3 نونبر 2024

قطع الرباط لعلاقتها مع طهران: لماذا جاء موقف الدوحة متأخرا وملتبسا؟

قطع الرباط لعلاقتها مع طهران: لماذا جاء موقف الدوحة متأخرا وملتبسا؟

الرياض. بقلم: معتز عبد العافي

يقول المثل الشهير “تمخض الجبل فولد فأرا”. المعنى واضح يفهمه الكبير والصغير بسهولة تامة، ولا يحتاج إلى أي تأويل.

أصل الحكاية أن المغرب اتخذ قرراً سيادياً، بكل مسؤولية وحزم وصرامة، يقضي بقطع علاقاته الدبلوماسية فوراً مع إيران بسبب دعمها الواضح، عبر حليفها “حزب الله” الإرهابي، لجبهة “البوليساريو” بالتدريب والعتاد العسكري وبالدعاية الإعلامية. وهو قرار سيادي لم يأت عبثاً، بل بعد سنتين من مراقبة وتتبع اتصالات ولقاءات “البوليساريو” بقادة الصف الأول ل”حزب الله” اللبناني الشيعي، بتعاون وتنسيق عبر السفارة الإيرانية بالجزائر العاصمة.

واستناداً إلى هذه الوقائع المثبتة بالأدلة القاطعة والدامغة، سارعت دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ومملكة البحرين إلى إصدار ردود فعل قوية وحازمة تدين التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية للمغرب، وتعرب عن التضامن المطلق مع الرباط.

ومن المحقق أن مواقف أبوظبي والرياض والمنامة كانت دائما داعمةً، وبشكل لامشروط، للحقوق المشروعة للرباط في حماية الإستقرار والأمن الداخلي والخارجي للشعب المغربي، ومدافعةً بوضوحٍ تامٍ عن صيانة الوحدة الترابية والسيادة الوطنية للمملكة من طنجة إلى الكويرة. وهو موقف علني راسخ يُسجله التاريخ للدول الخليجية الثلاث في علاقاتها مع الشقيقة في المغرب الأقصى.

في المقابل، سجل المراقبون الخليجيون والعرب والدوليون، باستغراب واندهاش كبيرين، تأخر الدوحة في الإفصاح عن موقفها بشأن قرار الرباط قطع العلاقات مع حكام طهران. وقد كان الجميع ينتظر صدور موقف واضح وصريح من النظام القطري الذي تربطه علاقات قوية بإيران التي تُلقِّبُها الدوحة بـ”الدولة الشريفة”!!!

لقد كنا نتوقع موقفاً قطرياً يُدِينُ الإيرانيين، ويَدْعَمُ قَرَارَ المغرب قطع علاقاته الدبلوماسية مع طهران. غير أننا فوجئنا بموقف محتشمٍ وملتبسٍ يثير أكثر من علامة استفهام!!! إذ تفادت قطر الإشارة بصريح العبارة إلى إيران وعبرت عن تضامنها بشكل متناقض، فقد دعت في  الوقت نفسه إلى “حل الخلافات بالحوار والطرق السلمية المتعارف عليها دولياً”؟!!! وبالفعل، صدق المثل القائل: “تمخض الجبل فولد فأراً”.

ومن المعلوم أن المغرب كان قد اتخذ، بشكل مستقل وسيادي لا لبس فيه، موقف “الحياد” إزاء قرار المقاطعة من دول الرباعية (الإمارات العربية المتحدة، السعودية، البحرين، مصر)، والتي ترتبط بروابط الأخوة والدم وبعلاقات استراتيجية وتاريخية ومصالح متنوعة وكبيرة مع المملكة، ضد قطر.

أكثر من ذلك، كان المغرب سباقاً إلى إرسال مساعدات إنسانية للدوحة في إطار تفعيل قيم ومبادئ التضامن الإسلامي والعربي والإنساني معها، وقام جلالة الملك محمد السادس بزيارة عمل إلى قطر، واستقبلت الرباط رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية القطري، عبدالله بن ناصر بن خليفة آل ثاني، في إطار اجتماعات اللجنة العليا المشتركة بين البلدين…

فهل من المقبول والمستساغ، سياسياً وأخلاقياً، أن نكافئ كل هذه الخطوات والمبادرات المغربية الشجاعة ببيان ملتبس وغامض لا يفيد في استنتاج الموقف المطلوب إزاء الأزمة بين الرباط وطهران؟

إن العلاقات والمصالح القطرية-الإيرانية القوية، وتزايد نفوذ وتغلغل الحرس الثوري الإيراني فوق التراب الوطني القطري، يجعلان الدوحة أسيرةً لمصالحها مع نظام “الملالي” الإيراني. وبالتالي، لا يُتوقع منها بتاتاً أن تُغامر أو تُقامر بهذه المصالح المتشابكة والغامضة من أجل اتخاذ موقفٍ صريحٍ ومؤيدٍ للمغرب إزاء التدخلات الإيرانية السافرة وتواطؤها المكشوف مع جبهة “البوليساريو” الانفصالية، خصوصا إذا علمنا أن قطر تربطها علاقات واتصالات ب”البوليساريو”، وقد سبق أن خصصت طائرةً لزعيمها “الوهمي” إبراهيم غالي للتنقل، وفق كل مستلزمات الراحة وشروط السلامة الجوية، إلى الدول الإفريقية وغيرها من البلدان.

كما قامت قناة “الجزيرة” بحملة دعائية واسعة النطاق لإنجاح صعود غالي إلى قيادة الجبهة المدعومة من الجزائر، وخصصت في عدة مناسبات برامجها الإخبارية لاستضافة “قيادات” من “البوليساريو” بغية الترويج للأطروحة الانفصالية في منحى للتشويش المقصود على الحقوق التاريخية للمغرب ومصالحه العليا ووحدته الترابية الغير القابلة للتجزئة مهما كلف الأمر من تضحيات جسام.

والأدهى من كل ذلك، أن زعيم الانفصاليين، إبراهيم غالي، شَكَرَ في رسالة رسمية قطر، التي حاولت القيام بدور “الوسيط” على غرار تجاربها الفاشلة في السودان، على علاقاتها ودعمها ل”البوليساريو”.

تٌرى متى سيأتي الدور لمحاسبة ومساءلة قطر على اتصالاتها ب”البوليساريو” الانفصالية، وعلى تحركاتها تحت غطاء المحميات الطبيعية في الصحراء المغربية؟ وما هي الأهداف الخَفِيَّة لنظام “الحمدين” الذي لطالما قام بأدوار خفية وغامضة لزرع بذور الفوضى الخلاقة في إطار موجة الاضطرابات التي تسمى ظلما وتعسفا ب”الربيع العربي”.

دفتر التاريخ يُسَجِّل المواقف بحذافيرها. نعم، حُكْمُ التاريخ لا يرحم الأخ الذي يخذل أخاه، والخذلان يكون قاسياً ومراً عندما يكون الأمر متعلقاً بالوحدة الترابية والتآمر على الاستقرار والأمن الداخليين للمغرب الآمن، كما بالنسبة لأي بلد عربي شقيق.

فهل وصلت الرسالة إلى من يهمه الأمر؟

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *