الحساب مطروز في “طرز الحساب “
قاسم العجلاوي مؤلف وباحث مسرحي
قدمت فرقة مسرح الأكواريوم عرضها المسرحي طرز الحساب يومي الجمعة 23 ابريل بالمركب الثقافي كمال الزبدي بالدار البيضاء ويوم السبت 24 أبريل بقاعة باحنيني بالرباط في إطار دعم الجولات المسرحية لموسم 2020 من طرف وزارة الثقافة.
المسرحية من تشخيص جميلة الهوني وٱمال بن حدو وجليلة التلمسي ورضى بنعيم وعادل أبا تراب والنص من تأليف حسن هموش وسينوغرافيا طارق الربح وإخراج نعيمة زيطان.
أول مايسترعي الانتباه هو عنوان نص العرض المسرحي طرز الحساب لدلالته التنافرية بين المشخص والمجرد، فالطرز صنعة ومنتوج مادي أدواته الابر والخيط والثوب وغاياته الزركشة باللون والشكل والحجم فالطرز في النهاية فن حياكة استهلاكي، أما الحساب فهو تحليل مجرد ونظام فرضي استنتاجي أدواته التحقق والتيقن من صدق الاوليات وغاياته التمييز بين الثابت والمتغير ويهدف الحساب في النهاية الى الخروج من الشك والاحتمال والوصول الى اليقين والبرهان اوالتصديق.
السؤال لماذا توسل الكاتب في عنوان نصه الى الدلالة التنافرية ؟ هل هذا التنافر مجرد وسيلة جمالية ام غاية وظيفية ؟ أم هو تنافر منشود نحو نموذج التغريب المسرحي؟
على ضوء الأسئلة المطروحة وانطلاقا من التوطئة السابقة يمكن القول إن النص طرز بالكلمات والحروف فوق ركح مكشوف في دلالاته ورسائله لمتلقي مفترض في القاعة أوأمام الشاشة .
طرز لحياكة نسيج لغة الحوارات في تكامل المواقف اوتقاطعها واعتماد شبكة من الأمثال الشعبية المتداولة التي تمتلك سلطة مدلولاتها الذهنية انطلاقا من دالاتها اللفظية باللجوء الى عالم الحيوان الذي يغلب فيه منطق حق القوة والصراع من اجل البقاء كما نجد في دلالات حلوف الخلا والكلب الشمشام وكلاب الكرنة وموكة والغراب والسبع والضبع والبقرة الكركوبة وغيرها من أسماء الحيوانات التي تحمل سمة ذات دلالة قدحية تحيل الى الجبن والمكر والخداع والجشع كما نجد في شخصية الاخ العم الاب المبنية على الطمع في الارث او حالة الأرملة وابنة الاخ كشخصيتان متكاملتان في الاحتماء بقوة القانو ن لمواجهة قوالب العم او شخصية الاخت العمة التي تحاول عدم تكرار أخطاء الماضي والاصطفاف الى جانب المطالبين بالحق باعتماد أسلوب التعنيف الجسدي والتشبيه بالمثل الشعبي المستمد من عالم الحيوان تم الشخصية الابن العاشق لإبنة عمه الذي يتواطئ ضد ابيه من أجل نصرة العدل وإحقاق الحق.
أعتقد أن النص استطاع مقاربة قضية اجتماعية راهنة باسلوب لغوي شعبي فهو قراءة حداثية بأسلوب ثراثي ولعل ذلك ما ميز النص بطرز محسوب أوحساب مطروز بالخصوبة والغنى في تقديم البدائل في مطالب النساء بالمساواة والانصاف بقوة القانون باعتبار القوة الاقوى من كل قوة وان الحقوق لا تمتلك مشروعيتها الواقعية الا عن طريق القوانين التي بدونها تضيع الحقوق وهذا ما يميز المجتمع المدني المتحضر.
هذه البدائل التي تخاطب العقل والوعي هي التي مكنت أطراف اللعب فوق الركح من امتلاك مهارات وكفاءات احترافية عالية في الأداء والتعبير الحركي وتأثيث الفضاء السينوغرافي برؤية اخراجية متمكنة وعالمة لطرز بالحساب (يتبع …)