هل خبأت الصين معلومات كانت كفيلة بإنقاذ البشرية من مأساة وباء كورونا؟
ماذا لو أعلنت الصين منذ البداية عن ظهور وباء “مجهول” يشبه فيروس سارس الذي سبق وأن قتل المئات؟ تساؤل مشروع يطرحه اليوم الكثير من ضحايا فيروس كورونا وأقرباؤهم، وكل الضحايا المفترضين لهذا المرض الذي حصد لحد اليوم الثلاثاء أرواح 75 ألف شخص و945 عبر العالم، وطال 289 ألف و109 آخرين، حسب أرقام موقع ” Pew Research Fact Tank”.
ففي دراسة نشرها موقع medRexiv في 13 مارس/آذار 2020، أكد اثنا عشر عالما من جامعات بريطانية وصينية وأمريكية، بأن الصين لو لم تتأخر في إقرار الإجراءات الكفيلة بمنع تفشي العدوى ومن ذلك التباعد الاجتماعي، لأسبوع أو أسبوعين أو ثلاثة، لكان بالإمكان خفض عدد الإصابات في البلاد بنسبة قد تصل على التوالي إلى 66 بالمئة، 86 بالمئة، أو 95 بالمئة”.
كما أن المعلومات الجديدة التي نشرتها يومية “لوموند” الفرنسية الإثنين، وتفيد بوجود تحذير مبكر لطبيب صيني يدعى غاو فو يعود إلى تاريخ 4 مارس/آذار 2019، وجاء فيه أن هناك “فيروسات جديدة مماثلة لفيروس سارس [متلازمة الالتهاب التنفسي الحاد] ستظهر في المستقبل” دون تحديد الموعد المرتقب لظهور هذا المرض “المجهول” أو تداعياته المحتملة.
واكتفى فو، وهو المدير العام للمركز الصيني للمراقبة والوقاية من الأمراض، بالطمأنة من أن هذا المرض “لن يتسبب في حدوث وباء مماثل (لفيروس سارس)”.
لكن، وبعد أشهر، وتحديدا في 30 ديسمبر/كانون الأول 2019، وبينما كان فو نفسه يتصفح بعض المنتديات الإلكترونية المتخصصة، للتأكد من أن الوضع تحت السيطرة، أصيب هذا الطبيب بالصدمة، حيث بدأ الأطباء في مدينة ووهان عاصمة مقاطعة هوبي (وسط) والتي تحصي 11 مليون نسمة، بالتحدث عن وجود التهاب رئوي “مجهول”.
وحسب ما أوردته يومية “لوموند” الفرنسية في مقالها، فقد تواصل غاو فو حينها مع اللجنة الصحية في ووهان، التي أكدت له ما يتم تداوله في الأوساط الطبية، لكنه عجز عن إخطار السلطات في بكين بشكل فوري، بسبب خلل في النظام الحاسوبي الوطني للإبلاغ عن الأمراض المعدية، ما مهد الطريق أمام انتشار واحدة من أخطر الأوبئة التي شهدتها الإنسانية في التاريخ المعاصر.
وفي نفس الفترة، تداولت الأوساط الطبية وأيضا مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي في ووهان، أنباء عن تفشي حالات من الحمى في سوق هوانان للحيوانات. وسرعان ما سجلت مصلحة الأمراض التنفسية في المدينة التي تعتبر الأكثر اكتظاظا في البلاد، إقبالا محسوسا لمرضى يعانون من الحمى والسعال، فيما لم تعط الأدوية المستعملة عادة لعلاج مثل هذه الحالات، أية نتيجة تذكر.
وفي السياق، أشارت الطبيبة آي فان مديرة قسم الإسعاف والطوارئ في المستشفى المركزي لووهان، إلى استقبال مريض في قسم الأمراض التنفسية بتاريخ 28 سبتمبر/أيلول 2019، ومريضين آخرين في 16 و27 ديسمبر/كانون الأول. وأظهرت التحاليل لاحقا، أن المرضى مصابون بما اصطلحت عليه فان “كورونا – سارس” وأن العدوى تنتقل عبر اللمس أو التواجد على مسافة قريبة من المصابين.
وبعد التحدث مع زملائها في القسم، أرسلت آي فان، فيديو وصورة لتقرير حول المرض، إلى عدد من الأطباء في المدينة، وأحاطت عبارة “فيروس كورونا – سارس” باللون الأحمر. وشرع الوسط الصحي في تداول “الأنباء المرعبة”، وقال طبيب العيون في نفس المستشفى الدكتور لي وينليانغ لمئات الأطباء إنه قد “تأكدت سبع حالات إصابة بالسارس فى سوق هوانان”.
ورغم أنها باتت رسميا على علم بظهور الفيروس، قررت اللجنة الصحية لمدينة ووهان التحفظ على هذه المعلومات الهامة لا بل الخطيرة، حيث أخطرت الدكتورة آي فان في رسالة بأنه “لا ينبغي نشر هذه المعلومة للجمهور. وفي حال وقوع أي ذعر، سيتعين عليك العثور على الشخص المسؤول”، تضيف يومية “لوموند”.
وفي 31 ديسمبر/كانون الأول، أبلغت الصين منظمة الصحة العالمية، عن نوع جديد من فيروس كورونا nCOV، وأنه قد تم عزل المرضى، وأنه لا دليل على تفشي العدوى بين البشر، حسبما قالت المنظمة في بيان نشرته على موقعها الإلكتروني.
ونشرت سلطات ووهان بناء على أمر من بكين، بيانا مطمئنا، يشير إلى اكتشاف 27 إصابة محتملة بالالتهاب الرئوي الفيروسي في سوق (هوانان)، لكن “لحد الساعة، لم تسمح التحقيقات من إثبات انتقال (العدوى) بين البشر، أو وجود عدوى في الوسط الطبي”.
في المقابل، أكدت الطبيبة آي فان، أن قسم الطوارئ في مستشفى ووهان، استقبل في 1 يناير/كانون الثاني 2020، صاحب إحدى العيادات الخاصة القريبة من سوق الحيوانات، والذي عانى من الحمى، ما اعتبرته دليلا دامغا على أن العدوى بين البشر ممكنة. وبناء عليه، أمرت فان فريقها الطبي باستخدام الكمامات الواقية، وقبعات طبية، وبغسل اليدين بشكل مستمر.
وفي الثاني من يناير/كانون الأول، أبلغ مدير مكتب “فحص الانضباط” في المستشفى المركزي لمدينة ووهان، الطبيبة آي فان، بأن عليها التحفظ على كافة المعلومات الخاصة بالإصابات الأخيرة بالالتهاب الرئوي الفيروسي. وقال في هذا الصدد “بصفتك مديرة، كيف أمكنك نشر إشاعات خاطئة؟ عودي إلى قسمك وأخبري الجميع، بشكل فردي، بالتوقف عن الحديث عن هذا الالتهاب الرئوي. لا تخبري أحدا، بمن فيهم زوجك”.
وشعرت الطبيبة الصينية حينها، بأنها مهددة إما بالإقالة أو حتى بالزج بها في السجن. وبرغم المخاوف، أخبرت آي فان زوجها تشونغ نانشان في 20 يناير/كانون الثاني بالحقيقة الكاملة، والذي ساهم في نشر خبر انتقال عدوى فيروس كورونا بين البشر في ربوع الصين، حسب نفس المصدر.
على الرغم من أن أول تحذير فعلي حول انتشار فيروس كورونا يرجع إلى نهاية 2019، لكن لا أحد على يقين حول التاريخ الفعلي لظهور الوباء، فيما أشارت المعلومات الرسمية في الصين، إلى أن المصاب رقم صفر بفيروس كورونا هو إم شين M.Chen والذي أصيب في 8 ديسمبر/كانون الأول وتماثل للشفاء، لكن هذه الحالة لا علاقة لها بتفشي العدوى في سوق هوانان للحيوانات وفق ما أفادت به جريدة لوموند.
من جهتها، قالت يومية “سواث تشينا مورنينغ بوست” الصينية الناطقة بالإنكليزية، إن المصاب رقم صفر شخص عمره 55 سنة والحالة ترجع إلى تاريخ 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، مشيرة إلى أن العدوى بدأت في الانتشار بنسبة 1 إلى 5 إصابات يوميا، وذلك وفق بيانات رسمية.
وسرعان ما بدأ الفيروس في التفشي بوتيرة أكبر، ففي 31 ديسمبر/كانون الأول بلغ عدد الإصابات 266، ثم 381 في اليوم التالي، بحسب أرقام نشرها أطباء صينيون.
في المقابل، لم تعلن السلطات الصينية في 11 يناير/كانون الثاني سوى عن إصابة 41 شخصا وعن حالة وفاة واحدة فقط، كما تحفظت بكين على نتائج كافة التحاليل التي أجرتها مختبراتها على الأقل في تلك الفترة، حيث إنها أبدت تعاونا دوليا كبيرا لاحقا، لم يجعلها في منأى من الانتقادات.
أعلنت تايلاند في 13 يناير/كانون الثاني عن تسجيل أول إصابة بفيروس كورونا المستجد، أي أول حالة سجلت في الخارج. وبرغم كافة تلك المعطيات المقلقة، اكتفى مسؤول الطوارئ في اللجنة الوطنية للصحة في الصين لي كون، بالقول في كلمة متلفزة، إن “الخلاصة أن خطر انتقال العدوى بين البشر ضعيف”.
وبرغم تبلور موقف معين حول كورونا في الصين، لم يتم حظر الفعاليات الثقافية التقليدية بمناسبة حلول العام القمري الجديد، وشارك 40 ألف شخص في احتفالية أقيمت في ووهان بتاريخ 18 يناير/كانون الثاني 2020.
وفي نفس اليوم، حذرت لجنة طبية أرسلتها بكين إلى المدينة، من احتمال وقوع “مأساة”، وأوصت بإقرار الحجر الصحي في ووهان، والذي أقر في 22 يناير/كانون الثاني، لكن، بعد أن غادرها خمسة ملايين شخص، من المرجح أنهم ساهموا في تفشي فيروس كورونا في ربوع الصين ثم حول العالم.
وكالات