الوطن والمواطن، تنفيذا للتوجيهات الملكية السامية لصاحب الجلالة نصره الله، التي أوردها جلالته في خطابه السامي بمناسبة ترؤسه افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الرابعة من الولاية التشريعية الثامنة بتاريخ 8 أكتوبر 2010 والتي جاء فيها:  “وإننا نتوخى من جعل “القضاء في خدمة المواطن”، قيام عدالة متميزة بقربها من المتقاضين، وببساطة مساطرها وسرعتها، ونزاهة أحكامها، وحداثة هياكلها، وكفاءة وتجرد قضاتها، وتحفيزها للتنمية، والتزامها بسيادة القانون، في إحقاق الحقوق ورفع المظالم”، انتهى النطق الملكي السامي.

وإذ أجدد شكري للسادة قضاة محكمة النقض وكافة الأطر والموظفين على ما بذلوه من مجهودات خلال السنة الماضية، وعلى تفانيهم وإخلاصهم في أداء مهامهم، فإني أدعوهم في نفس الوقت إلى الاستمرار في المضي قدماً في التدبير الأمثل للقضايا المعروضة على محكمة النقض ودعم كل الجهود الرامية إلى خدمة العدالة والرفع من نجاعة الأداء.

السيد الرئيس الأول؛

حضرات السيدات والسادة الأفاضل؛

إن حجم المجهودات التي بذلها قضاة النيابة العامة لدى محكمة النقض والتي انعكست آثارها إيجابا على حصيلة نشاطها القضائي برسم السنة المنصرمة، كانت هي السمة المميزة للمجهودات التي بذلها زملاؤهم بالنيابات العامة لدى باقي محاكم المملكة والتي تبرز على أكثر من مستوى.

فعلى مستوى ترشيد الاعتقال الاحتياطي: تنبغي الإشارة إلى أن أهم ما طبع السنتين الفارطتين بخصوص تقييم تنفيذ السياسة الجنائية في مجال مكافحة الجريمة، هو الارتفاع الملحوظ في معدلات الاعتقال الاحتياطي، الذي بلغت نسبته لغاية النصف الأول من سنة 2021 حوالي 46%، وهو ارتفاع يعزى بالأساس إلى تداعيات جائحة كوفيد 19 ورفض مجموعة من المعتقلين الاحتياطيين لمحاكمتهم عبر تقنية المحاكمة عن بعد، الأمر الذي انعكس سلبا على وتيرة البت في قضاياهم فضلا عن عدم تعميم اعتماد معايير موحدة في إصدار الأوامر بالاعتقال في بعض الجرائم غير الخطيرة،  لذلك عملت رئاسة النيابة العامة على التنسيق مع المسؤولين عن النيابات العامة من أجل مضاعفة جهودهم الرامية إلى ترشيد الاعتقال الاحتياطي، ونظمت لهذه الغاية خمس دورات تكوينية جهوية حول الموضوع استفاد منها حوالي 619 قاضيا ومسؤولاً بالنيابة العامة، بالإضافة إلى مجموعة من قضاة التحقيق، ورؤساء الهيئات القضائية التي تبت في قضايا المعتقلين، فضلا عن مشاركة بعض السادة نقباء هيئات المحامين، وضباط الشرطة القضائية والمفوضين القضائيين وممثلي المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج.

وقد عرفت هذه الدورات تقديم عروض همت أساسا تشخيص وضعية الإعتقال الاحتياطي وأسباب ارتفاعه، والحلول المقترحة لتجاوز ذلك وضبطه في نسب معقولة.

وقد تخللت هذه الدورات عقد اجتماعات مع السادة الوكلاء العامين للملك ووكلاء الملك ونوابهم الأولين، تم من خلالها تحسيسهم بدورهم في مجال الاعتقال الاحتياطي وحثهم على عدم اللجوء إليه إلا في أضيق الحدود، مع ضرورة إلتزامهم بترشيد الطعون ومساعدة قضاء الحكم والتحقيق على تجهيز ملفات المعتقلين، حرصا على البت فيها داخل أجل معقول.

