العنف المنزلي يحول الحجر الصحي إلى مأساة للنساء
«كان زوجي على الدوام خارج المنزل، يستخدمه كأنه فندق للنوم والاستراحة، ويقضي أغلب أوقاته في العمل ومع أصدقائه، وكان هذا الأمر مفيداً لي، لأنه يجنبني التعرّض للعنف بشكل مستمر. بعد انتشار فيروس #كورونا، صرت أتعرّض للعنف بشكل يومي، وأحياناً أمام أطفالي»، تقول “جين”، وهي امرأة من مدينة #عامودا، فضّلت عدم الكشف عن هويتها.
حالة “جين” واحدة من حالات كثيرة، غير موثّقة، لنساء يعشنَ في مناطق #الإدارة_الذاتية في سوريا، ويتعرَضن للعنف المنزليّ، منذ إعلان الإدارةِ وقوى الأمن الداخليّ حظر التجوّل في مناطق شمال وشرق سوريا، للحدّ من انتشار فيروس “كورونا”.
ووثّقت منظّمة “سارا لمناهضة العنف ضدّ المرأة”، ومقرّها مدينة #القامشلي، حتّى الآن، تسع حالات لنساء تعرّضن للعنف المنزليّ، وستة حالات تم تسليمها إلى دار الحماية التابعة لـ”هيئة المرأة” في شمال وشرق سوريا.
وسوريا من الدول الخمسين الّتي وقّعت على اتفاقية “سيداو” عام 1979، التي تتبنّى مكافحة التمييز ضدّ النساء بمختلف أشكاله، وصادقَت عليها خلال المرسوم التشريعيّ رقم (330) في عام 2002. لكن، رغم ذلك، فإنّ سوريا تحفّظت على عدةِ بنودٍ من الاتفاقيّة، مثل البند المتعلّق بمنح الجنسية للرجل الأجنبي، في حال تزوّج من امرأة سوريّة، والبند المتعلّق بحقوق وواجبات الزواج، وعزت ذلك إلى كون الشريعة الإسلاميّة مصدراً أساسيا للتشريع في الدستور السوري.
ودعا “أنطونيو غوتيرس”، الأمين العام للأمم المتحدة، خلال بيانٍ صحافيّ مصوّر، إلى ضمّ مسألة معالجة العنف المنزليّ ضدّ النساء إلى الخُطط الوطنيّة لمواجهةِ انتشار فيروس “كورونا”. وأكد “غوتيرس” في بيانه أنّ «العنف لا يقتصر على ساحات المعارك، والعالمُ شهِدَ مؤخّراً تنامياً مخيفاً للعنف المنزلي، في ظلّ الأزمةِ الاقتصاديّة والاجتماعيّة، التي نتجت عن انتشارِ فيروس “كورونا”».
أغلب حالات العنف غير موثّقة
تصطدم محاولات توثيق حالات العنف ضدّ النساء في مناطق “الإدارة الذاتية” بالعادات والثقافة المجتمعية، إذ أنّ قسماً كبيراً من النساء المعنّفات يرفضن توثيق حالاتهنّ وتقديم الشكاوى إلى الجهات المختصّة.
وبمراجعةِ قوائم توثيق حالات العنف ضدّ النساء تبيّن أن الحالات الّتي يتم توثيقها بشكلٍ سريّ، أو التي تجمع المؤسّسات الإعلاميّة والأفراد المعلومات عنها، أكثر من الحالات التي يتم توثيقها رسمياً، والتي لا تزال محدودة إلى حدٍ كبير، ولا يصل معظمها إلى القضاء أو الرأي العام.
تقول “نجاح أمين” الإداريّة والناطقة الإعلاميّة في منظّمة “سارا لمناهضةِ العنف ضدّ المرأة”، إن «هناك حالات كثيرة في فترةِ “كورونا”، لكن لم يتمّ التبليغ عنها». وتعزو ذلك إلى «أسباب اجتماعيّة، وأيضاً إغلاق مكاتب المنظّمات والمؤسّسات المعنيّة بأحوالِ النساء».
وقامت منظّمة “سارا” بمخالفةِ الحظر، وفتح مكتبها أثناء فرض قوى الأمن الداخليّ في شمال وشرقِ سوريا حظرّ التجوّل، واستقبلت حالات لنسوة تعرّضن للعنف على يدِ أقربائهن في فترةِ الحجرِ المنزليّ. وقدّمت استشارات نفسيّة وأمنيّة لمساعدة النساء على حماية أنفسهنّ من العنف المنزليّ.
من جهتها قامت “هيئة المرأة” في شمال وشرق سوريا، في فترة الحظر، بافتتاح “دار حماية”، لاستقبال النسوة اللاتي يتعرّضن للعنف الأسريّ بسبب الحجرِ المنزليّ.
تقول “جيهان خضرو”، الرئيسة المشتركة لـ”هيئة المرأة في شمال وشرق سوريا”، في حديثها لموقع «الحل نت»، إنه «بعد قيام الإدارة الذاتية بفرض حظر التجوّل، ازدادت حالات العنف ضدّ النساء، بمختلف أشكاله: الجسديّ والنفسيّ والاجتماعيّ، ما دفع هيئة المرأة لافتتاح دار الحماية أثناء فترة الحظر».
وتنسّق “هيئة المرأة” مع “مجلس العدالة” و”دار المرأة”، الّتي تعمل على مغالجة المشاكل باستدعاء العوائل، ومحاولة إيجاد حل لخلافاتها.
قوانين غير مساعدة للحدّ من العنف
مع إعلان “الإدارةِ الذاتيّة” في شمال وشرق سوريا، وتأسيس الهيئات التابعة لها، تشكّلت هيئة خاصّة بالمرأة، عملت في قضايا العنف ضدّ النساء، وتحضير قانون خاص بالنساء في مناطق سيطرة “الإدارة الذاتية”. تقول “جيهان خضرو” إن: «القوانين لاقت الرفض أحياناً من قبل الرجال، وفي أحيان أخرى من قبل النساء أنفسهن. نحن بحاجة إلى توعية المجتمع بضرورة تشكيل عائلة سليمة»، حسب تعبيرها.
بالمقابل لم تخصص “هيئة المرأة” أرقاماً هاتفية للتبليغ عن حالات العنف ضدّ النساء في فترةِ انتشار “كورونا”. لكن “خضرو” تبيّن أن «”هيئة المرأة” تنسّق بشكل كبير مع قوى الأمن الداخلي و”مجلس العدالة”».
وبحسب “هيئة المرأة” فإنّ أغلب الحالات التي تمّ توثيقها مؤخّراً هي لنساء تعرّضن للضرب والاعتداء الجسديّ من قبل الزوج أو الأخ، بعد أن زادت ساعات وجود الرجال في المنزل.
وتقلّص عمل مؤسّسات “الإدارةِ الذاتيّة” المعنيّة بشؤون المرأة في فترة انتشار “كورونا”، بسبب قرار تعليق عمل المؤسّسات الرسميّة وغير الرسميّة للحدّ من انتشار الفيروس. لكن ظلّت مؤسّسات، مثل “دار حماية الطفل” و”دار حماية المسنّات” ودور الحماية الخاصّة بالنساء المعنّفات، مستمرة في عملها.
النساءُ ضدّ النساء
وتقرّ الرئيسة المشتركة لـ”هيئة المرأة” بوجود فئة من النساء تقف ضدّ النساء، «نعم ثمّة نساء ضدّ النساء. هناك قسم من النساء في مجتمعنا يحمل ثقافة وذهنيّة ذكوريّة. وهذه الظاهرة لا تتحمل المرأة مسؤوليتها، بل تعززت بسبب العادات والتقاليد المجحفة، الممارسة بحقّ النساء»، تقول “خضرو”، مشيرة إلى أنّ التحريض الموجود على صفحات التواصل الاجتماعيّ، كان سبباً في ازدياد حالات العنف ضدّ النساء.
تصطدم قضيّة مناهضة العنف ضدّ النساء في مناطق “الإدارة الذاتية”، بمعوقات كثيرة، عشائريّة وعائليّة ودينيّة وقانونيّة واقتصاديّة، فالمجتمع المحليّ لا يزال يتسم بالعشائريّة، والعادات والتقاليد الّتي تقدّم صوراً نمطيّة مسيئة للنساء، ولا توجد قوانين عصريّة يمكن أن تؤدي للحدّ من العنف الجسديّ والنفسيّ بحقهنّ، وصارت هذه الحالة أكثر وضوحاً بعد تفشّي فيروس “كورونا”، مع عدم وجود برامج توعية مدنيّة، وتعاريف واضحة وصريحة لأشكال وأنواع العنف، وغياب فرص الاستقلاليّة الاقتصاديّة والقانونيّة للنساء عن عوائلهنّ، وعدم الإجهار بالقضايا المتعلّقة بالعنف أمام القضاء والرأي العام.
“الحل نت”