رواية “الأجمة” حسن أوريد ماذا يريد ؟
رواية الكاتب حسن أوريد تشبه من حيث موضوعها روايته السابقة لها “سيرة حمار”، و كذلك لما تحمله من أسماء حيوانية لسياسيين و ملوك و رجال الأمن، و الساهرين على النظام المغربي قبل الإستعمار الفرنسي سنة (1912) و بعده،أي بعد الإستقلال الكاذب، و لو أنه في لقاءه الذي احتضنه مركز مدى للدراسات و الأبحاث الإنسانية بدار الثقافة بالمدينة القديمة بالدار البيضاء (17 أكتوبر 2014) قال غير ذلك،إذ اعتبر هذا العمل هو سيرورة لثلاث محطات عرفها العالم العربي،الفتنة،و توراث السلطة (الحكم)،و الأبوية الجديدة،و قد عبر الصحفي سليمان الريسوني بجريدة المساء (العدد 2504 / الجمعة 17 أكتوبر 2014) “أن هذا الكتاب (الرواية) ليس عملاً تخييليا محضا،حتى يحضى الشكل فيه بأولولية على الموضوع،بل إن استحضار أوريد لطريقة كتابة إبن المقفع (كليلة و دمنة) و جورج أورويل (مزرعة الحيوانات) كان لخدمة المواقف التي أضمرها في استعارته المنتقاة بدقة،و انطق بها حيواناته السياسية،و الفكرية أيضاً،فأجمة الأحرار التي تكررت أكثر من مرة في هذه الرواية،ربما هي “أجمة الأمازيغ”،إذا عرفنا أن كلمة أمازيغي تعني “حر”،و قد إستعمل الكاتب كلمة “حرية” و “حر” و “الأحرار” ستة مرات ما بين الصفحات (7 – 12)،التي إستفاضت في الكلام عن “أجمة الأحرار” !
كيف نقرأ رواية حسن أوريد إذن ؟
هل يتعلق الأمر بتوبة فكرية هوياتية ستجعل الباحث عضوا مستنيرا في الحركة الأمازيغية ؟ أم أن الأمر لا يعدو أن يكون وعيا تاريخيا بمستقبل للمغرب لن يكون سوى أمازيغيا يرغب أوريد أن يكون جزءا منه ؟ أم أن روايته مجرد إمتداد لإهتمامه الأكاديمي الذي دشنه برسالة دكتوراة التي كانت بعنوان “الخطاب الإحتجاجي للحركات الإسلامية و الأمازيغية في المغرب” 1999 ؟
نجد مفتاحا أساسيا للإجابة عن هاته الأسئلة في مقالة نشرها باللغة الفرنسية بمجلة zamane “le communautarisme – une idee perimee” juilet 2014.
يبدأ أوريد في مقالته بتذكير القاريء بما حدث في العراق و السياسة الأمريكية في المنطقة التي وضع أساسها المفهومي الراحل فؤاد عجمي،و التي تنبني على محورين : التأكيد على دور الأقليات (سنة – شيعة – أكراد..) و ضرورة فرض الليبرالية كما فعل “ماك أرثر” في اليابان،ثم إنتقل بعد التذكير إلى الإشارة إلى النتائج الكارثية لهذه السياسة التي أوصلت إلى الفوضى التي تعيشها المنطقة العراقية السورية اليوم.
و إذا رجعنا للنص السردي “الأجمة”،نرى أن سبب تفككها،هو صراع السباع و النمور (الدولة / المخزن)،مع الذئاب (المعارضة / اليساريون) و الأكباش (الإسلاميون) على السلطة و على من له أحقية الإستفادة من ترواث الأجمة (ص 18 – 29)،و حول توراث السلطان (ص 28)،و الدخول في علاقات غير متكافئة مع فرنسا (ص 43 – 99)،فالحيوان هنا كلب لأخيه الحيوان (ص 108)،و الحقيقة هي أن “الإنسان ذئب لأخيه الإنسان” على حد تعبير الفيلسوف “هوبز”.
يعرج أيضأ حسن أوريد في هذه الرواية إلى قصة نبي الله إبراهيم مع أبنائه،إسماعيل الذي لقب ب”إسفل”،و إسحاق الذي لقب ب”إطسا” (ص 108- 109) و الصراع الفلسطيني العربي مع الإسرائيليين (ص 109)،بدون أن ننسى حرب النفط سنة (1973)،و انتعاش الإقتصاد بالعالم العربي بعد هذه الحرب (ص 110).
يحتوى هذا النص الروائي على 213 صفحة ،يريد أن يقول لنا فيها الكاتب و الروائي حسن أوريد،أن دعوته هنا دعوة هوياتية،و هي نوع من السعي إلى الكرامة و العدالة و المساوات،و لكنه يحذر مما قد تؤدي إليه من شيطنة للأخر و استعداء له،مُستحضرا بثنايا الأجمة في هذا السياق،ما دكره الكاتب أمين معلوف من أن الهوية قد تكون “قاتلة”.
فما هي الخلاصات التي ينبغي أن نستخلصها من “أجمة” أوريد ؟
أولاً : أوريد يدعو من خلال “أجمته” إلى الوحدة بين أطياف المجتمع المغربي،و قد دعى في ندوة أكادير يوم (12 يوليوز 2014) إلى المغربة marocanite (الكابوتشينو الذي تمتزج فيه جميع المكونات في نسيج واحد منسجم).
ثانياً : إستعمال استعارات هلامية (“إستعارة “السباع و النمور و البغال و الحمير..)،واضحة جداً بصفتها إستعارات،و لكنها غامضة من حيث ما تريد أن تدل عليه،فمن هو السبع المغربي هنا مثلاً ؟ فالسبع في نهاية التحليل هو سبع “الأجمة”.
ثالثا : من نتائج هذا الإبهام الإستراتيجي أن أوريد لم يذكر لنا في عرضه التعريفي الذي أقامه مركز الدراسات و الأبحاث الإنسانية (مدى) – ما هو المغزى من إستعمال حوالي أربعين إسما بين ما هو جغرافي و إسم لحيوناته الناطقة بروايته ؟ هل يريد من إدراجه لأسماء مناطق جغرافية باللغة الأمازيغية،أن يصحح التاريخ المزيف المغربي؟
خلاصة القول أن رواية “الأجمة” كنص سردي،رواية مغرية من ناحية لغتها العربية الجميلة،و التي تجعلك متحمسا لقرائتها،لكن تصورات مؤلفها الحقيقية غير واضحة،و أحلامه لم تلتزم بعد بقضية استرجاع الحق الهوياتي المسلوب.
محمد سعيد: عضو المكتب التنفيذي لمركز الدراسات والأبحاث الإنسانية