وقد مكنت هذه المجهودات بتظافر جهود جميع المعنيين بذلك من تخفيض نسبة الاعتقال الاحتياطي في نهاية سنة 2021 إلى 42 % من مجموع الساكنة السجنية البالغة 88941 سجيناً، بعد أن كانت قد وصلت إلى حوالي 46%. والأمل معقود على الاستمرار في بذل كل الجهود الممكنة لمواصلة ترشيد الاعتقال الاحتياطي وتصفية قضاياه في توازن تام بين مكافحة الجريمة وضمان حريات الأشخاص المشتبه فيهم تكريسا لقرينة البراءة.

وفي هذا السياق، فإنه رغم استمرار تداعيات تفشي وباء كوفيد خلال سنة 2021، فإن قضاة النيابة العامة واصلوا عملهم بكل جدية ومسؤولية بهدف تحقيق النجاعة القضائية المرجوة على مختلف المستويات بما في ذلك تدبير الدعوى العمومية، وهو ما يستخلص من خلال إبراز بعض الجوانب من النشاط القضائي الذي سجلته النيابات العامة وطنياً.

وفي هذا الإطار سجل بالنيابات العامة لدى محاكم المملكة برسم سنة 2021 ما مجموعه 522.883 شكاية جديدة، سجلت منها النيابات العامة لدى محاكم الاستئناف 23.155 شكاية، فيما سجلت المحاكم الابتدائية 499.728 شكاية، مشكلة بذلك ارتفاعا إجماليا يقدر ب 24%، مقارنة بعدد الشكايات المسجلة خلال سنة 2020، والتي كان عددها 421.048 شكاية. 

وبفضل تظافر جهود قضاة النيابة العامة وأطرها، ومصالح الشرطة القضائية المكلفة بإنجاز الأبحاث، تمت تصفية 517.460 شكاية من مجموع الرائج خلال سنة 2021 والمحدد في 679.080 شكاية، لتتحقق بذلك نسبة إنجاز تقارب 77%، بارتفاع ملحوظ مقارنة مع سنة 2020 التي تم خلالها  تحقيق نسبة 72% من مجموع الرائج، والتي تعتبر نسبة جيدة إذا ما استحضرنا الظروف الاستثنائية التي عاشتها بلادنا ولا تزال، والمرتبطة بتفشي فيروس كورونا المستجد.

وفي نفس المنحى، عرف عدد المحاضر الجديدة المسجلة بالنيابات العامة ارتفاعا ملحوظا خلال سنة 2021، إذ انتقل من 1.838.454 محضرا سجل برسم سنة 2020، إلى 2.534.929 محضرا برسم سنة 2021، أي بارتفاع يقارب نسبة 38%. وقد سجل منها بمحاكم الاستئناف 60.871 محضرا، فيما سجل بالمحاكم الابتدائية 2.474.058 محضرا.

وحرصا على تدبير المحاضر المحالة عليها، بما يضمن تحقيق النجاعة والفعالية، فقد تمت تصفية 2.483.199 محضرا، لتحقق بذلك نسبة إنجاز وصلت إلى 87% من مجموع المحاضر الرائجة، التي بلغ عددها خلال سنة 2021 ما مجموعه 2.838.233 محضرا، وهي نسبة مهمة مقارنة بالارتفاع الذي عرفه عدد  المحاضر المسجلة، كما أن تلك النسبة تتجاوز نسبة الإنجاز المحققة سنة 2020 والتي تم خلالها تحقيق نسبة إنجاز تقدر بـحوالي  85% من مجموع المحاضر الرائجة والبالغ عددها 2.075.233 محضراً.

