قصتي مع المسيحية 1/1
قبل سنة تقريبا، نشرت هنا مقالة رويت فيها قصتي مع المسيحية، بينت فيها بأن دراستي للاهوت المسيحي كانت شاقة لعلي أجد إجابة أو شبه إجابة كما قال عني صحفي جريدة الصباح، في (28 نونبر 2014)، لقد طرحت السؤال التالي: هل يمكن للعقل أن يدرك الله ؟ كيف يستطيع العقل الإنساني أن يصل للحقيقة؟ أن يستحضر موضوعه في التجربة الذاتية بشكل يجعل هذا الموضوع يبدوا حقيقيا، بينت أن العقل لا يجب عن هذه الأسئلة، وبما أن قدرة الاستحضار هي التي تميزه عن الحاسوب، فإن العقل لم يستطع أن يفهم من هو الإنسان ؟ أو أن يقترب منه بشكل يقرب حقيقته، بعد ذلك أخذت أقرأ بنهم كل ما حصلت عليه من كتب و مجلات علمية تتكلم عن وضيفة العقل في فهم الموجودات، وعلاقة العقل بالإيمان.
سأشرح لكم رأيي في مقالتين، سأتجنب فيهما التعقيدات اللاهوتية التي يمكنكم قرائتها بالكتب المسيحية، متحريا التبسيط ما استطعت إلى ذلك سبيلاً.
حتى سنة 1996 لم أكن أعرف شيئاً دقيقاً عن الفكر المسيحي، كنت أكره اليهود وكنت أعتبر المسيحيين “ظالين”، وكنت أعتبر كتبهم (التوراة والإنجيل) مجرد مستغلقات أسطورية وتاريخية غير قابلة للفهم، الذي جعلني واثقاً من هذا الحكم الجائر كما سأكتشف فيما بعد هو تربيتي الدينية المحافظة، ومعرفتي بالفقه الديني الإسلامي في تلك السن الصغيرة (13 / 14 سنة)، وكتب النوازل للونشيسري الأندلسي وإبن النديم والجاحظ والسيد قطب والمودودي… أذكر أنني قرأت لهذا الأخير كتابه بعنوان “الدولة الإسلامية والحاكمية” الذي أراد أن يؤسس لمفهوم الدولة الإسلامية، لأقتنع بعد قرائتي لصفحات قليلات أن المودودي رجل دين غير عقلاني وغير مفهوم، مما جعلني ألقي بكتابه جانبا، لست أذكر كيف قررت أن أقرأ كتاباً لعبد الصبور شاهين بعنوان “أبي أدم”..كل ما أذكره هو أن الكتاب كان كتاب عن “الجنة ومكانها والأبوين الأولين” لهذا الرجل الذي كان يعتكف بمسجده يقرأ و يتأمل بجمهورية مصر الشقيقة، والذي أنهى كتابه سنة (1998) وقدمه كهدية للملك الحسن الثاني في الدروس الحسنية في نفس السنة، لم أفهم نص الكتاب من قراءتي الأولى ولكني بدأت ألاحظ أن عبد الصبور شاهين ينطلق من مسلمات توجد عند المسيحيين واليهود فقط، وأن هذا الكتاب يقول شيء مهما جدا ينبغي أن أفهمه بإعادة قراءة هذا الكتاب وبدراسة كتب أخرى بصبر واجتهاد العلماء وتواضعهم، لاحظت ثلاثة أمور مهمة في كتاب عبد الصبور شاهين، أولها أن عبد الصبور مهتم بالإنسان في حقيقته، الإنسان كما يمارس حياته في وجوده القريب غير البعيد، ثانياً، أنك لتفهم عبد الصبور جيداً ينبغي أن تسمح له أن يلهمك بلغته و سلاسته الفريدة التي تجمع بين المجاز والحقيقة في انسجام يندر أن تجده عند كاتب إسلامي آخر، فهو يختلف عن رجال الدين المسلمين ورجال الفقه والفتوى، الذين تعودت عليهم في ثقافتي الأسرية والدراسية، فهو (عبد الصبور شاهين) يميل إلى تحري الدقة المعرفية من ناحية مصادر الكتب العلمية والبيبلوغرافية، تحتاج النقطة الثالثة إلى بعض التوضيح.
