في عيد الشرطة…. عبد اللطيف الحموشي يكشف الخطوط العريضة لاستراتيجية تنزيل خطاب العرش
استغل عبد اللطيف الحموشي، المدير العام للأمن الوطني والمدير العام لإدارة مراقبة التراب الوطني، مناسبة ذكرى 16 ماي لتأسيس الأمن الوطني، ليتقدم أصالة عن نفسه، ونيابة عن كافة أسرة الأمن الوطني، بتجديد الولاء والإخلاص لمولانا المنصور بالله، جلالة الملك محمد السادس حفظه الله، مُقدّما بين يديّه الكريمتين فروض الطاعة والولاء، ومجددا العهد، وصادق الوعد، على التفاني في خدمة العرش العلوي المجيد، والتضحية من أجل خدمة أمن الوطن والمواطنين.
جاء هذا في الكلمة الافتتاحية لحفل تخليد الذكرى 16 لتأسيس الأمن الوطني، الذي أقيم مساء الثلاثاء، والتي تلاها نيابة عنه، مدير المعهد الملكي للشرطة بالقنيطرة.
واستحضر المدير العام للأمن الوطني، خطاب صاحب الجلالة بمناسبة الذكرى 17 لعيد العرش العلوي المجيد، والذي اعتبر فيه جلالته أن “الأمن مسؤولية كبيرة… وأمانة عظمى”، مُقدرا تضحيات نساء ورجال هذه المؤسسة، ومُشددا على ضرورة مواصلة تخليقها، وتطهيرها من كل ما يسيء إلى جهودها المبذولة لتحقيق أمن الوطن والمواطنين.
كما استحضرت كلمة المدير العام للأمن الوطني عبارات عميقة ومعبرة من خطاب صاحب الجلالة، والتي يقول في إحداها إن “الهدف الذي يجب أن تسعى إليه كل المؤسسات هو خدمة المواطن، وبدون قيامها بهذه المهمة، فإنها تبقى عديمة الجدوى، بل لا مبرر لوجودها أصلا”.
وفي إطار تنزيل المديرية العامة للأمن الوطني لهذه الرؤية الملكية المتبصرة، ومواكبة لأوراش التنمية والتحديث التي انخرطت فيها بلادنا، فقد وضعت إستراتيجية شاملة ومندمجة لتطوير البنيات الشرطية، وتجويد خدماتها، والرفع من جاهزيتها في جميع مستويات العمل الشرطي.
إستراتيجية أمنية جديدة.
لقد كان العنوان الأبرز لهذه الإستراتيجية الجديدة هو الإصلاح العميق والشامل للنظام الشرطي، من خلال انتهاج حكامة أمنية جيّدة، تراهن على تكيّيف عمل وحدات الشرطة مع الطلب العمومي في مجال الأمن، ومع التحديات الجديدة التي تفرضها التهديدات الإجرامية، ومع موجبات وضرورات حماية حقوق الإنسان.
أما العناوين الفرعية لهذه الإستراتيجية الشاملة والعرضانية، والتي تجسّمت في صورة مخططات عمل قطاعية، فقد انصبت على إحداث بنيات شرطية جديدة لمواكبة الامتداد الحضري للتجمعات السكنية الكبرى، وضمان الاستجابة الفورية لانتظارات المواطنين في مجال الأمن.
وفي هذا السياق، تم تبني مقاربة متطورة لمفهوم شرطة القرب، تقوم على إعطاء دينامية جديدة للخط الهاتفي 19، وتراهن على تغيير منظومة شرطة النجدة، وتتطلّع إلى التقليص من الحيز الزمني للتدخلات الأمنية في الشارع العام.
ولهذا الغرض، تم خلق قاعات للقيادة والتنسيق في عدد من الولايات الأمنية، في أفق تعميمها في الأمد المنظور، وهي عبارة عن مراكز متكاملة للقيادة والإشراف، تتولى تلقي نداءات وإشعارات المواطنين، والرد عليها بالسرعة والفعالية اللازمة، وتدبير التدخلات الأمنية بمكان تسجيل الحوادث، وتنسيق الجهود الميدانية مع باقي المصالح والمؤسسات الحكومية المعنية.
كما تم إحداث العديد من الوحدات والفرقة الأمنية المتخصصة، والمجموعات النظامية لحفظ الأمن، في خطوة استباقية، هاجسها الأول تعزيز الشعور بالأمن لدى المواطنين والمقيمين والزائرين، ومكافحة التهديدات المتنامية للظاهرة الإجرامية.
صورة جديدة للمرفق الأمني:
إن الإصلاح العميق والشامل للنظام الشرطي، كجوهر للإستراتيجية الأمنية الجديدة، لم يقتصر فقط على الإصلاح البنيوي أو التنظيمي، بل امتد ليشمل الصورة العامة للشرطي، سواء الذي يعمل في الشارع العام أو في مراكز الحدود أو في مختلف المرافق والوحدات الأمنية، وذلك باعتباره خط التماس الأول مع المواطن، وكذا الأجنبي السائح أو المقيم.
وقد استدعت عملية تغيير وتطوير صورة الشرطي، اعتماد زي وظيفي جديد لنساء ورجال الأمن الوطني، بمواصفات جمالية ونظامية تراعي هيبة الدولة، وتتلاءم مع مختلف الوضعيات التي يشتغلون فيها، وتَدعمُ أيضا آليات الشفافية والتخليق، من خلال إدماج بيانات تشخيصية ضمن هذا الزي، تسمح بتعريف الموظف، وبيان الفرقة أو المصلحة التي ينتمي إليها.
كما تم أيضا، تجديد حظيرة أسطول الأمن الوطني وتمييزها بطلاء وهوية بصرية جديدة، وترشيد كيفيات استخدامها وطرق تسخيرها،بما ينعكس إيجابا على جودة وفعالية المنتوج الأمني.
كما امتدت هذه المراجعة الشاملة لصورة الشرطي لتشمل أيضا تصميم وهندسة بنايات ومقرات الأمن، والتي روعي فيها توافر خصائص الأمان الواجبة في البنيات الأمنية الحساسة، وتيسير الولوج إلى الخدمات الأمنية، ناهيك عن الطابع العمراني المتميز. وفي هذا السياق، يجري حاليا التخطيط لبناء المقر الجديد للمديرية العامة للأمن الوطني بمدينة الرباط، وهو تجمع إداري متكامل سيحتضن جميع المصالح المركزية للأمن الوطني، كما تتواصل عمليات بناء مقر جديد للفرقة الوطنية للشرطة القضائية ومختبر الشرطة العلمية بمدينة الدار البيضاء، وكذا مدرسة جديدة للتكوين الشرطي بضواحي الرباط.
وعلاقة بالصورة العامة للشرطي، فقد أولت المديرية العامة للأمن الوطني أهمية قصوى لبناء وتأهيل العنصر البشري، المؤهل لتجسيد صورة الأمن وبسط سلطة القانون، من خلال اعتماد ميثاق جديد للتوظيف والتكوين الشرطي، يرتكز أساسا على القطع مع جميع أعمال الغش في الامتحانات، وتدعيم آليات الشفافية والنزاهة في الاختبارات، والانفتاح على تخصصات وبروفايلات جديدة، فضلا عن تطوير مناهج التكوين والتدريب الأمني.
وقد مكّن هذا الميثاق الجديد للتكوين من الارتقاء بمعاهد الشرطة إلى مراكز أكاديمية للعلوم الأمنية، بمقدورها تصدير التجربة المغربية في مجال التكوين الأمني للعديد من الدول الصديقة والشقيقة.
وفي هذا الصدد، وتجسيدا للبعد الجديد للدبلوماسية المغربية، الذي تبناه صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله وأيده، والذي يراهن على الحضور المغربي الوازن في عمقه الإفريقي، وتدعيم آليات التعاون جنوب جنوب، فقد نظمت المديرية العامة للأمن الوطني خلال سنة 2016 ما يناهز 137 دورة تكوينية في مجال التعاون الأمني الدولي، من بينها 17 نشاطا لفائدة ضباط وأعوان الشرطة من كل من تنزانيا والسودان وغامبيا وبوركينافاسو وإفريقيا الوسطى والسنغال ومدغشقر وساحل العاج وغينيا كوناكري.
وفي سياق بناء كفاءات موظف الشرطة، فقد تم إيلاء أهمية خاصة، وعناية فائقة، للمسار الوظيفي لنساء ورجال الأمن، سواء على مستوى التحفيز أو التخليق، كما تم فتح ورش مُهيّكل لإصلاح النظام الأساسي لموظفي المديرية العامة للأمن الوطني. وهو ورش يروم الرفع من الحوافز والترقيات الإدارية، في مقابل مزيد من البذل والعطاء من جانب الموظف، وذلك خدمة لأمن وطنه ومواطنيه.
الأمن كمرفق عمومي، والأمن كحق دستوري، والأمن كداعم لحقوق الإنسان… ثلاثية متلازمة
لقد سعت المديرية العامة للأمن الوطني جاهدة، في مخططها المرحلي لسنتي 2016 و2017، إلى كسب رهان “الأمن الـُمواطن”، وذلك عبر الانتقال من “الأمن كمرفق إداري إلى الأمن كمؤسسة خدماتية”، ومن الأمن “كقوة عمومية إلى الأمن كحق أساسي من حقوق الإنسان”. لأنه لا سبيل للتمتع بالحقوق والحريات بدون نعمة الأمن، ولا سبيل لإرساء الأمن والاستقرار بدون احترام حقوق الإنسان.
ومن هذا المنظور،حرصت المديرية العامة للأمن الوطني على تبسيط وتجويد الخدمات الأمنية التي توّفرها للمواطنين المقيمين داخل أرض الوطن، وكذا لأفراد الجالية المغربية المقيمة بالخارج. وقد راهنت هذه العملية، على التقليص من أجال إصدار الوثائق والسندات الإدارية، وتأمينها عبر إدراج معايير أمان بيومترية تفاديا لتزييفها وتزويرها، فضلا عن تيسير مسطرة الولوج إلى قائمة هذه الخدمات.
ولم تقتصر هذه المسطرة على المواطنين المغاربة، بل شملت أيضا الأجانب المقيمين والسياح الزائرين وكذا طالبي الهجرة واللجوء. فالهدف الأساسي والمركزي الذي راهنت عليه مصالح الأمن، هو تنزيل التصور الملكي السديد لمفهوم المرفق الأمني المواطن، بحيث تمت مراجعة آجال ومساطر إصدار سندات الإقامة، وطلبات التأشيرة، وكذا مواكبة السياسة الجديدة لقضايا الهجرة، فضلا عن تدعيم جميع الوثائق الإدارية بخصائص آمان مرتفعة.
وعلى صعيد آخر، وتوطيدا لمفهوم الإنتاج المشترك للأمن، فقد تبنّت مصالح الأمن الوطني سياسة تواصلية أكثر انفتاحا على محيطها الخارجي، وأكثر تفاعلا مع طلبات المجتمع المدني، وأكثر تجاوبا مع وسائل الإعلام، إيمانا منها بأن الأمن بقدر ما هو مكسب جماعي فهو أيضا تكلفة جماعية، واقتناعا منها كذلك بأن التدبير الرشيد والمندمج لقضايا الأمن هو المدخل الأساسي لإرساء الحكامة الأمنية الجيدة.
وفي الشق المتعلق بالإحساس بالأمن، باعتباره أحد أهم تجليات الحق الدستوري في الأمن، فقد راجعت مصالح الأمن فلسفة زجر الجريمة من خلال تدعيم آليات الوقاية لبلوغ أقصى درجات المكافحة. وفي هذا الصدد، تم إحداث فرق متخصصة لمكافحة الجرائم المستجدة، والجرائم الموسومة بالتنظيم، كما تم تعزيز الحضور الأمني، وتكثيف التدخلات لتوقيف الأشخاص المبحوث عنهم.
16 ماي: ذكرى لاستحضار شهداء الواجب
إن الاحتفال بأفراح الذكرى، هي مناسبة كذلك، لاستحضار أَتراح أسرة الأمن الوطني، وذلك للترحم على الأرواح العطرة لضحايا الواجب، الذين قدّموا أنفسهم وحياتهم في سبيل تحقيق أمن الوطن والمواطنين، متضرعين إلى المولى جلت قدرته، ببركات هذه الأشهر الحرم، وبقلوب خاشعة مِلؤُها القنوت، أن يحتسبهم في عداد المنعم عليهم بالفردوس الأعلى، ممن يصدق فيهم قوله تعالى “من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلا”.