14 دجنبر 2025

الذكرى الثلاثيين للأديب محمد خير الدين ببني ملال: قراءة أكاديمية في كتابة التمرّد وتحوّلات الذات

الذكرى الثلاثيين للأديب محمد خير الدين ببني ملال: قراءة أكاديمية في كتابة التمرّد وتحوّلات الذات

 

 

 

احتضنت كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة السلطان مولاي سليمان – بني ملال، يومه 13 دجنبر 2025، يوم عرفان لاستعادة المسار الإبداعي للكاتب المغربي الراحل محمد خير الدين، أحد أبرز رموز الأدب المغربي المدون بالفرنسية، وذلك تحت عنوان: «محمد خير الدين: كتابة الذات، المجال والخيال المتمرّد».

ويأتي هذا الحدث العلمي ثمرة تعاون بين مختبر LRALLARC، وجمعية البحث العلمي اوريكا Eurêka. وقد عرف حضورًا وازنًا لأساتذة وباحثين مغاربة وأجانب، إضافة إلى طلبة الماستر والدكتوراه على تعددية لغات بحثهم والمهتمين بحقول السرد والشعر والدراسات الثقافية.

كلمة افتتاحية تؤسس لرهانات قراءة نقدية جديدة

استُهلّ اللقاء بكلمة تأطيرية قدّمها الدكتور منير وسكوم، والذي أكد على ضرورة إعادة إدراج نصوص خير الدين ضمن النقاش النقدي الراهن، لما تنطوي عليه من جرأة أسلوبية ورؤية استشرافية إزاء ما يشهده الانسان من تحديات العيش والصمود بعالمنا المتحول هذا. نصوص جعلت من الكاتب نموذجًا للتمرد الأدبي والبحث الدائم عن كتابة استثنائية ومتحررة من القوالب النمطية.

جلسة علمية تستكشف دفاتر الكتابة الخيرية

قدّمت الباحثة الفرنسية برناديت راي ميموزا-رويز Bernadette Rey Mimoso-Ruiz، من المعهد الكاثوليكي بتولوز، مداخلةً بعنوان: اليوميات الأخيرة (2001): لخير الدين “. وقد انصبت قراءتها على تحليل الطابع الاعترافي الجريء الذي يميّز نصوص محمد خير الدين في مرحلته الأخيرة، مع التركيز على تمثّلات الجسد والمرض، وعلى فعل الكتابة بوصفه ممارسةً وجودية تسعى إلى تحقيق شكل من أشكال المصالحة النهائية مع الذات.

كما أولت الباحثة اهتمامًا خاصًا للبعد اللغوي، من خلال مساءلة اختيار محمد خير الدين اللغة الفرنسية وسيطًا للكتابة، معتبرةً إياها مجالًا للتوتر والتفاوض بين الذات واللغة، وفضاءً تعبيريًا تتقاطع فيه التجربة الذاتية مع رهانات الهوية والاختلاف. وقد أسهمت الخلفية اللغوية والثقافية للباحثة، بصفتها باحثة فرنسية، في تعميق هذا المنظور التحليلي، بما أتاح مقاربة نقدية دقيقة لخصوصية الكتابة لدى خير الدين ضمن سياقها اللغوي والثقافي.

فيما تلتها مداخلة الباحث محمد كندي والتي أتت موسومة ب: «البحث عن الذات بين الفوضى النصية وسكون التعبير: رحلة خير الدين نحو الحرية»، مفككًا بنيات الكتابة الخيرية بوصفها مسارًا متعدد الطبقات، يتراوح بين الانفلات اللغوي والتوترات الدلالية، وبين الحاجة إلى التهدئة في سنواته الأخيرة.

فيما قدّم الباحث عبد إله الهلالي مداخلة بعنوان: «الترحال والحس الغنائي في المتن الخيري»، مبرزًا أن كتابة خير الدين تُعيد تشكيل الجغرافيا السوسية من خلال لغة نابضة تزاوج بين الحركة الفيزيائية والحركة التخيلية.

اختتم المشاركات الباحث هشام صمادي بمداخلة بعنوان: «الجيوشعرية السوسية: الأرض، الأسطورة والانتفاضة في كتابات خير الدين»، مؤكدًا أن الكاتب أعاد ابتكار علاقة جديدة بين اللغة والمجال، عبر توظيف الأسطورة والمجال بوصفهما محرّكا للذات الفردية والجماعية.

نقاش علمي يعيد مساءلة الإرث الأدبي لخير الدين

شهدت الجلسة نقاشًا معمّقًا توقّف عند قيمة المشروع الإبداعي والأدبي للكاتب، وحاجة الجامعة المغربية إلى مواصلة الاشتغال النقدي حوله، سواء عبر إعادة نشر أعماله أو إدراجها في البرامج الأكاديمية، باعتبارها نموذجًا للكتابة المتمردة التي تُجسّد هواجس الهوية وتحوّلات الذات.

ختام يعيد تثبيت خير الدين كصوت أدبي له صدى أزلي

اختُتمت الفعالية بالتأكيد على ضرورة إعادة قراءة خير الدين ضمن سياقات جديدة، تجمع بين الدراسات الثقافية، وأهمية التحليل الجغرافي-الشعري بكافة المجالات التي عاش بها محمد خير الدين، ومقاربات الكتابة الذاتية، لإبراز غنى تجربته وقدرتها على الإلهام.

وبتنظيم هذا اليوم العرفاني، تكون كلية الآداب والعلوم الإنسانية ببني ملال عبر مختبر الأبحاث التطبيقية في الأدب والفن واللغة والتمثلات الثقافية LRALLARC، وجمعية اوريكا للأبحاث والدراسات في اللغة والأدب والهوية Eurêka، قد أسهموا في إعادة إحياء أحد أهم الأصوات الأدبية المغربية “محمد خير الدين”، صوتٍ ظلّ وفيًّا لفلسفة الكتابة التي تنحاز دومًا إلى الحرية، وإلى إعادة خلق واكتشاف الذات والعالم معا.