2 نونبر 2024

من أجل مصالحها.. فرنسا “تذبح” الديمقراطية في تشاد

من أجل مصالحها.. فرنسا “تذبح” الديمقراطية في تشاد

حسمت فرنسا موقفها لصالح الانحياز إلى المجلس العسكري الانتقالي في تشاد، الذي تسلم السلطة بعد مقتل رئيس البلاد إدريس ديبي، رغم تنديد المعارضة بما وصفته بـ”الانقلاب” على الدستور.

فالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، قال في خطاب تأبين جثمان ديبي، بالعاصمة التشادية نجامينا، إن بلاده “لن تسمح لأحد، اليوم أو غدا، بالتشكيك في استقرار تشاد ونزاهتها”.

وهذه الرسالة كانت موجهة إلى عدة أطراف، على رأسها متمردو “جبهة التناوب والوفاق”، المتهمة بقتل ديبي، بعد أن زحفت من قواعدها الخلفية في ليبيا، واستولت على محافظة تيبستي، وتقدمت نحو نجامينا إلى أن تم وقف زحفها على بعد 300 كلم شمال العاصمة.

ويشكل إعلان ماكرون وقادة دول الساحل، الذين حضروا جنازة ديبي، التزامهم باستقرار تشاد، اعترافا بالمجلس العسكري الانتقالي، رغم رفض المعارضة السياسية والمسلحة له، ودعوتها باريس إلى الحياد.

فمتمردو “جبهة التناوب والوفاق” اتهموا فرنسا بمساعدة الجيش التشادي عبر طائرات الاستطلاع في توجيه غارات جوية على مركز قيادتهم شمالي كانم، ليلة 21 و22 أبريل، بهدف اغتيال زعيمهم محمد مهدي علي.

وقد تكون هذه الغارة الجوية على محمد مهدي، ردا على مقتل ديبي الأب، ولعرقلة زحف تقدم المتمردين نحو نجامينا، قبيل يومين من جنازة الرئيس التشادي الراحل، التي حضرها 5 زعماء، بينهم ماكرون.

– “الانتقال المدني العسكري”

حتى لا تتهم مجددا بدعم الدكتاتوريات في إفريقيا، أوجدت فرنسا مصطلح “الانتقال المدني العسكري”، لتبرير دعمها للمجلس العسكري الانتقالي، بقيادة الجنرال محمد ديبي (37 عاما)، الذي حل البرلمان والحكومة وعلّق العمل بالدستور، واستحوذ على جميع السلطات التنفيذية والتشريعية، بما فيها تعيين أعضاء البرلمان المؤقت.

وتشدد المعارضة التشادية على أن الدستور ينص على تولي رئيس البرلمان قيادة المرحلة الانتقالية 90 يوما قبل إجراء الانتخابات، وترفض تولي العسكريين قيادة البلاد.

بينما تبرر فرنسا دعمها المجلس العسكري التشادي، رغم تعارض ذلك مع قيمها الديمقراطية، بالزعم أن رئيس البرلمان رفض تسلم منصب رئيس الدولة.

كما أصر ماكرون وزعماء منطقة الساحل على أن المرحلة الانتقالية يجب أن تعتمد على هيئات أخرى مدنية، غير المجلس العسكري وحده.

وبينما يمنح الميثاق الذي نشر في 21 أبريل، ديبي الابن، سلطات واسعة، تسعى باريس ودول الساحل أن يحصل المدنيون على صلاحيات توازي سلطات المجلس العسكري الانتقالي.

وشددوا على ألا تتجاوز مدة المرحلة الانتقالية 18 شهرا، فيما تحدث إعلان المجلس العسكري عن 18 شهرا قابلة للتمديد مرة واحد.

وبهذه الحجج حاولت باريس التملص من تهمة دعم الدكتاتوريين والانقلابيين، لكنها في الوقت نفسه تواصل تثبيت نظام ديبي، حتى بعد رحيله، كما فعلت ذلك لسنوات طويلة.