السيد الرئيس الأول المحترم؛

السيدات والسادة المستشارون الأفاضل؛

يتزامن افتتاح السنة القضائية لهذه السنة مع مرور أزيد من أربع سنوات على استقلال النيابة العامة وهو الحدث الذي يشكل منعطفا تاريخيا في مسار إرساء دعائم السلطة القضائية المستقلة التي يرعاها القاضي الأول رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية جلالة الملك محمد السادس بارك الله في عمره وسدد خطاه.

وتعتبر السنوات الماضية شاهدة على مسار متواصل من العطاء ساهمت فيه سواعد نساء ورجال متشبعون بقيم المواطنة المسؤولة، وهو ما انعكس إيجاباً على مستوى نشاط النيابة العامة على عدة مستويات:

فعلى مستوى تعزيز الولوج للعدالة وتحسين ظروف إستقبال المرتفقين:

ووعياً بأهمية تيسير سبل ولوج المتقاضين للعدالة، فإن النيابات العامة لدى المحاكم تولي عناية خاصة لتحسين ظروف وبنية الاستقبال عبر تفعيل مكاتب الواجهة وتقديم الخدمات داخل آجال معقولة وإشعار الأشخاص بمآل شكاياتهم وتوظيف الوسائل التكنولوجية في تدبير الشكايات من خلال اعتماد الشكايات الإلكترونية بين النيابات العامة للمحاكم ورئاستها والتي بلغ عددها خلال سنة 2021 حوالي 6000 شكاية، كما تم إشعار أصحابها بالإجراء المتخذ بشأنها بواسطة رسائل نصية هاتفية أو عبر البريد الإلكتروني.

ومن أجل تثمين هذه التجربة وتطويرها فقد تم اعتماد التوقيع الإلكتروني لإحالة الشكايات المذكورة بين رئاسة النيابة العامة والنيابات العامة بالمحاكم، وهو ما انعكس إيجاباً على مستوى معالجة شكايات المتقاضين بحيث وفر السرعة في المعالجة والرفع من وتيرة الإنجاز، فضلاً عن إحداث قاعدة بيانات لرصد أهم أسباب تظلمات مرتفقي النيابات العامة.

وفي إطار تعزيز  التواصل المؤسساتي بين النيابات العامة ومكونات الشرطة القضائية عملت رئاسة النيابة العامة على تنظيم لقاء تواصلي بين الوكلاء العامين للملك ومسؤولي الشرطة القضائية التابعين للأمن الوطني والدرك الملكي خلال شهر يونيو 2021 خصص لمعالجة كافة الإكراهات والإشكالات التي تطرح على المستوى العملي، سواء ذات الصلة بالبحث، أو تدبير برقيات البحث أو التفتيش أو الزمن الافتراضي لإنجاز الأبحاث في الشكايات والمحاضر ومراقبة أماكن الحراسة النظرية، والاهتمام ببعض الفئات الهشة وتعزيز الحماية القانونية والقضائية للنساء والأطفال، وحماية الضحايا والشهود واستقبال المرتفقين والتخليق، وغيرها من المواضيع.

وتبعا لمخرجات هذا اللقاء التواصلي تم انتظام لقاءات بين السادة الوكلاء العامين للملك ووكلاء الملك وضباط الشرطة القضائية التابعين لمصالح الأمن الوطني أو الدرك الملكي على المستوى الجهوي من أجل التنزيل الفعلي لمخرجات اللقاءات المركزية وتقييم حصيلة ذلك، حيث مكنت هذه المبادرة من تجاوز عدة اكراهات كانت مثارة على مستوى الواقع العملي. ونحن حريصون بتنسيق متكامل مع السادة المسؤولين عن النيابات العامة على بذل المزيد من الجهد في هذا الإطار لبلوغ الهدف المتوخى من ذلك. ولهذه الغاية، تم إحداث لجن مركزية لتتبع تنفيذ مخرجات الاجتماعات الجهوية مكونة من رئاسة النيابة العامة والإدارة العامة للأمن الوطني وقيادة الدرك الملكي.

وعلى مستوى حماية الحقوق والحريات: عملت النيابات العامة على القيام بزيارات تفقدية للأشخاص المودعين بالأماكن المخصصة للحراسة النظرية وفقا للمقتضيات القانونية في هذا الصدد، حيث عرفت عدد هذه الزيارات خلال سنة 2021 ارتفاعا ملحوظا بلغ 23878  زيارة مقارنة مع السنة الماضية التي بفعل  ظروف جائحة كوفيد 19 لم تتجاوز 18961 زيارة.

وعلى مستوى زيارات المؤسسات السجنية أنجزت النيابات العامة ما مجموعه 755 زيارة خلال سنة 2021، فيما لم تتجاوز خلال سنة 2020  519 زيارة.

كما عملت النيابات العامة أيضاً على تفعيل دورها في تفقد المودعين بمقتضى أوامر قضائية بمستشفيات الأمراض العقلية والنفسية خلال سنة 2021 والتي بلغت 144 زيارة، بعدما كان العدد خلال سنة  2020 : 104 زيارة.

وعلى مستوى تعزيز الحماية لبعض الفئات الهشة:

فقد حرصت النيابات العامة على تنفيذ الاستراتيجية المعتمدة في الشق المتصل بتعزيز الحماية القضائية للفئات الهشة وفي هذا الإطار تم تسجيل 64251 شكاية تتعلق بالعنف ضد النساء خلال سنة 2021، و 64 قضية تتعلق بالإتجار بالبشر، اتخذت بشأنها الإجراءات اللازمة في حينها. وفق منظور مشترك مبني على توحيد الرؤى والاجتهاد في معالجتها، سواء من حيث مواكبة الأبحاث التي تجريها الضابطة القضائية او اتخاذ الإجراءات الحمائية أو تتبع إجراءات المحاكمة.

وعلى مستوى محاربة كافة أوجه العنف ضد النساء والفتيات انخرطت النيابات العامة في تنفيذ جملة من التدابير والإجراءات الرامية إلى إنجاح الاستراتيجيات والإلتزامات الوطنية لحمايتهم، سيما تلك المضمنة بإعلان مراكش الذي تم إطلاقه تحت الرئاسة الفعلية لصاحبة السمو الملكي  الأميرة الجليلة لالة مريم يوم 8 مارس 2020 وترتب عنه  إبرام شراكة خاصة مع وزارة التربية الوطنية، حول مناهضة زواج القاصر عبر الحد من الهدر المدرسي، وفي هذا السياق وجهت رئاسة النيابة العامة عدة دوريات للنيابات العامة، كما نظمت  لقاءات تحسيسية وطنية وجهوية جمعت قضاة النيابات العامة والقضاة المكلفين بالزواج حول الموضوع، مما ساهم في تقليص  عدد الأذونات بزواج القاصرات، ومكن من إعادة عدد كبير من الفتيات المنقطعات عن الدراسة بدافع الزواج تجاوزت حتى الآن 2000 فتاة بجهة مراكش آسفي لوحدها. وهو ما يندرج ضمن التوجيهات المولوية السامية لصاحب الجلالة بشأن حماية النساء والطفولة من مختلف أشكال الاستغلال والانحراف.

ولقد عرفت سنة 2021 تسجيل حوالي 28714 طلباً للحصول على الإذن بزواج القاصر، تم رفض 8480 طلب منها، والاستجابة لما مجموعه 18399 اذن بزواج القاصر.

وإذا كان النص القانوني يعطي للقاضي مكانة البت في الطلب المتعلق بالإذن الخاص بزواج القاصر  إما بناء على خبرة طبية أو بحث اجتماعي، فإن النيابات العامة دأبت على تقديم ملتمسات تروم المطالبة بتفعيل الإجراءين المذكورين معاً  في 11131 ملفا. بالإضافة إلى ملتمساتها الرامية إلى رفض طلبات الإذن بزواج القاصر كلما اقتضت المصلحة الفضلى للطفل ذلك، والتي بلغت ما مجموعه  17458 ملتمس برفض الإذن بزواج القاصر.

على مستوى حماية النظام العام الاقتصادي:

ففي إطار تفعيل دورها في المجال الاقتصادي عملت النيابات العامة لدى المحاكم التجارية خلال سنة 2021 على الانخراط في اتخاذ مجموعة من المبادرات لحماية النظام العام الاقتصادي ومساعدة المقاولات المتعثرة، إذ تقدمت بما مجموعه  201 طلبا تتعلق كلها بمساطر صعوبات المقاولة، منها 19 طلبا يتعلق بفتح مسطرة التسوية أو التصفية القضائية في حق الشركات التي تعاني من صعوبات مالية أو اقتصادية، و17 طلبا يرمي إلى تمديد المساطر المفتوحة إلى مقاولات أخرى لتداخل الذمم المالية.

كما تقدمت بما مجموعه 24 طلبا يتعلق بتطبيق العقوبات المدنية كتحميل الخصوم أو سقوط الأهلية التجارية في حق المسيرين الذين ارتكبوا أخطاء في التسيير أثرت بشكل سلبي على وضعية المقاولة.

بالإضافة إلى تقديمها لما يقارب 1411 ملتمسا كتابيا يتعلق بمختلف مراحل مسطرة صعوبات المقاولة، وإحالة سبع تقارير تتعلق بارتكاب المسيرين لجرائم التفالس أو إحدى الجرائم الأخرى المعاقب عليها بموجب مدونة التجارة على النيابات العامة لدى المحاكم الابتدائية المختصة لتحريك المتابعات القضائية بشأنها.

وعلى مستوى تعزيز التكوين المستمر وتطوير القدرات:  فإنه وسعياً للرفع من مستوى أداء قضاة النيابة العامة وتجويد آليات عملهم، تم اعتماد برنامج مكثف لتأهيلهم من قبل رئاسة النيابة العامة خلال سنة 2021 استفاد منه 769  قاض وقاضية.

كما عملت رئاسة النيابة العامة أيضا في إطار دورها في تأطير وتكوين قضاتها والرفع من قدراتهم المعرفية في مجال حقوق الإنسان على تنظيم دورات تكوينية بتنسيق مع المجلس الأعلى للسلطة القضائية وتعاون مع مجلس أوروبا استهدف تعزيز قدراتهم للإلمام بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان المنبثقة عن الاتفاقيات الأساسية التي صادقت عليها المملكة المغربية.

وقد استفاد من هذا البرنامج 776 قاض وقاضية نيابة عامة ورئاسة بالإضافة إلى 123 من أطر ومسؤولي رئاسة النيابة العامة والمجلس الأعلى للسلطة القضائية، فضلا عن 108 من المستفيدين المنتمين لمؤسسات وطنية أخرى.

وعلى مستوى تخليق الحياة العامة وحماية المال العام: واصلت النيابات العامة بمواكبة من رئاستها الإنخراط في الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد وتخليق الحياة العامة من خلال التشجيع على الإبلاغ عن جرائم الفساد والتعاون والتنسيق مع الهيآت والمؤسسات المعنية بمكافحة هذا النوع من الجرائم، فضلا عن الحرص على تحقيق النجاعة المطلوبة في إدارة الأبحاث والمساهمة في تجهيز الملفات ذات الصلة بهذا النوع من القضايا.

وفي هذا السياق حقق الخط المباشر للتبليغ عن الفساد والرشوة برئاسة النيابة العامة نتائج مهمة، إذ مكن بتنسيق مع النيابات العامة المختصة من  ضبط 206 مشتبه فيهم في حالة تلبس بالرشوة.

ومن أجل تطوير أداء هذه الآلية تم تثبيت برنامج لإدارة المكالمات، وذلك حتى يتسنى تلقي التبليغ عن جرائم الفساد خارج أوقات العمل الرسمية ومعالجتها آليا، فضلا عن التواصل مع المبلغين بثلاث لغات هي العربية والأمازيغية والفرنسية.

وفي إطار التفاعل مع تقارير هيئات الرقابة والحكامة خاصة في ما يتعلق بتقارير المجلس الأعلى للحسابات، وحرصا على تنزيل أحكام الدستور لاسيما ما يخص ربط ممارسة المسؤوليات والوظائف العمومية بالمحاسبة، فإن رئاسة النيابة العامة عملت على إحالة تقارير المجلس الأعلى والمجالس الجهوية للحسابات على النيابات العامة المختصة، بعد دراستها، قصد إجراء الأبحاث اللازمة وترتيب ما يجب قانونا بشأنها، وقد بلغ مجموع هذه التقارير المحالة على النيابات العامة المختصة 152 تقريرا منها 33 لا زال في طور البحث و20 في طور التحقيق و22 قيد المحاكمة و57 صدر بشانها قرارات نهائية فيما تم حفظ 22 تقريراً لعدم توفر العناصر اللازمة لتحريك الدعوى العمومية بشأنها.

وتكريسا لما سلف تم إحداث إطار مؤسساتي للتعاون والتنسيق بين رئاسة النيابة العامة والمجلس الأعلى للسلطة القضائية والمجلس الأعلى للحسابات من خلال إبرام إتفاقية تعاون وشراكة غايتها الأساسية تكثيف الجهود لمواجهة مختلف مظاهر الفساد وحماية المال العام وتوحيد الاجتهاد في كل ما يمكن أن يعزز الحكامة في ذلك.

وعلى مستوى مكافحة غسل الأموال فقد عرف هذا النوع من القضايا ارتفاعا ملحوظاً  خلال سنة 2021 إذ بعد أن كان المعدل السنوي المتعلق  بالإحالات الصادرة عن النيابة العامة بشأن شبهة غسل الأموال خلال السنوات الماضية، يتراوح بين (08) إحالات و(30) إحالة، وبعد أن تم تسجيل (221)  إحالة سنة 2020، فقد ارتفع العدد سنة  2021 إلى (360) إحالة أي بنسبة ارتفاع ناهز حوالي 60 %.

وبعد صدور القانون رقم 12.18 المعدل للقانون رقم 43.05 المتعلق بمكافحة غسل الأموال، حرصت رئاسة النيابة العامة بتنسيق مع المجلس الأعلى للسلطة القضائية على تنظيم دورة تكوينية لفائدة قضاة المحاكم التي أسند إليها الإختصاص في قضايا غسل الأموال بموجب القانون السالف الذكر.

السيد الرئيس الأول؛

حضرات السيدات والسادة الأفاضل؛

كانت هذه أهم ملامح النشاط القضائي لدى محكمة النقض خلال السنة المنصرمة، وكذا بعض الإشارات لنشاط النيابات العامة لدى مختلف محاكم المملكة والتي لا يتسع الوقت لإستعراضها جميعها.

وفي هذا الإطار ستواصل رئاسة النيابة العامة بتنسيق مع السادة المسؤولين القضائيين بالنيابات العامة وبتعاون وتكامل مع الرئاسة المنتدبة للمجلس الأعلى للسلطة القضائية عملها الرامي إلى تكريس استقلال السلطة القضائية وتعزيز الولوج إلى العدالة وتحقيق النجاعة القضائية عبر احترام الآجال المفترضة للبت في الشكايات والمحاضر، بالإضافة إلى مواصلة عملها في ما يخص تخليق الحياة العامة وتعزيز الحماية القضائية للفئات الهشة والانفتاح على المحيط الخارجي من خلال تعزيز آليات تواصل النيابات العامة مع الرأي العام،  وسنواكب مع المسؤولين القضائيين بالنيابات العامة تنزيل برامج عملهم السنوية التي سيعلنون عنها وفق مقاربة قائمة على اعتماد مؤشرات قابلة للقياس وتحقيق نجاعة الأداء، ستكون محل تقييم وتتبع ومواكبة من طرف رئاسة النيابة العامة.   

كما ستواصل رئاسة النيابة العامة دراسة مختلف السبل الكفيلة بتمكين قضاة النيابة العامة من القيام بأدوارهم الأساسية في ما يتصل بتسريع وثيرة الأبحاث القضائية وتعزيز ضمانات المحاكمة العادلة وتجويد أدائهم في إطار الاختصاصات الموكولة لهم بمقتضى القانون، مع حثهم  على التنسيق مع السادة رؤساء المحاكم والسادة النقباء والمهن القانونية، وأيضاً مواكبة عمل الشرطة القضائية وإيجاد الحلول المناسبة لكل ما يعترضها من صعوبات في أداء مهامها بشأن ما يخدم العدالة ببلادنا. كما نتطلع خلال هذه السنة القضائية إلى مضاعفة الجهود ورفع التحديات المطروحة على مختلف المستويات لبلوغ الأهداف المرجوة.

وانخراطا في الجهود التي تبذلها بلادنا لتكون في مستوى الرهانات والتحديات الكبرى التي تنتظرنا جميعا على مختلف الأصعدة، فإننا سنحرص على أن تكون النيابات العامة دعامة أساسية لحفظ النظام العام الاقتصادي وتشجيع الإستثمار، وضمان الأمن القانوني والقضائي في هذا المجال للمساهمة في تحقيق التنمية الشاملة باعتباره أحد المداخل الأساسية لتنزيل مضامين النموذج التنموي الجديد الذي يعتبر القضاء فاعلاً أساسياً في هذه العملية من خلال الأدوار التي يمكن أن يقوم بها من أجل خلق مناخ سليم تسوده الثقة والاستقرار وضمان أمن المستثمرفي ظل سيادة القانون واستقلال القضاء.

ووعيا منا بأهمية تأهيل الموارد البشرية كمدخل أساسي للرفع من فعالية العمل القضائي لقضاة النيابة العامة في مختلف مجالات اختصاصهم، فإن العزم معقود على مواصلة التكوين المستمر والتكوين التخصصي حتى يواكبوا التحديات التي يفرزها تطور الجريمة.

السيد الرئيس  الأول ؛

حضرات السيدات والسادة المستشارين  الموقرين؛

حضرات السيدات والسادة الأفاضل؛

في ختام كلمتي هاته أود أن أتوجه إليكم السيد الرئيس الأول لمحكمة النقض، الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية  بالشكر الجزيل والعرفان والامتنان تنويهاً بحسن إدارتكم لمحكمة النقض فضلا عن إدارة المجلس الأعلى للسلطة القضائية وتقديرا لعطائكم الدائم والمستمر في سبيل رِفْعة هذا الصرح القضائي الشامخ، والسير به بنجاح نحو الأفضل تفعيلاً للتوجيهات الملكية السامية، فأرجو من الله تعالى أن يمتعكم بدوام الصحة والعافية وأن يوفقكم في الاستمرار في تحقيق جميع الأهداف التي تيسر تطوير وتجويد العدالة ببلادنا خدمة للصالح العام. وانتم بذلك أهل لكل الثناء والتقدير وتأكدوا السيد الرئيس أن بصماتكم ستبقى محفورة في الذاكرة القضائية لهذه المحكمة.

كما أود بهذه المناسبة أن أتوجه بالشكر الجزيل للسيد وزير العدل المحترم الأستاذ عبد اللطيف وهبي الذي ما فتئ منذ توليه مقاليد وزارة العدل على تقديم الدعم وتوفير الآليات والإمكانيات اللازمة لفائدة العدالة، وابتكار حلول خلاقة لمجموعة من المشاكل ظلت من الشوائب التي أثرت على تطويرها لفترة من الزمن والتي كان له الفضل في حلها وتجاوزها خلال هذه الفترة من مباشرته لمهامه فضلا عن اعتماده المقاربة التشاركية في ما يتعلق بتجويد مجموعة من النصوص القانونية المؤطرة لعمل العدالة لاسيما ما يخص الرقمنة، والأرشيف، والمساطر الإجرائية. لذلك فهو أهل للشكر والثناء والتقدير.

ولا تفوتني الفرصة دون أن أجدد شكري لكل السادة رؤساء الغرف ورؤساء الأقسام والمستشارين والمحامين العامين وأطر وموظفي محكمة النقض رئاسة ونيابة عامة على ما يقومون به من جهد متميز وعمل دؤوب وإخلاص وتفان  في العمل ونكران للذات تحقيقا لمصلحة الوطن وخدمة للعدالة. والشكر موصول أيضا لكافة السادة المسؤولين القضائيين وقضاة المملكة رئاسة ونيابة عامة ورؤساء كتابة الضبط والنيابات العامة وكافة القضاة والأطر العاملة برئاسة النيابة العامة، والشكر موصول أيضا للسيد رئيس جمعية هيئات المحامين والسادة النقباء وأعضاء هيئة الدفاع والسادة رؤساء مجالس المهن القانونية وكافة  مساعدي القضاء، والشكر واجب للسيد المندوب العام لإدارة السجون وإعادة الإدماج ومن خلاله لكافة أطر المندوبية على ما تم بذله من مجهودات جبارة لا سيما في ظروف الجائحة،  كما لا يفوتني أن أعبر عن خالص الشكر والامتنان للدعم والمساعدة التي ما فتئ السيد المدير العام للأمن الوطني وإدارة مراقبة التراب الوطني والسيد قائد الدرك الملكي وكافة مكونات الشرطة القضائية التي يرأسونها على ما يقدمونه للعدالة عامة وللنيابة العامة خاصة لتيسير قيامهما بمهامهما على الوجه المطلوب فجزاهم الله خير الجزاء.

سائلين الله جل وعلا أن يحفظ بلدنا وأن يرفع عنا هذا الوباء، والذي بسببه غادرنا إلى دار البقاء قضاة وأطر ومهنيون إلى جانب آخرين انقضى أجلهم  المحتوم خلال السنة الماضية نرفع بخشوع أكف الضراعة إلى الله عز وجل أن يتغمدهم برحمته الواسعة ويسكنهم جنانه، وأن  يرفع درجاتهم ويحتسبهم عنده مع الصالحين والشهداء والصادقين وحسن أولئك رفيقا.

كما نسأل الله تعالى أن يلهمنا جميعا السداد والتوفيق، وأن يقوي عزائمنا ويعيننا على سلوك الطريق القويم وأن يلهمنا القرار الصائب لنكون في مستوى تحمل المسؤولية الملقاة على عاتقنا جميعا ونكون عند حسن ظن صاحب الجلالة، الملك محمد السادس رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية، أدام الله تعالى نصره وعزه وحفظه بما حفظ به الذكر الحكيم، وأقر عينه بولي عهده الأمير الجليل مولاي الحسن وشد أزره بصنوه الرشيد الأمير مولاي رشيد، وكافة أسرته الشريفة إنه سميع مجيب.

قال الله تعالى في سورة التوبة الآية 105﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾. صدق الله العظيم.

وفي الختام، ألتمس منكم السيد الرئيس الأول الإعلان عن افتتاح السنة القضائية 2022 بهذه المحكمة والإذن للسادة المسؤولين القضائيين بمحاكم الاستئناف بافتتاح السنة القضائية أيضا بمحاكمهم، وأمر السيد رئيس كتابة الضبط بتحرير محضر بوقائع هذه الجلسة الرسمية، قبل الإعلان عن اختتامها.

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *