النموذج التنموي المغربي الجديد… الملك يضع المقاربات ويرسم التوجهات ويبادر
تجاوب الملك محمد السادس، الخميس الماضي، مع انتظارات الملايين من أبناء شعبه، مؤكدا من خلال تعيين أعضاء اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي أنه أقرب إنسان من نبض الشارع المغربي إذ مر جلالته بهذه الخطوة إلى السرعة القصوى عبر اختيار كفاءات وقامات من العيار الثقيل لإحداث التنمية المنشودة التي ما فتئ يدعو إليها ويصبو نحوها.
لقد اختار الملك وبعناية فائقة 35 عضوا يمثلون مختلف المشارب والمجالات الحيوية لغاية واحدة ووحيدة هي بحث ودراسة الوضع الراهن، بصراحة وجرأة وموضوعية، بالنظر إلى المنجزات التي حققتها المملكة، والإصلاحات التي تم اعتمادها، وكذا انتظارات المواطنين، والسياق الدولي الحالي وتطوراته المستقبلية وفق ما شدد عليه بلاغ صادر عن الديوان الملكي.
وسترفع هذه اللجنة وفق البلاغ ذاته، بحلول الصيف المقبل، التعديلات الكبرى المأمولة والمبادرات الملموسة الكفيلة بتحيين وتجديد النموذج التنموي الوطني للملك قصد إعطاء تعليماته لتقويم الخلل الموجود وتعزيز المكتسبات من أجل رخاء أبناء شعبه الذين يشكلون الأولوية القصوى لديه.
وتعطي سرعة ترجمة الخطاب الملكي الذي تحدث عن تشكيل هذه اللجنة، ووقوف الملك شخصيا على كل صغيرة وكبيرة وفي وقت وجيز قصد تشكيل هذا الفريق المنسجم الكثير من الأمل في أن النتائج ستكون مرضية جدا وفي القريب العاجل وستعود بالنفع على الوطن والمواطنين.
لقد تشكل لدى الملك ومنذ مدة وعي أن النموذج التنموي المغربي في حاجة لإعادة النظر والتقويم والوقوف عند مكامن الخلل دون عقد ودون أدنى حرج… لأن الغاية تبقى نبيلة وهي الوصول لنموذج تنموي مغربي يراعي التحولات داخليا وخارجيا ويضمن الكرامة والعيش الرغيد.
ويبقى هذا الوعي الحاصل لدى جلالته أكبر ضامن لإيجاد صيغة تنموية مغربية تستجيب لتطلعات المغاربة، كما يبقى إذا تظافرت الجهود حوله المخرج المضمون للإشكالات التنموية بالبلاد خصوصا أنه سيراعي شيئين أساسيين هما رهانات ملك وانتظارات شعب تواق لكي يرى بلاده تتقدم نحو الأفضل.
وسيساعد هذا المشروع التنموي الجديد في تنزيل ورش الجهوية المتقدمة أو الموسعة على السكة الصحيحة وعلى إعادة توزيع الثروة والمنافع بالتساو بين الجهات ووصول التنمية لكافة ربوع الوطن، والقطع مع استفادة محور الدار البيضاء الرباط وحده من المشاريع الكبرى والمهيكلة فالتنمية بالمنظور السليم هي تنمية وطن لا تنمية محور معين وتنمية تعود بالخير على كل جهات المملكة.
وسيكون على خبراء هذه اللجنة بعد أن تلقوا الضوء الأخضر من عاهل البلاد التفكير في توليفة مناسبة لتوفير المطالب الملحة والحاجيات المتزايدة للمواطنين: التربية والتكوين والشغل والتغطية الصحية… إلى غير ذلك، بجانب الحد من الفوارق الاجتماعية بين الفئات المختلفة ومن الاختلالات المجالية.
وتفرض التحديات المستقبلية على الجميع باختلاف مواقعهم ومناصبهم التعاون مع هذه اللجنة والانفتاح عليها وهو دور منوط بالطرفين وتقديم اقتراحات عملية تخرج المغرب من الوضع الراهن وتجيب على انتظارات حوالي 40 مليون مغربية ومغربي.
ينتظر الملك ومعه الشعب المغربي من هذه اللجنة المعينة أمس، تقديم إجابات واضحة حول مكامن الخلل والجواب عن سؤال واضح هو لماذا تخلف المغرب تنمويا؟ حتى باتت بعض الدراسات ذات المصداقية، تؤكد أن البلد يعرف أعلى مستوى للفوارق في شمال إفريقيا، رغم الانخفاض النسبي الذي عرفه هذا المؤشر في العقدين الأخيرين.
لقد أسس الملك محمد السادس الخميس، لثقافة جديدة قلما تجد نظيرها لدى الملوك والرؤساء وهي الاعتراف بنقص ما وبإخفاق ما… وهذا الاعتراف هو نبل في حد ذاته وخطوة إيجابية للسعي نحو الأفضل وتجويد النموذج التنموي المقبل، وتقويم الاختلالات بكل موضوعية بهدف تفادي بعض العثرات في المستقبل.
لقد جدد الملك محمد السادس تعاقده مع المغاربة من أجل البحث سويا حول النموذج التنموي المنشود والذي سيجعل المغاربة يجنون الثمار عما قريب بفعل نظرة ملكية تتعقب المستقبل بذكاء وحكمة.