بعد الجدل الذي رافق وفاة شاب دخل للعلاج… مصحة خاصة توضح
تلقت إدارة مصحة “الدارالبيضاء عين البرجة” باستغراب كبير، المتابعة الإعلامية التي خصصتها بعض المواقع الإلكترونية التي تناولت واقعة وفاة شاب من مواليد سنة 1988 على إثر تعرضه لحادثة سير بالمحمدية، حيث أدرجت تعليقا مصورا بالصوت والصورة لأقارب الضحية، وأشارت بأصابع الاتهام تصريحا وبالاسم للمصحة، في حين سلطت وسائل إعلام أخرى الضوء على نفس الموضوع تلميحا.
إن إدارة مصحة “الدارالبيضاء عين البرجة” وأمام الاقتصار على إدراج وجهة نظر واحدة، دون أن يتم منح المؤسسة الحق في الرد والتوضيح وتقديم رأيها في هذه الواقعة في حينه، كما تؤكد على ذلك قوانين وأعراف مهنة الصحافة، وتنويرا للرأي العام ورفعا لكل لبس، تعلن ما يلي:
تتقدم في البداية بالتعزية الخالصة إلى أقارب الراحل ضحية حادثة السير، وتتمنى من الباري عز وجلّ في هذا الشهر المبارك، أن يمطر عليه شآبيب رحمته الواسعة وأن يسكنه فسيح جناته وأن يلهم ذويه الصبر والسلوان.
تؤكد أن اطر المصحة بذلوا كل ما في وسعهم، وسلكوا كل الخطوات والمساطر الطبية المطلوبة والمعمول بها في مثل هذا النوع من الإصابات، ولم يبخلوا على الراحل بتسخير الوسائل العلمية المتطورة والموارد البشرية المتوفرة من أجل محاولة إنقاذه، لكن مشيئة الخالق كان لها رأي آخر، واختارت أن يلتحق بالرفيق الأعلى.
تشدد على أن أقارب المرحوم نقلوا الضحية إلى المصحة يوم الاثنين 20 ماي 2019 حوالي الساعة 11 ليلا، وهو في حالة غيبوبة وفي وضعية صحية بالغة الخطورة، جراء طبيعة الإصابة التي تعرّض لها، التي بيّنها التقرير الذي تم تسليمه لهم من مستشفى مولاي عبد الله بالمحمدية، فتم إدخاله إلى العناية المركزة، وخضع للفحص بـ ( البوديسكان )، الذي شمل سائر جسمه بشكل متوالي من أجل تحديد وضعيته الصحية الفعلية، وتكفّل به فريق طبي متعدد الاختصاصات، من أجل بحث سبل إمكانية إجراء عملية جراحية له، فتبين على أن حظوظ نجاحها جد ضئيلة، مما دفع إلى اتخاذ قرار عدم إجرائها.
توضح أن الراحل ظل تحت المراقبة الطبية والإشراف الصحي وتبين على أن وضعيته هي تتجه نحو التدهور عوض الاستقرار، حيث دخل في مرحلة موت دماغي، إلى أن وافته المنية يوم الأربعاء 22 ماي 2019، حوالي الساعة العاشرة ليلا.
وعليه، فإن إدارة مصحة “الدارالبيضاء عين البرجة” تؤكد:
أنها لم تمنح أي أمل زائف لأسرة الضحية بخصوص وضعيته الصحية، ولم يجزم أي مسؤول بإمكانية علاجه أو إجراء عملية جراحية له، بما أنه لم يتم تأكيد جدواها من الناحية العلمية والطبية من طرف المتخصصين.
تشدد على أنها بالقدر الذي تتفهم فيه معاناة أسرة الضحية أمام مصابها الجلل، إلا أنها ترفض وبنفس القدر التشهير والمساس بها وبمهنييها، من خلال اختلاق ادعاءات وافتراءات كاذبة.
توضح أن المبلغ الذي تم الترويج على أن المصحة طلبته كمقابل من أجل تسليم جثة الضحية لأسرته هو غير صحيح كليا، وينطوي على مبالغة كبيرة، وتؤكد على أن المصاريف المسجلة هي أقل بكثير جدا مما تم إعلانه، والفواتير والملف كله متوفر ويمكن للجهات المختصة أن تطلع عليه بمنتهى الشفافية.
تذكر أن الضحية دخل المصحة على إثر حادثة سير وتوفي على إثرها، وبالتالي لا يمكنها تسليم الجثة لأسرته، إلا بعد استيفاء المساطر القانونية المعمول بها، لأن الأمر يتعلق بحالة وفاة غير طبيعية، ويجب نقل الضحية إلى مستودع الأموات الرحمة من أجل التشريح بناء على تعليمات النيابة العامة، لهذا لا يمكن وبأي شكل من الأشكال أن ترضخ المصحة لطلب أسرة الراحل لأنه يجب اتباع المسطرة التي ينص عليها القانون.
وبخصوص الادعاء بأن المصحة طالبت أفراد أسرة الراحل بالتبرع بأعضائه للتنازل عن المصاريف المادية التي يجب عليهم تأديتها لها، تذكر إدارة مصحة “الدارالبيضاء عين البرجة” بأن:
المغرب كان سباقا على المستوى المغاربي في مجال زرع الأعضاء والأنسجة إذ أجريت أول عملية زرع الكلي على المستوى المغاربي سنة 1985 بالدار البيضاء، وعملية زرع القلب سنة 1995 بالمركز الاستشفائي ابن سينا بالرباط، في حين عرفت بلادنا انطلاقا من سنة 2010 إنجاز أول عملية لزرع الأعضاء من مانحين في حالة موت دماغي بموافقة عائلاتهم، وذلك بالمستشفى الجامعي بالدار البيضاء، قبل أن تعمم بالمستشفيات الجامعية الأخرى.
تم اعتماد قانون واضح وصارم يتعلق بالتبرع بالأعضاء والأنسجة البشرية وأخذها وزرعها، ويتعلق الأمر بالقانون رقم 16.98، وبالموازاة مع ذلك تم تفعيل مجموعة من الأجهزة من ضمنها المجلس الاستشاري لزراعة الأعضاء والأنسجة البشرية، ولجان زرع الأعضاء بالمستشفيات الجامعية، والتنسيقيات الاستشفائية وشبكة المستشفيات التي تشتغل على زرع الأعضاء، ضمانا للشفافية ولقانونية كل الخطوات المتعلقة بهذا الموضوع، وقد تميز هذا القانون المنظم لزراعة الأعضاء في المغرب بكونه أكثر صرامة من بين القوانين الأخرى، حيث حسم في كل ما من شأنه التلاعب بأعضاء البشر من خلال المسطرة المتّبَعة التي يتحمل فيها المشرفون على العملية مسؤولية كبرى للحيلولة دون محاولة الاتجار في الأعضاء أو أي شيء من هذا القبيل.
وفي هذا الصدد يجب التذكير بأن المادة 6 من القانون رقم 16.98 تنص على أنه لا يجوز، مع مراعاة أحكام المادة 25 من هذا القانون، إجراء عمليات أخذ الأعضاء البشرية وزرعها، سوى في المستشفيات العمومية المعتمدة. ويؤكد هذا القانون على أنه لا يمكن أن تكون الأعضاء البشرية محل مساومة أو أن تصبح معاملة تجارية، لأنه واضح في هذا الباب ويعاقب على ذلك بالسجن والغرامة، كما أنه لا يمكن وبأي شكل من الأشكال أن تتم عملية أخذ عضو بشري في مكان غير المستشفيات العمومية، ولا يمكن أيضا زرع أعضاء بشرية داخل مستشفيات غير واردة في القائمة المنصوص عليها في المادة 25، وهي العقوبات التي تتطرق إليها المادة 30 و 31 من القانون.
وبالعودة إلى إدعاء أقارب الضحية المذكور، فإن الطبيبة المشرفة التي تواصلت معهم وأخبرتهم بوضعية الراحل الذي كان يوجد في حالة موت دماغي، وبيّنت لهم على أنه محكوم بالموت علميا حتى لا يترقبوا أمرا لن يكون قابلا للتحقيق ويبنوا آمالا عريضة تتجاوز حدود الواقع الفعلي لحالة المريض حينها، علما بأنه من الناحية الطبية كان حيّا آنذاك وبأن الوفاة لا يمكن إعلانها إلا حين توقف القلب عن نبضاته، فتحت في خضم هذا النقاش مع أقارب الضحية، موضوع إمكانية التبرع بأعضائه بالمركز الاستشفائي الجامعي ابن رشد وفقا لمسطرة قانونية، ووضحت لهم بأن هذه الأعضاء التي إن وافقوا على التبرع بها يمكنها أن تنقذ أرواح وحياة أشخاص آخرين، وهو ما يعتبر صدقة جارية، ويعود بالرحمة على المرحوم وقد يخفف من آلام أسرته على فراقه وهم يرون كيف ساهم في أن يحيي أرواحا أخرى، هذا النقاش الذي لم يكن مقترنا بأية مساومة كيفما كان نوعها، انتهى في حينه بمجرد أن عبر أقارب المرحوم عن رفضهم لهذه الفكرة.
نقاش تؤكد المصحة، أنه ليس وليد اليوم، ولا يقتصر على الحالة موضوع المتابعة الإعلامية وهذا البلاغ الصحفي، بل هو نقاش يفتحه مهنيو الصحة كل من موقعه، في حالات يكونون فيها أمام أشخاص في وضعية موت دماغي، فيطرحون الفكرة إسهاما منهم في تبليغها، نظرا لأن موضوع التبرع بالأعضاء بشكل عام، يحظى باهتمام بالغ في أوساط الأطباء والفاعلين السياسيين والحقوقيين والفقهاء و رجال الدين، وكان وزير الصحة السابق البروفسور الحسين الوردي، قد دعا أمام عدد كبير من الوزراء والمنتخبين، والقضاة والعلماء، وممثلي المؤسسات الصحية وضمنهم ممثل منظمة الصحة العالمية خلال أشغال اللقاء الوطني لتشجيع التبرع بالأعضاء والأنسجة البشرية في 22 أبريل 2015، إلى تشجيع المغاربة على التبرع بأعضائهم، وأكد أن هذا الأمر هو مرتبط بإعادة الثقة في المؤسسات والكفاءات، والتحسيس بأهمية التبرع كشكل من أشكال التضامن والتكافل الاجتماعيين التي يمكن لقنوات التنشئة الاجتماعية خاصة المدرسة، والمسجد، ووسائل الإعلام، والمجتمع المدني وخطباء المساجد أن يلعبوا دورا أساسيا في المساهمة في تعديل العديد من المواقف والقناعات التي كونها الناس حول هذه المسألة.
ودعا الوزير آنذاك، كل حسب موقعه، من مهنيي الصحة، ورجال الدين والفقهاء، والنشطاء في مجال حقوق الإنسان، والمجتمع العلمي والمجتمع المدني إلى تكثيف الجهود لمعالجة هذه النواقص والانخراط الفعلي والعملي حتى تصبح عملية التبرع واقعا نتعايش معه، وشكّل هذا الموضوع محور خطب للجمعة، ودعوات للعلماء والأطباء منذ ذلك الحين إلى يومنا هذا، وعليه فإن الطبيبة حين طرحت الفكرة، تناولتها من هذه الزاوية المهنية والإنسانية النبيلة، خدمة للغير، لا مقابل أي شيء آخر، خلافا لما تم الترويج له، خاصة وأن القانون واضح في هذا الباب، ولا يمكن مخالفته بأي شكل من الأشكال، لأن من يخالفه سيكون عرضة للمسائلة القانونية التي يستوعب الجميع تبعاتها.
إن إدارة مصحة “الدارالبيضاء عين البرجة”، تدعو الصحافيات والصحافيين من مختلف وسائل الإعلام، إلى توضيح اللبس والغموض الذي رافق هذه الواقعة الأليمة، انطلاقا من الواجب المهني والرسالة الإعلامية النبيلة لكل المهنيين، وتشدد على أن موضوع الدعوة إلى التبرع بالأعضاء ليس وليد اليوم، بل هو متواصل منذ سنوات وإن كان بشكل محتشم نوعا ما، وتؤكد على أن الجميع معني به من أجل نشر هذه الثقافة التي تنهل من تعاليم الدين الإسلامي الحنيف ” ومن أحياها كمن أحيا الناس جميعا” صدق الله العظيم. وتدعو بالمقابل إلى تحري الصدق قبل نشر الوقائع التي قد يشكل نشرها ضررا بالغا للمتضررين، وتشدد على أن المصاب الأليم الذي أصاب أسرة الراحل لا يجب أن تكون بأي شكل من الأشكال دافعا إلى ترويج بعض أقاربه لمغالطات وتقديم تصريحات هي بعيدة كل البعد عن الحقيقة.