– أوصلته إلى السلطة ودافعت عن بقائه فيها

من المتوقع أن يحرص الجيش الفرنسي على عدم سقوط نجامينا في يد المتمردين، الذين اتهموا باريس بعرقلة تقدمهم عبر الدعم اللوجيستي الذي تقدمه للجيش التشادي من خلال طائرات الاستطلاع التي تحدد مواقعهم وأعدادهم وتحركاتهم.

إذ تنشر فرنسا 5 آلاف و100 عنصر من قوات عمليات “برخان” في منطقة الساحل، وتتخذ من نجامينا مركز قيادة لها في المنطقة، ما يتيح لها التدخل عسكريا وبشكل مباشر إذا فقد الجيش التشادي القدرة على وقف زحف المتمردين.

ففرنسا المستعمر التاريخي لتشاد، لها تاريخ طويل من التدخل العسكري في البلاد، إذ دعمت تمرد إدريس ديبي الذي أطاح بنظام حسين حبري في 1990.

وتَواصل هذا الدعم عندما هاجم منشقون عن نظام ديبي نجامينا في 2006، كما وقفت باريس عسكريا إلى جانبه عندما حاصر المتمردون القصر الرئاسي بالعاصمة في 2008، قادمين من الغرب.

وقصف الطيران الفرنسي في 2019، رتلا من المتمردين زحف من ليبيا نحو شمالي تشاد، بحسب وسائل إعلام محلية.

– “دركي فرنسا”

لذلك ليست فرنسا على استعداد للتخلي عن “دركيها” في الساحل، خصوصا أن الجيش التشادي يشارك بـ1400 جندي في القوات الأممية المنتشرة بشمالي مالي “مينوسما”، وأعلن في فبراير/ شباط الماضي، إرساله 1200 جندي إلى منطقة الحدود الثلاثة بين النيجر ومالي وبوركينا فاسو.

وليس هذا فقط، إذ يشارك الجيش التشادي بنحو 3 آلاف جندي ضمن القوة المختلطة المتعددة الجنسيات على ضفاف بحيرة تشاد.

وعلى الجبهة الشرقية، دفعت نجامينا بـ1500 جندي ضمن القوة العسكرية المشتركة مع السودان لمراقبة الحدود.

وإجمالي هذه القوات يصل إلى أكثر من 7 آلاف جندي، أو ما يعادل ربع الجيش المالي المقدر بـ30 ألفا و500 جندي (إضافة إلى 4500 من القوات شبه العسكرية).

بينما تقول “جبهة التناوب والوفاق” المتمردة بأن عدد عناصرها يقدر بالآلاف، في حين تؤكد مصادر إعلامية أن عددهم لا يتجاوز 1500 مسلح، منهم 500 عنصر شوهدوا يتحركون في رتل واحد قادمين من ليبيا، و450 منهم تم تحييدهم في معركة كانم الأخيرة، بحسب الجيش الحكومي.

لذلك فإن أي سحب لتشاد لقواتها من أي جبهة من الجبهات الأربع من شأنه التأثير سلبا على الأمن والاستقرار في المنطقة، وتقوية شوكة التنظيمات الإرهابية والمتمردة، الأمر الذي لا ترغب فيه فرنسا، الساعية لتقليص تواجدها العسكري في الساحل.

ومحمد ديبي، الذي شارك في قيادة وحدات عسكرية تشادية في مالي، يعرف جيدا نقطة ضعف باريس، لذلك تعهد للفرنسيين وقادة الساحل، بالالتزام بالمواثيق الدولية، والعمل على مكافحة الإرهاب.

ومقابل عدم سحب الجيش التشادي قواته من النقاط الساخنة في الساحل وبحيرة تشاد لن يرضى ديبي الابن بأقل من اعتراف دولي بحكمه، ودعم عسكري فرنسي في مواجهة متمردي الشمال.

فاستمرار نظام ديبي ولو في صورة ابنه، يكتسي أهمية بالغة في المنظور الأمني والعسكري لفرنسا، المستعدة للتضحية بالديمقراطية من أجل تحقيق مصالحها الاستراتيجية في المنطقة.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *