زيارة كبير الفرنسيين للمغرب… إزاحة لكل الغيوم حول العلاقات ومملكة تتحرك بقيادة ملك يتحدى المرض خدمة لمشروع أمة
بقلم: محمد فجري
خطفت زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، للمغرب ومازالت كل الأنظار واستأثرت ببالغ الاهتمام سواء في الداخل المغربي أو في الخارج، لكونها تأتي في سياق خاص ومباشرة بعد اعتراف فرنسي واضح بمغربية الصحراء، وكذا نظرا للأبعاد والرسائل المتعددة التي تبعث من خلالها فرنسا اليوم عبر ماكرون حول التحول الفرنسي الواضح في التعاطي مع قضايا الشأن المغربي انطلاقا من قاعدة جديدة مبنية على التعامل ندا لند ومبدأ رابح رابح وتجديد الشراكة الاستثنائية بين المغرب وفرنسا بناء على قواعد لعب جديدة.
لهذه الزيارة الفرنسية الجديدة والتي تأتي بعد أول زيارة يقوم بها ماكرون إلى المغرب منذ 2018، خصوصيات كثيرة لكونها تأتي بعد نحو ثلاث سنوات من التوتر والفتور الدبلوماسي بين الرباط باريس، وعلاقة ماضية كان يطبعها الغموض وعدم وضوح خصوصا من الجانب الفرنسي حول تدبير العلاقات بين البلدين لكن ما حصل ويحصل هو أن ما هو قادم في إطار الشراكة المغربية الفرنسية لن يكون كسابقه بسبب الالتزامات الفرنسية الجديدة والواضحة والمرتبطة بالقضايا الاستراتيجية للمغرب والتي باتت تحدد بشكل قاطع علاقاته مع كل الدول كبيرها قبل صغيرها.
ولعل الزيارة قدمت في أيامها الأولى ما كان مرتقبا منها من وعود والتزامات واضحة خصوصا الفرنسية منها فيما يخص المصالحة والتشديد على دعم باريس الصريح لمقترح المغرب فيما يخص الحكم الذاتي كقاعدة لحل لقضية الصحراء، وهو الأمر الذي يعكس تغيرا واضحا في السياسة الفرنسية تجاه هذا الملف الحساس، وهو موقف ينسجم ويتماهى مع ما سبق وأعلنت عنه الولايات المتحدة في هذا الإطار وكذا التأييد الواضح للجارة إسبانيا لمغربية الصحراء وما تلاه من اعترافات وتأييدات من دول كثيرة فدولة مثل فرنسا وليس كما يحاول البعض تسويقه بأن موقفها لا يشكل أي آثر في ملف الصحراء، بل العكس هو الحاصل باعتبار فرنسا تعرف حقيقة ملف الصحراء أكثر هي وإسبانيا باعتبارهما مستعمرين سابقين للمغرب، فالمستعمر يعرف الحقيقة حول مغربية الصحراء أكثر من أي طرف آخر باعتباره كان فاعلا في الخريطة المغربية ومؤثرا فيها وساهم تاريخيا في التقزيم وإعادة تشكيل جغرافيا البلد بسبب دوافع استعمارية محضة بل واجتزأ قطعا من البلد لصالح جارة السوء الجزائر وبالتالي الموقف الفرنسي يعتبر التحول الأكبر في ملف الصحراء المغربية.
ولعل الأهمية الأخرى للاعتراف الفرنسي الصريح بمغربية الصحراء خلال الزيارة الحالية وقبلها كون فرنسا عضوا دائما في مجلس الأمن ضمن الخمسة الكبار في العالم والقوة الاقتصادية رقم 5 في العالم، وهي كلها معطيات تقوي موقف وملف المغرب في النزاع المفتعل حول صحرائه والخطوة الفرنسية الحاصلة اليوم ستجعل مليارات الدولارات التي أنفقتها الجزائر طيلة سنوات تتبخر تدريجيا ولم ولن تعود لها أي قيمة.
إذن الزيارة الفرنسية حملت وستحمل الكثير في المستقبل استثمارات بملايير الدولارات في المغرب ككل من شماله إلى جنوبه، تغيير التعامل مع المغرب والخروج من المنطقة الرمادية التي كانت تتموقع داخلها باريس، وهنا يكمن التقييم الحقيقي للزيارة وبالتالي تصبح الكفة والنتيجة هي التعادل بين البلدين انطلاقا من قاعدة رابح رابح إذ لم يعد ذلك الكلام مجديا اليوم حول دولة مستعمرة عادت لمستعمرتها القديمة فذلك كلام من الماضي ولم يعد محددا في العلاقات بين الدول وما كان ووقع بات من الماضي ودخل الأرشيف وبالتالي أزيحت كل الغيوم حول العلاقة وإن لم يعد للمغرب عقدة في ذلك، فالنقاش الدائر اليوم كله حول الزيارة صحي حتى العدمي منه لأنه يكشف أن المغرب بلد كل المشارب والتيارات والتوجهات وبلد النقاش الديمقراطي ودليل على أن الدولة المغربية تتحرك وتقدر على استيعاب كل النقاشات، والدولة الجامدة أو الميتة حقيقة كالجزائر مثلا هي الدولة التي لا تثير أي نقاشات صحية أو غير صحية لا داخليا أو خارجيا ولم تعد تساوي فلسا في السوق الدولية.
إن المثير كذلك في زيارة كبير الفرنسيين للمغرب أنها تثير قلقا في الجانب الجزائري وترقبا ومتابعة في تكتم شديد على المستوى الرسمي رغم حشد إعلام هذا البلد نحو التقليل من أهمية الزيارة ومحاولة التشويش عليها لكن هذا المعطى يخفي وراءه انزعاجا من نجاح مغربي متلاحق وتموقعات جديدة ستفيد البلاد والعباد في المغرب، والأكثر إثارة في الزيارة الفرنسية المغربية هي كيف بدا جلالة الملك محمد السادس نصره الله وشافاه وعافاه واقفا رغم المرض فكما تم توصيف ذلك من قبل العديد من المحللين فالملك الواقف لها معنى ومغزى عميق ذلك أن الملك (بضم الميم وتسكين اللام) في معناها الاصلي هو ظل الله في الأرض هكذا قيل عن الملكيات سواء الأوروبية أو العربية عليه أن يظل يقظا وواقفا كيفما كانت الظروف، فمسؤولية الملك أصعب بكثير من مسؤولية رئيس جمهورية منتخب والمغزى هنا: الملك واقف والمغرب واقف نعم واقف لأنه استطاع أن يغير الأوضاع لصالحه وزيارة ماكرون تؤكد ذلك.