تواصل اللقاءات التفاعلية حول مراكش ما بعد الجائحة
شهدت مدينة مراكش مجموعة من اللقاءات التفاعلية، بمشاركة مجموعة من الفاعلين، من جميع المجالات، لدراسة آفاق المدينة الحمراء، والمنطقة عموما ما بعد جائحة كورونا (كوفيد 19).
وتنوع المتدخلون كما تنوع المنظمون، وفي الآن نفسه تنوعت المواضيع والمحاور.
وكانت الوكالة الحضرية لمراكش من بين الجهات المنظمة، حيث كان آخر لقاء تفاعلي حول موضوع “مراكش من أجل مدينة مستدامة بعد جائحة كورونا”، بمشاركة ثلة من المسؤولين والفاعلين المؤسساتيين والجامعيين وخبراء من مجالات مختلفة.
وشكل هذا اللقاء التفاعلي، المنظم من قبل الوكالة الحضرية لمراكش تحت إشراف ولاية جهة مراكش آسفي، كما اللقاءات السابقة، والتي توزعت على شهر ماي (كل يوم ثلاثاء)، فرصة لفتح حوار جدي ونقاش مسؤول، بغية تقديم حلول وتدارس مقترحات كفيلة بضمان استدامة مدينة مراكش على كافة المستويات (الاقتصادية والاجتماعية والبيئة والتقنية) ومقاومة التغيرات المناخية والأزمات الصحية، انطلاقا من تنوع المؤهلات الطبيعية والمجالية لمراكش وتعدد خصوصياتها الثقافية والسياحية وعراقة موروثها وأصالة تراثها وجمالية حدائقها.
ومن المقرر أن تختتم هذه اللقاءات التفاعلية في يونيو المقبل، بإصدار توصيات تكون أرضية للفاعلين في جميع المجالات لتجاوز أزمة كوفيد 19، وانطلاقة حقيقية لمراكش ما بعد الجائحة، خاصة أن هذه الندوات واللقاءات التفاعلية لامست وتطرقت لمواضيع متنوعة، كانت بدايتها حول مستقبل الفضاءات العمومية بعد الجائحة (جامع الفنا وساحة الكتبية والمنارة وغيرها)، وناقش الفاعلون في اللقاء الثاني موضوع العمران، واستئناف أوراش البناء، فيما كان الموضوع الثالث “مراكش من أجل مدينة مستدامة بعد جائحة كورونا”.
وطرح موضوع هذا اللقاء الأخير نفسه بحدة أمام تداعيات جائحة (كوفيد-19) وإجراءات الحجر الصحي، وما تفرضه الظرفية من أهمية التعايش الاجتماعي وبناء القدرات داخل مجال يضمن تكافؤ الفرص ويوفر كافة الخدمات والتجهيزات والمرافق الضرورية والحد من الاختلالات والفوارق الاجتماعية، اعتمادا على تعمير مستدام ونجاعة طاقية وبيئة سليمة، وهي مكونات مجالية ضرورية لخلق مدينة مستدامة.
وفي هذا اللقاء، شدد مدير الوكالة الحضرية لمراكش، سعيد لقمان، على أهمية التنسيق والتفكير المشترك من أجل جعل مراكش مدينة مستدامة ومنسجمة ومندمجة ونظيفة.
وقدم لقمان، في هذا السياق، سلسلة من الاقتراحات لتحقيق هذا الهدف، تتمثل في اعتماد نمط تنقل مستدام وإيكولوجي لتقليص انبعاثات الغازات الدفيئة، وسياسة حضرية متجددة في شقها المرتبط بالتخطيط والتدبير، وكذا حكامة حضرية متعددة الأبعاد وتمويل محلي مستدام. وأكد على المقاربة التربوية، باعتبارها أحد المقاربات الأساسية في إعمال التغييرات المنشودة، قصد صون الموارد الطبيعية وتجنب الإخلال بالمنظومات البيئية.
وحث لقمان على تعميم رقمنة المصالح العمومية وتطوير جيل جديد من وثائق التعمير مرنة وقائمة على رؤية استشرافية، وتشجيع الاستثمار من أجل الاستجابة للانتظارات الاجتماعية، لاسيما في مجال السكن والتجهيزات والبنيات التحتية، وكذا استخدام مصادر الطاقة المتجددة من أجل مواجهة التغيرات المناخية والأزمات الصحية.
وتوقف عند خلق فرص للشغل وتقوية جاذبية المدينة، وحماية البيئة وتدبير أكثر نجاعة للنفايات، وعقلنة استخدام الموارد وتنزيل النجاعة الطاقية، واعتماد النقل الذكي وصون الهوية الثقافية وتعددية المواقع الطبيعية والتراث، مع السهر على حماية المؤهلات الطبيعية والخصوصيات الترابية، وعقلنة وتحسين استخدام المياه والموارد الطبيعية الأخرى. من جهتهم، تطرق باقي المتدخلين في هذه الندوة عن بعد إلى تصور الاستدامة بالتذكير بأسس ومبادئ ضمان مدينة مستدامة، مشيرين إلى أنه إلى جانب الآثار الوخيمة لهذه الأزمة الصحية على كافة المستويات، فإنها تشكل بالمقابل، فرصة لإعادة التفكير وتصور توجهات جديدة ورؤية استشرافية حول استدامة مدينة مراكش.
وكان سعيد لقمان، أبرز، خلال اللقاء التفاعلي الأول، حول موضوع “أية فضاءات عمومية ما بعد فترة رفع الحجر الصحي”، المكانة المركزية للفضاءات العمومية ضمن استراتيجية قطاع التعمير وتنوعها في المدينة الحمراء وتدبيرها خلال فترة الحجر الصحي، كإجراء أقرته السلطات لمواجهة الوباء عبر عمليات التطهير والتعقيم التي تستهدف الشوارع الرئيسية والأزقة وأحياء المدينة.
وتطرق لقمان إلى آثار فترة الحجر الصحي على هذه الفضاءات من قبيل ساحة جامع الفنا التي تحولت إلى “فضاء فارغ”، مشددا على أن العودة إلى الحياة الطبيعية يتطلب بعض الوقت وجملة من التدابير الاحترازية.
وبعد أكد على الأهمية المفصلية للتباعد الاجتماعي والأمن الصحي خلال فترة ما بعد الحجر الصحي، شدد المسؤول على أهمية فتح نقاش جدي حول “آليات التدخل الاستباقي لضمان تدبير أكثر نجاعة للفضاءات العمومية وإطارا ذكيا للتنقل”.
وقدم لقمان، في هذا السياق، عددا من الاقتراحات للتدبير الأفضل للفضاءات ما بعد الحجر الصحي، لاسيما في مجالات النقل والتنقل والتعمير، من قبيل المنع المؤقت لاستغلال الفضاءات العمومية من أجل الأنشطة التجارية والاقتصادية وإعادة تنظيم هذه الفضاءات وتحويل الأزقة التي يقل عرضها عن 10 أمتار إلى ممرات خاصة بالراجلين والتحسيس بأهمية احترام التدابير الصحية وإحداث لجان مختلطة لضمان احترامها.
وعبر لقمان عن أمله في أن تسفر أشغال هذا اللقاء الافتراضي عن إصدار توصيات وجيهة من شأنها أن تضمن التدبير الفعال والناجع لفترة ما بعد الحجر الصحي.
ويندرج هذا اللقاء التفاعلي في إطار منتدى “مراكش ما بعد كوفيد 19″، الذي يضم سلسلة من اللقاءات التفاعلية عن بعد، للتفكير والتشاور وتبادل الآراء والخبرات، بحيث تبقى الغاية الأساسية منه اعتماد مقاربة تشاركية مندمجة بين مختلف الفرقاء المعنيين لوضع آليات تدبير فترة ما بعد الحجر الصحي، خاصة من حيث كيفية استغلال الفضاءات العمومية ومعالجة اشكالية التنقل والسير والجولان.
يذكر أن سعيد لقمان، أكد في موضوع “قطاع التعمير في تدبير ما بعد جائحة فيروس كورونا”، أن “إجراءات فتح الأوراش تستوجب الأخذ بعين الاعتبار خصوصية مراكش”، مذكرا، في الآن نفسه، بالدليل المتعلق بتدبير مخاطر انتشار” كوفيد-19″ في أماكن العمل بقطاع السكن وأوراش البناء الذي أصدرته الوزارة الوصية.
وأوضح لقمان أن هذا الدليل يهدف إلى تهيئ الظروف الملائمة وفق شروط السلامة والوقاية الصحية للعمل بالأوراش، والذي جاء لسد الفراغ الكبير في المجال، بعدما تولدت تخوفات حول طريقة الاشتغال بعد استئناف الأوراش من جديد، والذي بات بالإمكان تنزيل الإجراءات المتضمن طيها.
ولم يفت لقمان الإشارة إلى أن قطاع البناء بالجهة يشغل يد عاملة مهمة جدا، بشكل مباشر أو غير مباشر، تضم عددا من العمال والمستخدمين والمهنيين والمصالح الإدارية المرتبطة بالقطاع، وتمثل 15 في المائة من السكان، ناهيك عن ارتباط القطاع بعدة قطاعات أخرى حيوية، منها الصناعة والنقل واللوجيستيك والخدمات والصناعة التقليدية والتأثيث التجهيزات المنزلية، ما يجعل قطاع البناء دعامة اقتصادية لكل القطاعات الأخرى.
وقال لقمان إن استئناف الأوراش يجب أن يكون بشكل حذر، على اعتبار كثافة الشغيلة بالأوراش التي تتجاوز أحيانا 100 فرد بالورش الواحد، ما يشكل مصدرا للاختلاط والازدحام داخل الورش، وأيضا، في محيطه.
واسترسل لقمان أن الأوراش الكبرى المهيكلة، والتي تشرف على تدبيرها مقاولات كبيرة، يسيرها منسقون ومهندسون، ستعمل بتلقائية على الانخراط في التدابير الوقائية، فيما يبقى السؤال المطروح حول الأوراش الصغرى والذاتية، وأيضا، تلك التي لا تعتمد على تصميم المهندس المعماري ولا تتوفر على رخصة الإصلاح، مشيرا إلى أن من بين الاجراءات المستقبلية فرض التصريح على جميع المشاريع وتحديد بداية ونهاية الأشغال، وهو الدور المنوط بالإدارات المعنية من المصالح المتدخلة لتشديد المراقبة والتحسيس والتوعية.
ونوه لقمان، في الأخير، بمقترح إحداث منصة لتتبع الأوراش، والتي ستمكن من تتبع التصاريح والمقاولات والعمال، إضافة للمنصات التفاعلية التي يتم الاشتغال عليها، حيث سيتم دراسة جميع هذه المقترحات وترتيبها، حسب الأولويات، من أجل تنزيلها على أرض الواقع.