سعيد الناصري يسائل تاريخ الهوية المغربية من خلال مشروع سينمائي جديد
يعكف المخرج والكوميدي سعيد الناصري على مشروع سينمائي طموح يعيد من خلاله الإعتبار للمكون الثقافي المغربي اليهودي بوصفه أحد مكونات التراث الوطني الذي يشهد على تلاحم المغاربة ووحدتهم.
ويأتي هذا العمل الجديد في سياق تاريخي، حيث قبل ما يربو على 2000 عام، استقر مجموعة من المهاجرين اليهود في شمال إفريقيا، بجنوب المغرب، قبل وقت طويل من وصول العرب والفاتحين من المسلمين، غير أن أكبر موجة من اليهود (سفارديم) حلت بشمال إفريقيا بداية 1492، هاربة من إسبانيا واضطهاد الملكة إيزابيلٖ الكاثوليكية الديانة.
ومنذ ذلك الحين، و على امتداد قرون، شكل المغرب فضاء حاضنا للمهاجرين من مختلف العقائد والأعراق حتى اكتسبت المملكة المغربية بذلك سمعة مميزة كدولة منفتحة، تروم إرساء قيم التسامح العقدي لتحقيق السلم بين الشعوب والتعايش بين الطوائف الدينية.
من الناحية التاريخية، وقع يهود أوروبا في الحرب العالمية الثانية ضحايا لهجمات معادية للسامية، وهكذا أسس التحالف الإسرائيلي العالمي مدارس فرنسية في شمال المغرب حتى عام 1940 حيث منعتهم قوانين فيشي النازية من ولوج هذه المدارس.
وبعد عودة محمد الخامس وإعلان استقلال المغرب، شجع الملك اليهود المغاربة على البقاء، بل عرض مناصب مهمة على بعض أفراد الجالية اليهودية وقلدهم مسؤوليات سامية.
وأكد سعيد الناصري على أهمية إنخراط السينما المغربية في الدفاع عن الهوية الوطنية التي تعتبر إحدى مرتكزاتنا القومية، ومن هذا المنظور ، قرر الشروع في مشروع سينمائي كبير يوجه من خلاله رسالة قوية إلى العالم.
وأضاف أنه مشروع فيلم سنمائي يصالحنا مع تاريخنا العريق ويظهر تعلق المغاربة اليهود ببلدهم الأصلي المغرب، حيث أكد سعيد الناصري في أول تصريح له حول المشروع، أنه “في عالم متغير بشكل متزايد، حان الوقت للمغاربة أن يتَّحدوا حول مشاريع كبرى لحماية تراثنا والحفاظ على هويتنا”، مردفا بالقول “يجب على جميع القوى الحية أن تناضل من أجل مغرب متنوع وموحد وأود من خلال هذا المشروع السينمائي، أن أكرم روح فقيد الأمة المغربية المغفور له محمد الخامس، هذا الملك العظيم الذي ضحى بنفسه وبعرشه من أجل استقلال المغرب ووحدة المغاربةٖ وقد سار على نهجه جلالة المغفور له المرحوم الحسن الثاني، وبذات الإلتزام والوفاء يسير على النهج جلالة الملك محمد السادس نصره الله”.
يشار إلى أن بعض اليهود المغاربة اختاروا مغادرة المغرب ودول أخرى بعد إنشاء إسرائيل، لأسباب دينية، وللاستقرار بشكل دائم في دولتهم الجديدة، ومع ذلك فإن الحبل السري الذي يربط هؤلاء اليهود بوطنهم لم ينقطع أبدا، كما عاش المغاربة المسلمون دائمًا في وئام تام إلى جانب إخوانهم اليهود والمسيحيين. وقد ظل المغرب، من خلال تقاليده العريقة، يجسد نموذجا فريدا للتنوع العقدي الذي يجعل منه بلدًا إستثنائيا للتسامح ووجهة آمنة للعيش الكريم، كما أصبحت النخبة المغربية اليوم أكثر وعيًا من أي وقت مضى بدورها ومسؤوليتها الأخلاقية لترسيخ هذه الصورة والدفاع عن تقاليد الأجداد التي تنسجم مع مبادئ التعايش الكونية، وعمل رجال الأدب والفنانون والمفكرون من كل الأجيال للدفاع عن هذا الإرث المشرف.