2 نونبر 2024

جنازة دستور 2/2

جنازة دستور 2/2

تداول مفهومي *الدولة العميقة* و *التحكم* في الخطاب السياسي لم يقتصر على حزب العدالة و التنمية ليمتد إلى فاعلين آخرين…محاولتنا تتبع الأصول اللغوية والاصطلاحية للمفهومين قادتنا إلى الخلاصات التركيبية التالية.

أصل مفهوم * الدولة العميقة * تركي.يشار إليه بكلمتي

Derin develet

و يقصد بها مجموعة من التحالفات النافدة المناهضة للديموقراطية داخل النظام السياسي التركي…فكرة الدولة العميقة مشابهة لفكرة * الدولة داخل الدولة * …تاريخيا انتهجت في تركيا العنف ووسائل ضغط أخرى بطرق سرية في الأغلب. للتأثير على النخب السياسية والاقتصادية.لضمان انتهاج سياسات تحقق مصالح فئة معينة….

والدولة العميقة في تركيا مرفوضة من لدن اليساريين والإسلاميين معا…

المصطلح يروج في تركيا مند فترة السبعينات إبان حكم أجاويد….وقد وصفها رئيس الوزراء السابق سليمان دميرل كمرادف للقوات المسلحة و بكونها قادرة على إخضاع الدولة الشرعية في أوقات الاضطرابات…

رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان قال عنها في مقابلة تلفزية في 26 يناير 2007 * الدولة العميقة كانت موجودة دائما ولم تبدأ مع الجمهورية إنها تعود إلى الأزمنة العثمانية…إنها ببساطة تقليد…*.

ما سلف من إماطة لثام عن المفهوم يزيل كل انبهار *بالمعنى السوسيولوجي * إزاء تصريحات رئيس الحكومة المغربية حول وجود دولتين في المغرب…واحدة يرأسها الملك محمد السادس و الثانية يجهل بنكيران عنوان مقرها المركزي…وعاصمة حكمها أهي في أعالي الريف أم متحصنة بين صخور الرحامنة…

فالرجل معجب حد الافتتان بتجربة حزب العدالة والتنمية التركي درجة التماهي مع خطابه السياسي وإسقاط تمثلات الفاعل السياسي التركي على الحقل السياسي المغربي.

ولا غرابة في الأمر فالتحول في الخط الإديولوجي لفكر بنكيران وجماعته و بداية نسج خيوط العلاقة الفكرية و العقدية مع حزب العدالة التركي…بدأت منذ إعلان التوبة الشهير* ودفن فكر سيد قطب*…

و تقديم فروض الطاعة و الولاء لوزير الداخلية الراحل ادريس البصري…وإعلان القطيعة مع الخيار المسلح لعبد الكريم مطيع في بناء الإمارة الموعودة…* راجع مذكرات عبد الكريم الشادلي*.

لاتهمنا كثيرا تبعية بنكيران وصحبه فكريا وعقديا وسياسيا…فللناس فيما يعشقون مذاهب * طوق الحمام/ابن حزم*…لكن يعنينا – حد القلق- خطاب و سلوك رئيس الحكومة المغربية.فحزب العدالة و التنمية يرى

– من داخل الحكومة- الحياة السياسية المغربية بنظارات التجربة التركية…بلغة أدق الحزب يقوم بإسقاط تجربة سياسية مغايرة تماما في الزمان و المكان على واقع سياسي آخر له خصوصية النشأة و المسار و المال…وهذا اخطر ما في الأمر.

لكن لئن كان انبطاح قبيلة العدالة و التنمية لسطوة تداول مفهوم

*الدولة العميقة * وإعادة الإنتاج المكثف لاستعمالاته مبرر من زاوية العلاقة اللاعقلانية للمريد بشيخه…حيث سيطرة عنصر العاطفة أكثر من النقد العقلاني*عبد الله حمودي*… فإننا نستغرب كثيرا التداول السلس للمفهوم سواء داخل أوساط النخب الحزبية – تحديدا شعب اليسار- التي يبدو أنها فقدت حتى قاموسها السياسي المألوف و المنسجم مع أدبياتها السياسية…وليس فقط مصداقيتها أمام الرأي العام.

وجه الغرابة يتعاظم أمام التداول الإعلامي للمفهوم والصمت الأكاديمي الرهيب أمام طغيان أصوات الشعبوية والغوغاء…وكأني به تواطئ جماعي حيال واقعة اغتصاب واستباحة حرمة خطابنا السياسي…

والتطبيع مع مفاهيم دخيلة عليه مختلفة عن تربته الأصلية من حيث المبنى والمعنى…فعملية *التبيئة المفاهمية* يكون لها بالضرورة ثأثير على عملتي التحليل والتركيب.. أليست اللغة محددا رئيسا للفكر…كما يعلمنا درس فلسفة.

ان حزب العدالة و التنمية مارس بذكاء عجيب سيطرة لاشعورية على ذهنية الفاعل الحزبي و الجمهور معا…بفرضه مفاهيمه السياسية الخاصة وإشاعة تداولها…وأن كانت ليست تجليا ملموسا للواقع…اللهم إسقاطا تعسفيا استسلمت له نخبة حزبية فقيرة ثقافيا… متخلفة سياسيا…خاوية إيديولوجيا ومفلسة أخلاقيا …إذا لم تكن صناعة هاته النخبة ذاتها *هنا والآن*جزء من اللعبة برمتها…لعبة الإخضاع و الهيمنة * بيير بورديوه /صناعة الرموز*…// و هو ما سنأتي على ذكره لاحقا عند تفكيكنا لمفهوم * التحكم * رديف الدولة العميقة…العزيزة على قلوب- الإخوان- في العدالة و التنمية…//.

في المغرب أيها السادة لا توجد دولة عميقة.في المغرب مند زمن توجد طقوس و تقاليد و ممارسات…تكون مجتمعة منظومة سوسيو- ثقافية سياسية…عصية على الاختراق والتفكيكي البنيوي تسمى

*المخزن*…الذي شكل عماد وأسس دولة ما قبل الاستقلال ليدخل بعده في صراع شرس مع كل محاولة للتحديث والدمقرطة تطال كيان الدولة و بنيات المجتمع معا… وكلما حول التحديث اختراق قطاع أو مجال يكون المخزن قد تمدد في غفلة منه إلى رقع جغرافية اكبر…

واخترق شرايين قطاعات أهم وأنجع…لتصبح كل الملاعب أرضا للمعركة من السياسة إلى الاقتصاد مرورا بالمجتمع…ناهيك عن التعليم والإعلام…بله بنيات الأحزاب والمجتمع المدني…وهلما جرى…

هنا يكمن جوهر الصراع الحقيقي ببلادنا.صراع على السلطة من اجل الثروة…صراع الدولة الحديثة مع الدولة التقليدية…قوى حاملة لمشعل التغيير تريد الوصول إلى السلطة من اجل اقتسام عادل للثروة…و قوى مخزنية عتيقة و رجعية *ولو في لبوس تبدو حداثية*…من اجل امتلاك ظالم للثروة…

*أطروحات عديدة- لمن يعنيه الأمر- توجد برفوف مكتبات الجامعات المغربية حول الموضوع و تحديدا مفهوم المخزن و الصراع على السلطة بالبلاد *.

المخزن الذي ارتبط تاريخيا بمفاهيم*الهيبة/الخضوع/الطاعة/الولاء…* أريد له كمصطلح ومفهوم أن ينمحي من الخطاب السياسي لجزئ من اليسار- محوا للذاكرة- بإعلان محمد اليازغي نبا وفاته…وبالنتيجة اضمحلال حمولة المفهوم سيكولوجيا و ثقافيا…لدى الجمهور و تحديدا *ذهنية المناضل*…أمر لا يستقيم مع إعلان البديل الديموقراطي…

– المؤلف و المشروع السياسي معا-.

عناد الواقع السياسي المغربي سيطيل أمد حياة المخزن بأياد من حرير…إلى حدود مطالبته بان*يطلع برا* في مظاهرات 20 فبراير…

بعد دستور يوليوز 2011 ووصول حزب العدالة والتنمية إلى رئاسة الحكومة متأبطا برنامجا انتخابيا حالما… وصل سقفه إلى أعلى المستويات في جل القطاعات…سيصطدم الحزب بالواقع المرير ويعجز عن تصريف برنامجه والوفاء بوعوده…لتبدآ معركة الدفاع النفسي

وحماية الخطوط الدفاعية عبر آلية الهروب إلى الأمام… بأسلوب التراشق الخطابي مع الخصوم-الظاهرين-… و استعارة الرموز من قاموس كليلة و دمنة و ظهور مفاهيم جديدة في الخطاب السياسي من قبيل الدولة العميقة و التحكم و غيرهما…

إن ما اصطدم به الحزب في تدبيره الحكومي- حسب ادعائه – وعرقلة مسلسل تنفيذ برنامجه*الاصلاحي- االانقادي في اعتقاده*. هو ما كان يسميه المفكر المرحوم عابد الجابري ب*القوة الثالثة*…أو ما أطلق عليه المجاهد عبد الرحمان اليوسفي المركب المصالحي ومراكز مناهضة التغيير…التي لا تشكل في نهاية المطاف إلا الوجه الظاهر لبنية المخزن العتيقة…

فهل استنجاد الحزب مؤخرا ب*الكتلة التاريخية* عودة إلى صواب التحليل الملموس للواقع الملموس و بداية التفكير و التحليل  من داخل البنية السياسية المغربية بكل تجلياتها و تناقضاتها…أم الأمر مجرد طلب تكتيكي للمدد العسكري في أفق كسب معركة الحسم القادمة…

لدا على *العقل الجماعي* لحزب العدالة و التنمية أن يتحرر من *الجبن السياسي* ويطلعنا بجرأة المتمسك بالإصلاح و مصلحة الوطن…على حقيقة ما يعنيه ب* الدولة العميقة* في المغرب بعد تبيئته للمفهوم…

ما هي مكوناتها…امتداداتها…والأهم في حمولة المفهوم…

هل الملكية جزئ منها…

لا ان يقوم بتضليلنا بخطاب هلامي لا يساهم إلا في مزيد التباس و غموض و تحريف للصراع…فالتضليل اخطر انواع القمع… كما أورد عمر بنجلون…أم أن ذاكرة الإخوة مثقوبة…

غدا نواصل الجزء الثالث من مقالتنا…جنازة دستور…عبر محاولة تفكيك مفهوم التحكم…قبل تفحص التقرير النهائي للطبيب الشرعي… في زاويتنا …كلام عقلاء.

عبد الله طلال صحافي وكاتب

 

 

 

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *