“فحولة” التحرش الجنسي تقمع الأنوثة ونساء يصمتن خوفاً من “الفضيحة”
تعاني نساء العراق من تصاعد ظاهرة التحرش الجنسي واستفحالها في المجتمع، لتضاف لهمومهن الكثيرة، وعلى رأسها تدهور الأحوال المعاشية، والعنف الأسري، والتطرف الديني، والتهميش السياسي.
ولم يعد التحرش يقتصر على أماكن معينة، بل بات ظاهرة خطيرة تحصل في كل موضع تتواجد به النساء، مثل المؤسسات الأهلية ووسائل المواصلات والجامعات، وحتى داخل العائلة، دون وجود قانون فعّال يردع المتحرشين، أو عرف اجتماعي راسخ يدين التحرش.
تجارب مؤلمة
لم تكن “إسراء كامل”، الموظفة بإحدى الشركات الأهلية، تدرك أن أحد أيام عملها العادية، سيتحول إلى عقدة نفسية تلازمها طوال حياتها، بعد تعرضها للتحرش في حافلة للنقل العام.
وتروي “كامل” قصتها لموقع “الحل نت”: «في يوم صيفي شديد الحرارة، كنت في طريق العودة إلى البيت، بعد انتهاء دوامي الرسمي في الساعة الثالثة بعد الظهر. استقليت حافلةً لم يكن داخلها إلا شاب واحد، وبعد تحرّكها باتجاه إحدى مناطق #بغداد، بدأ الشاب يدنو مني، وينظر إليّ نظرات مريبة، كلما أتذكرها ينتابني الرعب والذعر».
وتضيف “كامل”: «بعد محاولتي الابتعاد عنه، صار يقترب أكثر، ويحاول لمس جسدي بطريقة وحشية، وسرعان ما حاول مد يده إلى ساقي. اشتد غضبي وطلبت من السائق التوقف، ولولا أنني استعجلت أمري لكنت تعرضت إلى مالا يحمد عقباه».
إلى ذلك روت الصحفية (م، ك)، العاملة في إحدى المؤسسات الإعلامية العراقية، والتي رفضت الكشف عن اسمها خوفاً من خسارة وظيفتها، تفاصيل تعرضها للتحرش الجنسي من قبل مدير المؤسسة التي تعمل بها.
وتقول (م،ك)، خلال حديثها لـموقع «الحل نت»: «في يوم من الأيام، وبينما كنت منشغلة بإنجاز تقرير صحفي عن معاناة النازحين، استدعاني المدير إلى مكتبه، وبكل عفوية توجهت إلى المكتب، ومعي بعض الأوراق لتدوين ملاحظاته. لكن سرعان ما تبيّن لي أن استدعائي لم يكن لأمر يتعلق بالعمل، بقدر ما كان لأهداف أخرى، ظهرت من خلال نظراته المخيفة، وابتسامته الكاذبة»، حسب تعبيرها.
وتتابع: «وفي هذه اللحظات من القلق والريبة، ترك المدير مكانه وذهب باتجاه باب الغرفة ليغلقه، وفتح ذراعيه طالباً مني ممارسة الجنس معه. أنذرته بأنني سأصرخ في حال لم يفتح الباب، لكنه أصرّ على التقدم نحوي. كان في يدي قلم هددته بأن أغرسه في صدره إذا لم يتراجع. وعندما وجدني منهارة وعازمة على الصراخ تراجع واعتذر، وطلب مني ألا أفشي الموضوع لباقي العاملين في المؤسسة، والا سيفصلني من وظيفتي».
من جهتها، تكشف “إيمان الشمري”، الطالبة في المرحلة الثالثة بكلية الصيدلة بإحدى الجامعات العراقية، معاناتها من التحرش الجنسي قائلة: «تعرّضت مرات عديدة للتحرش الجنسي من قبل أساتذة حاولوا استدراجي إلى غرفهم الخاصة».
