نقابات القرن الواحد والعشرين
يونس مجاهد
من الواضح أن هناك أزمة حقيقية، في علاقات الحكومتين، السابقة والحالية، مع المركزيات النقابية، وتجاه العمل النقابي، بصفة عامة، حيث تأكد أن هناك تجاهلاً تاماً للمطالب الإجتماعية، من خلال الإجهاز المنهجي على الحوار مع النقابات، في الوقت الذي كان هذا الحوار يتخذ، سابقاً، طابعاً دائماً ومستمراً، منذ بداية تسعينيات القرن الماضي، وحصلت بذلك الفئاعت الشعبية، خصوصا، على مكاسب مهمة.
غير أَن الحكومة السابقة، جاءت بفكرة واضحة منذ البداية، وهي الإستهانة التامة بهذا الحوار، بل أكثر من ذلك، فقد صَرّفت خطاباً يمينيا تجاه الحركة النقابية، وعملت على تبخيسها والإنتقاص من شأنها، واتخذت إجراءات للحد من نفوذها، وهو نهج ليبرالي متطرف، معروف، سبق أن استعمل في عدد من البلدان، من طرف حكومات يمينية، جسدته على الخصوص تجربة الوزيرة الأولى، مارغريت تاتشر، في بريطانيا، في بداية ثمانينيات القرن الماضي.
غير أَن الفرق بين وضعية بريطانيا، آنذاك، والوضع في المغرب، مختلف جذرياً، حيث أن المواجهة التي حصلت بين النقابات والحكومة، جاءت نتيجة الأشكال القوية والعنيفة، والإضرابات الطويلة الأمد، التي لجأت إليها الحركة النقابية، والتي شلت كثيرا من المؤسسات الإقتصادية، بالإضافة إلى أنها كانت تتم في قطاعات أخذت تتقادم من حيث مردوديتها الإقتصادية، خاصة في مناجم الفحم.
لذلك سَنّتِ الحكومة البريطانية قانونا جديدا للإضراب والنقابات، وعملت على تكسير الحركة النقابية، ولم تكن وحدها في ذلك، بل نفس الأمر قام به رونالد ريغان، في نفس الفترة في أمريكا، بأشكال أخرى، وقد تبعتهما في هذه التجارب، بلدان رأسمالية، بتفاوت.
غير أن نجاح هذه المواجهة مع النقابات، كانت مؤقتة وجزئية، حيث عملت الحركة النقابية في العديد من البلدان على إعادة هيكلة نفسها ومراجعة أخطائها، والتلاؤم مع التحولات الجديدة التي طرأت في الإقتصاد والسياسة والفكر والبنية الإجتماعية. لذلك تمكنت في الكثير من الحالات من إستعادة عافيتها وعنفوانها، بأشكال متجددة وبأجيال جديدة.
من المؤكد أن الحكومة السابقة، استغلت أوضاع الفقر والتهميش لتصريف خطاب المساعدة الإجتماعية، مقابل الحقوق الإجتماعية، كما أنها عملت من خلال سياسة الإقتطاع من أجور المضربين، على الحد من نفوذ النقابات ومحاولة تكسير قدراتها النضالية، وهو ما تواصله الحكومة الحالية، غير أن كل هذا ليس جديدا على الحركة النقابية العالمية. لكن استعادة قوة النقابات المغربية، تتطلب إعادة الهيكلة والبناء، للتجاوب مع التحولات الكبرى التي يشهدها المغرب والعالم، في القرن الواحد والعشرين.