كتاب “أبي أدم” هو كتاب مبني على المعتقدات الإسلامية واليهودية والمسيحية، صدر سنة (1998) ثم أعيدت طباعته بواسطة مؤسسة أخبار اليوم المصرية، وقد أثار هذا الكتاب ضجة بالعالم الإسلامي، إذ بعض رجال الدين تجرؤا إلى أن اعتبروا مؤلف هذا الكتاب قد كفر،يرى الشيح عبد الصبور شاهين في كتابه هذا “أن أدم هو أبو الإنسان و ليس أبا البشرية الذي هو خلق مختلف عن الإنسان الحالي، فاصطفى الله منهم أدم ليكون أب الإنسان”، وهو ما أشار إليه إله القرءان بـ”النفخ في الروح” فأباد الله الجنس البشري فلم يبق منهم إلا أدم، فعدله الله و سواه كما ينص القرءان “الذي خلقك فسواك فعدلك”، ويستدل الشيخ عبد الصبور شاهين بآيات كثيرة على وجود البشر قبل الإنسان و لكنهم كانوا خلقاً أخر غير معدلين بروح الله، وهو ما دعى الملائكة عندما أخبرهم الله أنه سيخلق أدم لأن يقولوا :”أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء”، يرى الشيخ عبد الصبور أن هذا كان قبل أن يصطفيه الله و يعدله و يسويه،بأن ينفخ فيه من روحه فيصبح عاقلاً ومتحضراً، يقول إله القرءان :”فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين” وخلاصة الأمر أن آدم ولد من أب وأم بشريين تطور هو بعدهما ليصبح أبا الإنسان المميز بالعقل المقيد بالشرائع والقوانين، لم يجد الأزهر في نظرية الدكتور عبد الصبور ما يؤدي إلى تكفيره غير أنه نفى أن تكون نظريته صحيحة، وأن أدم في الواقع هو أب الإنسان وأبو البشر على السواء، لكن في مناظرة تلفزيونية واجه الدكتور زغلول النجار الدكتور عبد الصبور شاهين وجهاً لوجه، ووصف نظريته بأنها ترسبات للفكر الوجودي، ثم أعاد ترتيب رأيه في محاضرة على قرص مضغوط يرد فيها على الدكتور عبد الصبور شاهين من دون أن يسميه واصفاً إياه بـ”أحد أساتذة اللغة”، غير أن محاضرة الدكتور زغلول النجار خلت من أي رد تفصيلي على نظرية عبد الصبور شاهين، واكتفى النجار بذكر الأساسيات الواردة في أمهات الكتب بخصوص هذا الأمر.
وقد أورد الروائي السعودي محمد عزيز العرفج في روايته “الدور الأعلى” شيئاً عن الموطن الأصلي لأدم و حواء وابنيهما قابيل وهابيل على لسان بطل الرواية سعود الخير الله، حيث ذكر البطل أنه حاول أن يتواصل مع عبد الصبور شاهين لإبلاغه بأن أرخبيل “سقطرى” هو الموطن الأصلي لهم لصفاتها الساحرة من الأشجار والطيور النادرة وعدم وجود الكلب فيها، إلخ، كما أنه يوجد بها شجرة تسمى شجرة دم الأخوين، حيث يذكر الرواة أنها خرجت من دم هايين (هابيل) المقتول من أخيه قابيل، وقد ذكر شاهين في كتابه، بأن جنة أدم و حواء هي من جنان الدنيا و ليست جنة المأوى.
وقد رفعت في المحاكم المصرية أربعة دعاوى ضد المؤلف لأن كتابه يشكك في الكثير من الأسانيد الإسلامية.
ما أردته من سرد بعض التفاصيل بخصوص هذا الكتاب “أبي أدم”، هو أن أبين أن العقل البشري لا يدرك كنهه، لكن هذا الكتاب أحالني على النص التوراتي الذي تكلم عن “النفيليم” (مخلوقات شبه ملائكية)، التي لازال التضارب اللاهوتي لم يعطنا جواباً عن دورهم في حياة الإنسان.
فلربما وجدت في التوراة ما لم أجده بالقرءان ووجدت ما بكتاب “أبي أدم” ما لم أجده في باقي مئات الكتب الدينية التي درستها !
محمد سعيد: عضو المكتب التنفيذي لمركز الدراسات والأبحاث الإنسانية