“السير جنوبا باتجاه الشمال” مذكرات موريتاني معتقل سابق لدى “البوليساريو” الحلقة (3)
محمد فال القاضي أكاه واحد من الموريتانيين ضحايا “البوليساريو” والجزائر في الفترة ما بين 1975 – 1999، “المغربي اليوم”، ينشر على حلقات جزءا من تجربته المريرة في سجون العار والتي ضمنها فال في حلقات ضمن كتابه “السير جنوبا باتجاه الشمال”.
يتحدث محمد فال القاضي أكاه الموريتاني الجنسية وهو من مواليد 1960 خلال هذه الحلقات عن تجربته الخاصة بعد الانضمام إلى جماعة “البوليساريو” الانفصالية وعما عاشه وعاناه من ممارسات ترفضها الشرائع السماوية والقوانين الإنسانية في معتقلات “البوليساريو” بالجزائر.
السير جنوبا باتجاه الشمال
الحلقة (3)
استمرت الرحلة يوما كاملا ، وفي حدود الساعة التاسعة ليلا وصلنا العاصمة السنغالية دكار، وفي وسطها توقفت بنا السيارة أمام أحد الفنادق فنزل منها الوسيط (العميل) ثم دخل الفندق ، وبعد قليل كان واقفا في مدخله يتحدث مع شخص آخر قدمه لنا لاحقا باسم (فريد) ، وأنه ينتظرنا بسيارة ليقلنا إلى غينيا بيساو حيث يوجد في عاصمتها مكتب للبوليساريو سيتولى إعداد وثائق السفر والتذاكر لنا لنستقل الطائرة إلى الجزائر.
بعد أن أكمل حديثه مع (فريد) ، عاد إلى مقعده في السيارة وطلب من سائقها باللهجة الإفريقية (ولاف) أن يتقدم قليلا فامتثل للأمر، وكان كلما تقدم طلب منه تغيير الاتجاه حتى كاد ينفجر من الضجر لكثرة ما طلب منه الالتفاف يمينا ويسارا إلى أن توقف بنا في النهاية أمام مبنى بدا واضحا أنه مدرسة فطلب منا الوسيط أن ننزل ونتبعه ثم صعد بنا سلما ضيقا ومظلما حتى وصل إلى باب صغير في الطابق الثاني ، وبعد أن دقه عدة مرات فتحت لنا إحدى سيدتين كانتا توجدان بداخله ، عرفنا فيما بعد أنهما قدمتا من موريتانيا قبلنا بأيام ، وأن الغرفة الصغيرة التي سنقيم معهما فيها تعود لأحد الطلاب الموريتانيين ، وأنه أعارهما إياها حتى يعود من العطلة الفصلية التي لم يبق على نهايتها سوى يومين .
كانت مساحة تلك الغرفة في أحسن تقدير لا تتعدى ستة أمتار مربعة ، بها سريران صغيران يفصل بينهما حصير بالي من البلاستيك ، وكان علينا نحن الخمسة بالإضافة إلى السيدتين أن نكدس أنفسنا مثل علب السردين في تلك المساحة الضيقة ، وأن نتحمل لسعات البعوض طيلة تلك الليلة ، غير أننا كنا نعزي أنفسنا بان هذا الوضع لن يستمر أكثر من ليلة ، لأن الوسيط سبق وان أخبرنا بأن (فريد) جاء خصيصا بالسيارة من غينيا بيساو ليصحبنا معه وقت وصولنا ، لكن ولسوء الحظ عرفنا في الصباح أن إقامتنا في تلك الظروف البائسة ستطول لأنه علينا الحصول على وثائق عبور من السفارة الغينية وهو أمر يتطلب عدة أيام ، والمفاجأة الأكبر كانت حين علمنا أيضا أن من كان سيصحبنا في سيارته إلى غينيا بيساو عاد أدراجه في الليلة نفسها لأساب أمنية حسب زعم وسيطنا (ماء العينين ولد الزمراكي) ، مدعيا أنه سيعود لنا حين نحصل على أوراق العبور المطلوبة .
ترقبوا في الغد الحلقة الرابعة
ينشر باتفاق مع الكاتب محمد فال رئيس جمعية ذاكرة وعدالة التي تهتم بشؤون ضحايا سجون “البوليساريو” من الموريتانيين.