وتتابع “الشمري”، خلال حديثها لـ«الحل نت»، أن «أحد الأستاذة وضع يده على كتفي، وطلب مني أن أقبّله، مقابل أن يعطيني درجة عالية جداً في الامتحانات النهائية، وعندما رفضت طلبه حاول الانتقام مني، وتوعدني بأسوأ الدرجات في الامتحانات الفصلية. لكنني هددته بمقاضاته عشائرياً، فتراجع عن نواياه خوفاً من العواقب».
دور السلطات بتنامي ظاهرة التحرش
«لا تقتصر ظاهرة التحرش الجنسي على المجتمع العراقي فقط، بل هي شائعة في كل المجتمعات العربية والغربية»، هذا ما قالته الباحثة الاجتماعية “ندى العابدي”، التي أكدت لموقع «الحل نت» أن «هذه الظاهرة تتعلق بالنظم والتقاليد، فهي لا ترتبط بالمستوى التعليمي للفرد، بقدر ما تتأسس على طريقة التربية التي يتلقاها في مرحلة الطفولة والمراهقة. كما تعتمد أيضاً على الطريقة التي يتعاطى فيها مع جسده ومع الجنس الآخر، فكثير من العائلات تكبت أبناءها، وترفض حتى الإجابة عن الأسئلة التي تتعلق بالجنس، والتغيرات الجنسية، التي تحصل عند الذكر والأنثى».
وتوضح “العابدي” أن «سبب شيوع هذه الظاهرة في البلاد، إلى جانب الأسباب آنفة الذكر، دور السلطات في ازدياد الشرخ الاجتماعي بين الرجل والمرأة، عن طريق فصل الجنسين بدواعي دينية أو عرفية، فضلا عن التباعد العاطفي الذي يحصل ما بين الأطفال وذويهم. وربما لتعرّض الصغار للتحرش من قبل الغرباء أو الأهل ذاتهم».
المطالبة بتفعيل القوانين
وتشدد “العابدي” على ضرورة «تفعيل القوانين الخاصة بهذا الشأن، للتخلص من ظاهرة التحرش، أو الحدّ منها. وكذلك سن قوانين تحمي الموظفات داخل المؤسسات الأهلية، خصوصاً وأن أغلب قضايا التحرش تحدث في أماكن العمل، الأمر الذي يدفع الضحية إلى السكوت عمّا يحصل لها، خوفاً من الفضيحة». مبينةً أن «العراق يعاني من ضعف تطبيق القوانين الخاصة بالتحرش الجنسي، والتي في أغلب الأحيان لا تتجاوز الغرامة المالية».
“العابدي” تضيف أن «العائلات بحاجة إلى الوعي والثقافة في كيفية التعامل مع الأبناء، وحمايتهم من التحرش الجنسي وهم صغار، وتوعيتهم جنسياً. ومن الضروري عدم المبالغة في فصل الذكور عن الإناث، بطريقة تحوّل الجنس الآخر لعالم مجهول»، حسب تعبيرها.
التحرش الجنسي بوصفه فعلاً إجرامياً
“شيماء هويم”، القاضية في محكمة تحقيق “الكرخ”، تقول لـ«الحل نت» إن «قانون العقوبات العراقي 111 لسنة 1969 هو القانون الواجب التطبيق لمواجهة التحرش، وفرض عقوبات واجبة التطبيق، مع الأخذ بعين الاعتبار تكييف الجريمة المنسوبة للمتهم، لتحديد إذا ما كانت من جرائم المخالفات أو الجنايات أو الجنح».
وتشير إلى أن «التحرش فعل إجرامي، قد تصل عقوبته إلى السجن لمدة سبع سنوات، أو عشر إذا كانت الفتاة قاصراً، ولم تبلغ سن الرشد، بحسب القانون النافذ، وهو قانون العقوبات العراقي».
“الحل نت”