طرفا الصراع في السودان يتفقان على قواعد إنسانية لكن لا وقف لإطلاق النار
وقع الجيش وقوات الدعم السريع في السودان فجر الجمعة إعلانا يتعهدان فيه باحترام قواعد تتيح توفير المساعدات الإنسانية، لكنهما لم يتفقا على وقف إطلاق النار في مفاوضات وصفها دبلوماسيون أمريكيون بالـ”صعبة”. وتواصلت المعارك الجمعة في الخرطوم ومدينة الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور.
قال مسؤولون أمريكيون إن طرفي الصراع في السودان التزما في ساعة مبكرة من صباح الجمعة بحماية المدنيين، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية، لكنهما لم يتفقا على وقف إطلاق النار، ولا يزالان متباعدين.
وأضاف المسؤولون أنه بعد المحادثات التي جرت على مدار أسبوع في مدينة جدة السعودية الساحلية، وقع الجيش السوداني وقوات الدعم السريع إعلانا بأنهما سيعملان معا من أجل وقف قصير الأجل لإطلاق النار في محادثات أخرى.
وقال مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأمريكية، مشترطا عدم كشف هويته، إن “الطرفين متباعدان جدا”.
وأوضح أن المفاوضين الذين يعملون مع الوسطاء السعوديين والأمريكيين سيبحثون بعد ذلك تدابير أمنية محددة لحماية إمدادات المساعدات الإنسانية.
وقال المسؤول الأمريكي إن الانتقال من وقف مؤقت لإطلاق النار، عند الموافقة عليه، إلى وقف دائم للأعمال القتالية، سيكون عملية طويلة. لكن واشنطن تأمل في أن تؤدي موافقة الطرفين على التوقيع على الإعلان الجمعة إلى تزايد الزخم.
من جهتها، اعتبرت قوى الحرية والتغيير، المكون المدني السابق بالحكومة السودانية، توقيع هذا الإعلان “خطوة أولى مهمة صوب إنهاء الحرب الدائرة في البلاد منذ 15 نيسان/أبريل الماضي”، وحضت الطرفين على “الالتزام الصارم والجاد بما اتفق عليه”.
كذلك رحبت الآلية الثلاثية التي تتكون من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إيغاد) بالإعلان. وقالت في بيان: “هذه خطوة أولى مهمة نحو التخفيف من المعاناة الإنسانية، وحماية حياة المدنيين في السودان وكرامتهم”.
الاشتباكات مستمرة وفرار مئات الآلاف
وتواصلت المعارك الجمعة في الخرطوم وفي مدينة الجنينة، عاصمة ولاية غرب دارفور. ففي جنوب العاصمة السودانية، أفاد شهود بتحليق طائرات مقاتلة وبسماع دوي اشتباكات وانفجارات.
وفي الخرطوم بحري (شمال العاصمة)، قال شهود أنه كان هناك قصف بالطيران وسمع دوي مضادات دفاع جوي في منطقة الحلفايا.
وأكد سكان في الجنينة لوكالة الأنباء الفرنسية أنهم سمعوا أصوات اطلاق نار كثيف منذ الصباح وأعقب ذلك قصف عنيف بالمدفعية على المدينة من خارجها.
إلى ذلك، فر قرابة 200 ألف شخص من السودان منذ اندلاع النزاع في منتصف نيسان/أبريل، إضافة إلى نزوح مئات الآلاف داخل البلاد، حسبما أعلنت الأمم المتحدة الجمعة.
وقالت المتحدثة باسم المفوضية السامية للاجئين أولغا سارادو للصحافيين في جنيف: “مع تواصل أعمال العنف في السودان للأسبوع الرابع، اضطر قرابة 200 ألف من اللاجئين والعائدين إلى الفرار من البلاد، مع عبور مزيد من الأشخاص الحدود طلبا للأمان”.
وقالت منظمة الهجرة التابعة للأمم المتحدة في وقت سابق هذا الأسبوع إن أكثر من 700 ألف شخص نزحوا داخل السودان في أعقاب اندلاع المعارك في 15 نيسان/أبريل والتي أدت إلى مقتل أكثر من 750 شخصا وجرح 5000 آخرين.
وفي حديثها عن الفارين من السودان حذرت سارادو من أن “الاستجابة الإنسانية صعبة ومكلفة” مشيرة إلى أن “اللاجئين والعائدين يصلون إلى مناطق حدودية نائية حيث الخدمات والبنى التحتية شحيحة أو غير متوافرة ويعاني السكان المضيفون تحت وطأة تغير المناخ وندرة الغذاء”.
وقالت إن “موسم الأمطار المقبل سيجعل الأمور اللوجستية أكثر صعوبة عندما ستصبح العديد من الطرق غير سالكة”.
بالنسبة إلى تشاد المجاورة، قالت إن نحو 30 ألف لاجئ وصلوا في الأيام الأخيرة ليرتفع العدد الإجمالي للذين وصلوا من السودان في الأسابيع الأخيرة إلى 60 ألفًا. أضافت أن “ما يقرب من 90 في المئة من اللاجئين هم من الأطفال والنساء منهن العديد من الحوامل”.
ومنذ اندلاع الاشتباكات بشكل مفاجئ في 15 أبريل/نيسان، لم يبد أي من الجانبين استعدادا لتقديم تنازلات لإنهاء القتال الذي أودى بحياة المئات ويهدد بالزج بالسودان في أتون حرب أهلية شاملة. وقال محمد عبد الله (39 عاما) الذي يعيش في جنوب الخرطوم “كنا نتوقع أن يهدئ الاتفاق الحرب لكننا استيقظنا على نيران المدفعية والضربات الجوية”. ودوت الأصوات نفسها في مدينة بحري المجاورة.
ولم يظهر أي من الطرفين علنا استعداده لتقديم تنازلات لإنهاء الصراع الذي اندلع فجأة الشهر الماضي، ويهدد بانزلاق السودان إلى حرب أهلية. وحصد القتال أرواح المئات، وتسبب في أزمة إنسانية.
وانتهكت اتفاقات هدنة سابقة مرارا، ليواجه المدنيون ظروفا مرعبة طغت عليها الفوضى وعمليات القصف، مع انقطاع الكهرباء والمياه، ونقص الطعام، وانهيار النظام الصحي.
وقال المسؤول الكبير بوزارة الخارجية الأمريكية، إن الإعلان الذي تم توقيعه في ساعة مبكرة من صباح الجمعة يهدف إلى تحسين تدفق المساعدات الإنسانية، والبدء في استعادة خدمات المياه والكهرباء.
وأضاف أن الوسطاء يأملون في أن يتسنى “ترتيب انسحاب قوات الأمن من المستشفيات والعيادات، ودفن الموتى بطريقة لائقة”.
وقالت منظمة الصحة العالمية إن أكثر من 600 شخص قتلوا في السودان، وأصيب أكثر من 5 آلاف جراء القتال. وذكرت وزارة الصحة أن 450 شخصا على الأقل لقوا حتفهم في منطقة دارفور الغربية.
وفر كثيرون من الخرطوم ودارفور، وتسبب القتال في نزوح 700 ألف داخل البلاد، ولجوء 150 ألفا إلى الدول المجاورة، وفقا لإحصاءات الأمم المتحدة.
وقال كاميرون هدسون، الباحث بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، إن تنفيذ أي اتفاق قد يشكل تحديا.
وأضاف هدسون: “إنهما محاصران في هذه المعركة حتى النهاية، وسيوقعان على قطعة ورق، وستحتفل واشنطن بنصر كبير، لكنني لا أعتقد أن ذلك سيغير آليات الصراع”.
ونددت دول غربية بالانتهاكات التي يرتكبها الجانبان خلال اجتماع لمجلس حقوق الإنسان في جنيف، لكن سفير السودان قال إن الصراع “شأن داخلي”.