النهوض بإقليم آسفي، من هنا البدء…
بقلم: نور اليقين بن سليمان
في يناير 2012، كنت قد نشرت مقالا ، تناول التهميش الذي يشهده إقليم آسفي ،و ما قد يطال هذا الإقليم من استنزاف بعد إلحاقه بجهة مراكش والحوز و الرحامنة. اليوم ،و وسط زخم الحديث والبحث عما يسمى بالنموذج التنموي،ارتأيت العودة لنفس الموضوع لتجديد التأكيد على انتظارات ظلت معلقة.
كل من سبق له أن زار آسفي أو اشتغل فيها أو يعرف قدراتها و إمكانياتها، أو يكون إقليم آسفي مسقط رأسه وأرض الآباء والأجداد ،سيتحسر كثيرا لواقع هذا الإقليم عموما. أنا واحد ممن يتحسرون على حال المنطقة العزيزة، الغنية بمواقعها وطبيعتها وبمخزون مواردها البشرية.
أكيد ، هناك من سبقوني في إثارة تفاصيل المشاكل التي تعج بها المدينة، كما أن الصحافة الوطنية والجهوية تتناولها من حين لآخر عبر بعض مراسليها الذين يدركون نبل الرسالة الإعلامية التي تطوقهم. وكثيرة هي الأقلام المحلية الصادقة، التي لم تتعب ولم تكل من تناول و إبراز القضايا الحارقة لعل “أولياء الأمر” يلتفتون إلى هذه المدينة والإقليم. في هذه الورقة،قد لن أفلح في الإتيان بمستجد،لكن هي رغبة شخصية مني للمساهمة في تكرار إثارة المعلوم من الهموم ،و بالتالي الانخراط في حملة تكسير حواجز الصمت و التفرج .
مسؤولية المكتب الشريف للفوسفاط
مدينة آسفي هي نقطة صغيرة من إقليم شاسع، أراده البعض، و منذ عقود، أن يبقى مهمشا ضدا في تطلعات سكانه وانتقاما من معانقتهم للمد التقدمي في زمن سابق، و لكي يظل الإقليم منطقة احتياطية قابلة للاستنزاف في الزمن المناسب، كما سنرى لاحقا.
إن تنمية المدينة رهين بتنمية الإقليم ككل. ومن العبث، حسب ما أعتقد، الحديث عن أي نهضة للمدينة في معزل عن التنمية المتكاملة للإقليم.
مدينة آسفي هي امتداد لأطراف مترامية داخل إقليم تختلف نوعية تربته و تضاريسه ،من سهول و جبال و هضاب.فأي تخلف لجزء من هذه الأطراف سيؤثر سلبا على المدينة/المركز ،و هذا هو الحاصل اليوم فعلا.
نعم، لم تتقدم المدينة كما يتوق سكانها،و لم يتقدم الإقليم أيضا بسبب بؤس “السياسات التنموية” المتعاقبة إن وجدت،و بسبب ضعف أداء جل منتخبي المدينة والإقليم، ونظرا لعدم التخلص من عقد الخوف التي فرضت على الناس طيلة سنوات الجمر،في الوقت الذي فتح فيه المجال ،و شرعت الأبواب، في وجه الطفيليات كي تعبث و تنهب و تتلاعب.
هذه عناوين عريضة لأسباب أدت لتخلف الإقليم ،وجرت العادة أن يتم التركيز عليها و ذكرها و الجهر بها حتى في مناسبات أمام مسؤولين،لكن لماما ما تتجرأ قلة من الأصوات وتجهر بذكر أسباب أخرى.
مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط لها دور محوري في تنمية الإقليم إن أرادت،بسبب تواجدها القوي ،و بفعل ما ينسب إليها ،لكن لم تتحمل سوى النزر القليل، و هو المتمثل في ما تجود به لفائدة الإقليم و لبعض الجمعيات.
باختصار، الوقائع المؤلمة تقول أن نشاط المؤسسات التابعة للمكتب الشريف للفوسفاط ساهمت ،و ما زالت تساهم، في تدمير البيئة و الإنسان و البحر. تفاصيل هذا التدمير تعرفها ساكنة المدينة و آلاف أسر العالم القروي ، و أجيال من الذين أفنوا حياتهم في مناجم الفوسفاط باليوسفية و لاحقا في المركبات الكيماوية بضواحي آسفي.
من حق الإقليم أن يستفيد من جزء من عائدات الفوسفاط ، و من واجب إدارة هذا القطاع أن تحد من الخسائر و الأضرار التي تلحقها بالإقليم،و من قواعد الحكامة أن تعيد النظر في تعاملها مع مكونات المجتمع المدني ،و تسهر على أن توجه ما تدفع من دعم مالي لفائدة التنمية الحقيقية ،و ليس لملئ الجيوب ولإسكات أفواه “منتقدين”…
قطاع صحة مريض
مؤلم جدا أن لا يتوفر الإقليم،في صيغته القديمة أو الحديثة، سوى على مستشفى إقليمي و احد،سارت بذكره الركبان من حيث تسييره أو قدراته، و قواعد التعامل مع مرضاه و أسرهم.كل ساكنة الإقليم تقصد هذا المستشفى أو مستشفى اليوسفية من أجل العلاج،و في حالات كثيرة يفرض على المرضى التنقل إلى مراكش أو الرباط أو الدار البيضاء بسبب ضعف التجهيزات أو انعدام تخصصات…
من أجل استشارة طبية، أو حقن إبرة أو تداوي جرح ،على المواطن القروي قطع مسافة لا تقل عن عشر كلمترات،في المتوسط ،للعثور على مستوصف بأحد ما يسمى المراكز الحضرية و لا قدرة له على تلبية الحاجيات و الضروريات.
لا داعي للتذكير بالأرقام التي كشف مدى الخصاص الذي يعاني منه السكان، إذ قراءة في الخريطة الصحية للإقليم تؤكد أن واقع الشأن الصحي بآسفي مأساوي،وسبق أن نددت به احتجاجات مواطنين في عدة مناسبات لكن دون أن يتحرك أحد من أجل معالجة القطاع و تطويره ،بل و تطهيره من المتلاعبين و المتاجرين بصحة المواطنين، و من المرتشين الذين يزيدونه تأزما بممارساتهم المخجلة.
مشاكل بالجملة و برامج التنمية مؤجلة
لا أحد ينفي أن شبكة مؤسسات التعليم الثانوي والتأهيلي غير قادرة على استيعاب أبناء العالم القروي.الكثير من الأطفال ينقطعون عن الدراسة بسبب الفقر،و القليل منهم يتحملون عبئ قطع الكلمترات يوميا لاستكمال تعليمهم الإعدادي أو الثانوي.إن قلة المؤسسات التعليمية،وضعف تجهيزها،و غياب داخليات تستوعب المحتاجين و تضمن التغذية وشروط الإقامة المريحة بها، كل هذا يدفع أطفالا و شبانا إلى الانقطاع عن الدراسة و التيه في المدن المجاورة و القريبة وراء كسب قوتهم و مساعدة أسرهم التي سحقها الزمن.
الطرق الرئيسية المهترئة بالإقليم عليها انتظار زيارات ملكية ليتسنى إصلاح بعضها،حسب اعتقاد السكان ،علما أن كل الإصلاحات السابقة كانت مغشوشة لم تصمد سوى لشهور معدودة.بخصوص المسالك التي تربط الدواوير بالطرق الرئيسية و الثانوية فحدث و لا حرج،وعدم تعبيدها و جعلها صالحة للاستعمال ،يعكس مستوى أداء الجماعات المنتخبة منذ عقود، و يطرح سؤالا حول مدى استفادة ساكنة الإقليم من المداخيل المتعددة المصادر، ومن برامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية،و من هي الجهات و الجيوب التي استفادت منها،و بما ذا أفادت الجهة المحدثة ساكنة الإقليم؟ في هذا السياق، تبقى الطريق الرابطة بين جمعة سحيم واليوسفية خير شاهد على ما ذكرت.
إن الإصغاء لما يتناقله هناك المواطنون في حديثهم،سيقرب من يعنيه الأمر من الجواب و فهم بعض أسباب هذا التهميش، و معرفة مصير جزء مهم من الاعتمادات التي يقال أنها تخصص لتمويل” البرامج التنموية” .
حسب ما يعلم الجميع،يتوفرالإقليم على أسواق مهمة،و بعضها يضاهي أكبر الأسواق على الصعيد الوطني.أسواق من المفروض أن تكون مصدرا من المصادر التي تساهم في التنمية بحكم مداخليها. مع الأسف هذا ما لم يحصل بسبب عقلية التسييرالمهيمنة منذ عقود.لقد فوتت جل هذه الأسواق لذوي القربى و النفوذ، و تحولت لتنمية بطون و جيوب شرذمة معلومة لدى الجميع، في غياب المراقبة و المحاسبة….
لقد نجحت الدولة في تعميم الكهرباء على جل مناطق المملكة،بفضل البرنامج الوطني لكهربة القرى.إقليم آسفي من الأقاليم المغربية التي استفادت ساكنتها من هذا المشروع الذي استغل في حملات انتخابية،و ما زال يستعمل كورقة ضغط ضد جزء من الساكنة .أما مشروع تزويد العالم القروي بالماء الصالح للشرب فما زال متعثرا بالإقليم ،مثله مثل مشاريع استراتيجية أقبرت في مهدها و طالها النسيان أو يكاد.
في هذا المضمار ،يحضرني المشروع السقوي لعبدة العليا،الذي تأجل تنفيذه لأسباب تبقى غير مفهومة وغير منطقية بالنظر لما صرف من أجله على مستوى الدراسات و التجهيز و أشياء أخرى.و تأجيل أو إقبار هذا المشروع يعكس مدى روح الاستهتار و الارتجال لدى السلطات المركزية و الجهوية.
بالأمس القريب ،كانت آسفي و ما جاورها تشتهر بكونها مدينة السمك.لقد ظل الصيد البحري يشكل أهم القطاعات الإستراتيجية،وله دور وازن في التنمية الاقتصادية والاجتماعية بالإقليم.هذا الواقع تغير اليوم،و أسباب أزمة الصيد البحري يعرفها المسفيويون و قبلهم المهنيون،سيما منذ أن تحولت سواحل المدينة إلى أحواض موبوءة بفعل جرائم الثلوت المرتكبة في حقها …
الخوف من أوساط نافذة و لوبيات قادمة …
عموما ،يعاني إقليم آسفي من نقص كبير في مجالات أخرى،منها القضايا العميقة للتعليم سواء بالوسط الحضري أو الوسط القروي ،و انشغالات طلبة الكلية والمعاهد العليا، و هموم المهنيين في الفلاحة والصناعة التقليدية والخزف . وإضافة إلى ضعف الاهتمام بالإشكالية البيئية ،التي لها تأثير على الصحة والاقتصاد، هناك خصاص واضح على مستوى البنيات الثقافية والرياضية والشبابية،التي تكاد تنعدم في جل مناطق الوسط القروي.
باختصار وجيز ،إن هذه المشاكل ،المذكورة ،قد تزداد استفحالا مع انضمام إقليم آسفي لجهة مراكش تانسيفت،في إطار التقسيم الجهوي الجديد.
لقد أشرت في بداية هذه الورقة إلى فرضية الإبقاء على إقليم أسفي كمنطقة احتياطية لاستنزافها ،من لدن أوساط نافذة و لوبيات من خارج الإقليم .و في حالة استمرار ضعف و وهن نخبة إقليم آسفي، أخشى أن يصبح الإقليم فريسة بين أيدي هذه الأوساط و تكون ساكنة إقليم آسفي آخر من يستفيد من فتات تنمية الجهة.
أمام هذه الوضعية الدقيقة، ليس من بديل لدى النزهاء من المسؤولين و النواب، و المخلصين من نشطاء أبناء آسفي ،في وسطه القروي و الحضري،سوى التعاون و التعبئة، و الضغط من أجل تحقيق طفرة تنموية حقيقية ،يكون مدخلها الأساسي :
ـ فرض قواعد الحكامة و المحاسبة و المشاركة على مستوى تدبير الشأن المحلي ،و القطع مع مظاهر الريع و التبذير و الامتيازات، و إنهاء العمل بالعقلية السائدة التي تستغل المسؤوليات الإدارية و التمثيلية من أجل الثراء الغير مشروع و تحويلها إلى مناصب لنهب المال العام .
و تتوخى هذه الطفرة التنموية تحقيق ما يلي:
ـ ضبط و تنويع الموارد المالية ، و ترشيد النفقات و توجيهها نحو التنمية ذات المردودية الاجتماعية السريعة.
ـ خلق مناخ و بيئة نهضة سياحية عبر إشراك المهنيين و مختلف الكفاءات من أبناء الإقليم.
ـ إقرار استراتيجية بيئية ذات أبعاد تنموية،وعلى مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط أن تساهم مساهمة فعالة في أي تنمية مستدامة للإقليم و للجهة.
ـ التسريع بانجاز المشاريع الكبرى المبرمجة والمؤجلة….
ـ إحياء مشروع السقي و توسيعه.
ـ إصلاح مخارج الطريق السيارة،و باقي الطرق الأساسية المهترئة.
ـ التسريع بتزويد القرى بسقايات أو حنفيات الماء الشروب ،مع تبسيط عمليات ربط المساكن بهذه المادة الحيوية و بدون مساومات .
ـ التسريع بتجميع الأراضي الفلاحية وحل مشاكل التحفيظ ليستفيد الفلاحون الصغار والمتوسطين من الدعم و التأطير والقروض.
ـ وضع مخطط لإنعاش الصيد البحري و مهنييه، و خلق قرى صيد نموذجية تهدف إلى خلق فرص الشغل و إلى الرفع من جودة التغذية عبر تسويق أنواع من السمك، بشكل واسع، وسط الأسر الحضرية و القروية.
ـ إحداث البنيات التحتية الضرورية ، كتعبيد الطرق و إصلاح المسالك، و إحداث مستوصفات اقتصادية، و مآوي الطلبة و دور الشباب و مراكز التكوين و ملاعب،مع التركيز على الوسط القروي .
ـ العناية بتلاميذ الوسط القروي و بطلبة الكلية و المعاهد.
ـ دعم الصناعة التقليدية و صناعة الخزف،و خلق ورشات و فضاءات حرفية في المجالات القروية.
ـ إحياء بعض الحرف التقليدية و تشجيع العمل التعاوني بين فئات الفلاحين و الحرفيين.
ـ توجيه التكوين المهني نحو دعم التخصصات الأساسية التي تتماشى وحاجيات الإقليم، و تساير مستلزمات تنميته، مثل الزيادة في مراكز التكوين في مجالات الفلاحة و الصيد البحري و الصناعة التقليدية و صناعة الخزف و حرف أخرى.
ـ خلق أوراش صغيرة و متوسطة ،تجمع بين التطوع و خلق مناصب شغل، على شاكلة حملات غرس الأشجار و صيانتها،حفر الآبار الجماعية و رعايتها،تعبيد الطرق و تشييد بنايات التعاونيات …
ـ إعادة النظر في طريقة تدبير و تسيير و تنظيم الأسواق الأسبوعية و النموذجية و سوق الجملة،بما يخدم الباعة و التجار و الفلاحين و المواطنين و المراكز الحضرية.
ـ إشراك الموطنين ،عبر الجمعيات الجادة و التعاونيات و الجماعات و النشطاء، في صناعة القرارات و تنفيذها.
ـ الإنصات للانتقادات و لدواعي الاحتجاجات ،و التعامل معها بشكل راقي و ديمقراطي.
ـ تشجيع تبادل الخبرات و نقل التجارب الناجحة بين أقاليم الجهة بهدف تحقيق التكامل .
هذه المطالب و المقترحات ليست ابتكارا، إنها ضرورة كان من المفروض إعمالها منذ سنوات،بل منذ عقود،و اليوم لم يعد من الممكن تأجيلها،أو التهاون في تحقيقها. أكيد أنه في جعبة الفعاليات و الأفراد اقتراحات أخرى مهمة و من حقهم التعبير عنها. لذا على السلطات و الهيئات المنتخبة أن تستمع لنبض ساكنة الإقليم،و أن تعلم أن وجودها في تلك المناصب و المراكز هو من أجل خدمة الإقليم و ترجمة انتظارات أهله إلى واقع ملموس.طبعا، الرحيل سيكون مفيدا جدا لكل من عجز أو لمن لا يستطيع مواكبة هذه الانتظارات.
لذا ،إن أي تفكير آخر، أي ممارسات أخرى، و أي إهمال جديد،سيما في هذه الظرفية، ستكون له تبعاته، سوف لن يفهم بالتأكيد،و طبيعي أن أبناء و شباب إقليم آسفي سيعرفون كيف يتصدون له بشكل منظم و مسؤول.
ملاحظة: تعمدت عدم تناول قضايا، ذات أهمية، كالبطالة والهجرة القروية وما يتعلق بتخليق الإدارة و تعامل السلطة، وكلها مشاكل حاضرة تستحق المتابعة لاحقا.