4 نونبر 2024

لبابة لعلج حركة اللون وإيقاعاته

لبابة لعلج حركة اللون وإيقاعاته

بمبادرة من جمعية الصويرة موكادور ، تعرض الفنانة التشكيلية والأديبة لبابة لعلج جديد أعمالها التشكيلية برواق دار الصويري ما بين 13 و20 أكتوبر الجاري تحت شعار ” بزوغ غرائبي ” ، حيث سيتم تنظيم لقاء فكري وإعلامي حول تجربتها العجائبية ذات الخصوصية الأسلوبية المنفردة بمشاركة صفوة من الباحثين والنقاد الجماليين.

-I-
تُقَرِّبُنَا أعمال الفنانة لبابة لعلج الصباغية من الأرض التي تستقي منها تلك الروح الدافعة نحو التحليق البعيد في أعالي (السماء) التجريد، ولو كانت تحيل تشكيلات الكثير منها لهيئة المرأة أو لأشياء أخرى ملموسة. تطفح أعمال الفنانة بالألوان المسلحة بالرمال والمساحيق لخلق الانسجام في اللوحة قبل العودة إلى الطبيعة. وهنا لابد من الإشارة إلى تقاطع الأشكال في بعض أعمالها مع بعض النباتات وكأننا حيال أعمال تأخذنا إلىفن الأرض “Land art”باعتباره امتدادا لمدارس الفن المعاصر،والذي يستعين فيه الفنان بالطبيعة كإطار حاضن للعمل الفني أو بمكوناتها لخلق عوالمه الفنية.
نعثر على مكونات الكون الأولى أو أسطقساتها الأربعة مهيمنة على جل فضاءات اللوحة:
فألوان الأرض طافحة صرخة…
وألوان الماء زرقاء دافقة…
وألوان النار حمراء مشتعلة…
والهواء يحمل الكل ويرحل بنا صوب أفق التأويل…

-II-
تخلق كثافة الألوان في لوحات الفنانة نوعا من الحركة التي تميز (تُفَرِّقُ) بين الكتل والمكونات، وتجمع فيما بينها لتصير دالة. فيصبح المتلقي حيال هدوء مريح ينبعث من مؤشرين أساسيين: تكوينُ كُتَلٍ لونية صاعدة ونازلة، أفقية وعمودية، لها نهاية داخل إطار اللوحة وخارجه.. وإنجاز أرضية لونية حاضنة توهم بالتغير وتسايره تلك الحركة كلما ركزنا على جزء معين من اللوحة. فدونما الإيغال في تكسير تلك الحركة تتكون سكينة الموج الغامر أو الهواء المَاسِح أو التراب المنثور أو اللهيب الشَّافِي.. وتلك نفحات ذات بعد روحاني يبعث على السكينة التي تلي الاضطراب أو ما يمكن أن نسميه بالسكينة المضطربة.

-III-
لا يعني البعد الروحي في التشكيل الانغماس في عَالَم التأمل، والسفر بالروح بعيدا عن الملموس والمادي، وإنما هي حالة انسجام واندماج مع ما يعرض أمامنا، فيرقى بنا نحو مجال أفسح وأرحب مما نحن عليه، كالدعوة الملحة لاستعمال الحواس والعقل والحدس للتفكير وتذوق الجمال. فاللوحة ليست مجرد سند بصري نراه، وينقطع أثره من ذهننا بمجرد الانصراف من محيطه، بل إن قيمتها الجمالية الكبرى تتجلى في حمل الفنان ذاته، ونحن معه، على إخراج قوة الكون من داخله، ومن العَالَم، كي تصير مؤثرة فيه وفي غيره.وذلكما يوصف عادة بالصدق، وإن كان الأمر يتجاوزه ليصير دفقا ممتلئا بالطاقة الإيجابية للإنسان تجاه نفسه وغيره.. وبناء عليه، فلوحات لبابة لعلج تختزن جاذبية تنشرها تجاه كل عين بصيرة.

-IV-
تتشكل لوحات الفنانة وفق تركيب يمنح الانطباع بأننا أمام كولاج لبعض الوجوه والأجساد من الأشكال والموتيفات مما يمنح اللوحات دفقا تأويليا خاصا يرمي في بعض الأحيان تجاه الرومانسية وأحيانا أخرى صوب الفانطستيكية الموحية بنقد الرعب المتفشي من حولنا كما هو الحال في اللوحات ذات اللطخات اللونية فاقعة الحمرة، غائرة الأخاديد والهوات، وكأننا تجاه “صرخة حمراء” ينفثها قلب يتألم من هول الحسرة على ما يقع في عالمنا من ويلات وحروب. ولكن تلك الأحاسيس والتعبيرات المتشائمة ليست سمة طاغية على مجمل الأعمال، فسرعان ما تكسرها لوحات خضراء وزرقاء متفائلة، وأخرى تحتفل بأجساد راقصة على إيقاعات متداخلة تضبطها حركات الريشة السائرة بالألوان صوب عزف سيمفونية مغايرة.

-V-
تحتفي الكثير من لوحات الفنانة بالمرأة وتتخذها كموضوع للاشتغال التشكيلي، فالجسد حاضر بشكل جلي ومحوري سواء كهيئة أم كحركة.. ففي بعض اللوحات تتكدس الوجوه الشبيهة بالأقنعة، وتنكشف أخرى بشكل جزئي كما تظهر بعض النساء فرحات، وهن يتسربلن بحليهن المزركشة بالألوان الوردية أو ذات الزرقة السماوية، وتقطع بعض الأجساد اللوحات بشكل طولي أو مائل وكأنهن في حالة طيران.. وهي أحوال وحالات تُنْبِيءُ عن مزاج نفسي ووجداني يعتمل في دواخل الذات الفنانة ليتطور إلى موقف وجودي من العَالَم.

-VI-
يحتل الجسد مكانة رئيسة في أعمال الفنانة، ولكن ليس بالمعنى البيولوجي للجسد فقط، فهي لا تتناول الجسد بالمفرد، وإنما تسعى إلى بلورة رؤية تفاعلية وشمولية له باعتبار أن الإنسان ليس حبيسا لجسده كمادة، وإنما له امتدادات تتجاوز ذلك بكثير.. وهي بذلك تطرح الجسد باعتباره عَالَماً مركبا.فنحن لا نمتلك حيزا في الفضاء فقط، بل نحن نحول العَاَلَم، أي أنناقوة فاعلة ومؤثرة فيه، ومن ذلك المنظور تنبعث روح الجسد في أعمال الفنانة لبابة لعلج لتطرح على متأملها أسئلة قلقة تجاه علاقة الإنسان بالذات والعَالَم، وتلك قيمة كبرى للعمل التشكيلي الذي يتجاوز حدود اللعب بالشكل واللون ليرقى إلى مستوى ملامسة القضايا الكبرى للإنسان.
محمد اشويكة
كاتب وناقد جمالي

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *