الدبلوماسية المغربية: قوة ناعمة
علي المطهري
طالب باحث في سلك الدكتوراه
المملكة المغربية الشريفة آخذة في البروز بأفريقيا. بعد أن عادت عودة قوية للاتحاد الأفريقي[1]، أي بعد ما يقارب 33 عامًا من الغياب، عاد المغرب الآن للانضمام إلى المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا. وجاءت هذه العودة نتيجة لإستراتيجية ذكية قادها الملك محمد السادس، الذي زار إفريقيا جنوب الصحراء في مناسبات عديدة منذ العقد الأول من القرن الحادي والعشرين صحبة نخبة من رجال الدين ورجال الأعمال. ولا يمكن نكران أن هذه الزيارات الملكية الرسمية المتتابعة لها الفضل في زيادة النفوذ المغربي في القارة.
فالمغرب في سياسته الخارجية ومنذ عهد الملك الراحل “الحسن الثاني” كان يعتبر إفريقيا جزءا من أسرته بالرغم من التحفظات إزاء سلوك ومواقف العديد من القادة الأفارقة بخصوص مشكلة الصحراء. كما أن هناك ارتباط ديني[2] بين المغرب ودول غرب إفريقيا والتي نشر فيها الإسلام على يد المغاربة، حيث كان من أولويات المغرب أن تثبت إفريقيا ذاتها على الساحة الدولية، وقد كان يقول الحسن الثاني عن إفريقيا في تلك الحقبة: “إن إفريقيا مريضة بقادتها وهذه تبعات الاستعمار[3].
ولم تأت عودة المغرب لمنظمة الاتحاد الإفريقي من فراغ، أو من باب الترف، بل تم التأسيس لهذه العودة بشكل مُمنهج ودبلوماسي مُحكم، فالارتباط المغربي بالجذور الإفريقية تم التنصيص عليه والاعتراف به في دستور المملكة الشريفة، والذي أكد في تصديره إلى الروافد الإفريقية للمغرب.
لقد اختار المغرب سياسة التوجه جنوبا نحو إفريقيا منذ أن تربع ا الملك محمد السادس الحكم، حيث قامت السياسة الخارجية للمغرب على تعزيز ما اصطلح عليه بالتعاون جنوب جنوب.
وتدين هذه النهضة الجديدة للمغرب على الساحة الأفريقية بالكثير لدبلوماسيتها الدينية ، وهي قوة ناعمة حقيقية نشأت وتعززت بعد الهجمات التي هزت المملكة الشريفة في 2003 (الدار البيضاء) و 2011 (مراكش). استنادًا إلى العقيدة الأشعرية والفقه المالكي والصوفية كرحلة روحية، يُنظر إلى الإسلام المغربي على أنه منفتح ومتسامح وضامن للاستقرار من قبل العديد من الدول الأفريقية لأنه يعطي مكانًا كبيرًا للاجتهاد. كما يلقى هذا النموذج الديني صدى قويًا في إفريقيا لأنه و كما وضح بيير فيرمرين، المحاضر المتخصص في تاريخ المغرب العربي المعاصر بجامعة باريس : “هناك طلب حقيقي باسم البلدان الأفريقية التي تواجه موجات من الهجمات”.
الإسلام المغربي في إفريقيا
أشاد وزير الشؤون الدينية في مالي، تيرنو أمادو عمر، على هامش مؤتمر دولي عقد في وجدة (شمال المغرب) حول موضوع “الدبلوماسية الدينية وتحديات الأمن والاستقرار الإقليميين”، بالتواجد المغربي في إفريقيا، موضحًا أن هذه الدبلوماسية لا تندرج في إطار “دبلوماسية سياسية” بقدر ما هي ثمرة “لعلاقة ضاربة في التاريخ”. هذا القرب التاريخي والروابط الثقافية التي توحد “الدول العربية الإفريقية أساسًا” – على حد تعبير الوزير المالي – مع إفريقيا سلط الضوء أيضًا على كلمة ألقاها وزير الأوقاف أحمد التوفيق في 9 فبراير 2016 ، في الدورة 43 لأكاديمية المملكة الشريفة حول العلاقات بين المغرب وغرب إفريقيا. ففي هذا الخطاب، نبه الوزير إلى أهمية النموذج المغربي من حيث استغلال الدين في إفريقيا، كما تعهد، حسب قوله، بالاستقرار السياسي والديني، وهو شرط لا غنى عنه للتنمية الاقتصادية.
يعتمد هذا التصدير للإسلام المغربي بشكل خاص على تدريب الأئمة من قبل معهد محمد السادس، الذي يلعب دورا مهما في امتداد هذه القوة الناعمة المغربية من أجل تقاسم الخبرات في الشؤون الدينية و ذلك عبر إنشاء مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة. كما يذكر العالم السياسي إسماعيل الركراكي ، في مقابلة مع موقع Telquel.ma أنه ” تم التحقق من البعد الديني لسياسة المغرب الأفريقية خلال الجولة الملكية للسنغال وكوت ديفوار والغابون في مارس 2013, حيث سافر جلالة الملك مع وزير الحبوس ، أحمد توفيق ، لإعادة تأكيد الصلة مع الشخصيات الدينية الإسلامية “.
القوة الناعمة في خدمة المصالح الاقتصادية
الاهتمام بالدبلوماسية الدينية لا يتوقف عند هذا الحد. فهو يعتبر بوابة حقيقية و مهمة للمغرب و إفريقيا جنوب الصحراء على حد سواء، حيث تسمح هذه الدبلوماسية بعلاقات ودية وثيقة ، وتسهل عملية توقيع العقود الكبيرة وإقامة شراكات اقتصادية. أي هناك تكامل حقيقي بين هذين الجانبين للدبلوماسية ، الدينية والاقتصادية.
وقد رافقت الدبلوماسية السياسية التي شهدتها فترة قبل العودة المغربية للحضن الإفريقي، دبلوماسية أخرى موازية على المستوى الاقتصادي حيث بادر المغرب إلى إطلاق جملة من المشاريع الاستثمارية في العديد من الدول الإفريقية،
إن هذه القوة الناعمة الدينية المغربية تجعل من الممكن دعم التوسع الاقتصادي المغربي في إفريقيا من خلال البنوك والمجموعات الكبيرة المتخصصة في مجالات الاتصالات والأغذية الزراعية والنقل. إذ يمثل غرب إفريقيا 10٪ فقط من التجارة المغربية ، لكن هذه التجارة تنمو بسرعة ، كما يوضح بيير فيرمرين.
علاوة على هذا، فقد ذكّر المدير العام للتعليم العالي في السنغال خلال مؤتمر وجدة ، باباكار غوي ، صحيفة Lemag.ma المغربية بأن المملكة الشريفة قد وقعت حتى الآن 133 اتفاقية شراكة تنموية مع عدة دول, أي دول القارة.
ولا ننسى أن الاقتصاد أصبح كأهم محدد في العلاقات السياسية بين الدول بل يمكن القول إنه المحدد الرئيسي فيه. لهذا نجد المغرب ربط علاقات اقتصادية ثنائية مع الكثير من الدول الإفريقية رغم موقف بعضها السياسي الغامض اتجاه وحدته الترابية في إطار النهج “البراغماتي” الذي أصبحت تتبناه الدبلوماسية المغربية، فمقاربة “رابح رابح” ستكون ذات منفعة على جميع الأطراف حيث تستفيد الدول الإفريقية من التجربة المغربية على اعتبار أنه خامس قوة اقتصادية في إفريقيا، وتستفيد المقاولات المغربية في الاستثمار في العقار والبنوك وغيرها من الميادين الجديدة على البلدان الإفريقية، بلغة الأرقام فالمغرب نسج شبكة واسعة من الاتفاقات الدولية وتعزيز الاستثمارات ذات الطابع الثنائي والإقليمي، حيث بلغت 18 اتفاقية مع بلدان إفريقية. وتسع اتفاقيات تفادي الازدواج الضريبي، واتخذت الحكومة المغربية منذ يناير 2011 تدابير وإجراءات صرف تحفيزية لدعم تموقع المستثمرين المغاربة في القارة الإفريقية وذلك برفع سقف الاستثمارات المعفاة من ترخيص مكتب الصرف من 30 مليون درهم إلى 100 مليون درهم، تشجيعا لتدفق رؤوس الأموال المغربية إلى البلدان الإفريقية. حيث أصبح المغرب بفضل هذه التدابير المستثمر الإفريقي الثاني بعد دولة جنوب إفريقيا، وذلك بتنوع في قطاعات الاستثمار في أزيد من 25 دولة[4]، وهذا الاهتمام ساعد المغرب في اكتساب زخم كبير بفضل الزيارات الملكية للعديد من الدول، وذلك بتبني مقاربة جديدة في العلاقة مع الدول الإفريقية تركز كل التركيز على البعد الاقتصادي.
بعد هذا العرض السريع؛ نستطيع القول أن المغرب تمكن من الانضمام إلى منظمة الاتحاد الإفريقي ويأتي هذا تتويجا لسنوات من العمل الدؤوب في العمل الديبلوماسي الذي قاده جلالة الملك نصره الله وأيده.
ونضيف شيء مهم؛ جُل ديبلوماسيات العالم، اليوم أصبحت تتنافس وتتهافت على القارة الإفريقية لما تمتلكه من ثروات طبيعية هائلة.
[1]وافق قادة الاتحاد الأفريقي على عودة المغرب إلى المنظمة ليصبح العضو الخامس والخمسين بعد 32 سنة من انسحاب الرباط من الاتحاد، وجاء القرار في جلسة مغلقة في القمة الأفريقية المنعقدة في إثيوبيا
[2] هناك روابط ضاربة في العمق تجمع المغرب بدول إفريقيا، وكان المكون الديني؛ المتمثل في العقيدة الأشعرية والفقه المالكي والتصوف على طريقة الجنيد أهم الروابط والوشائج التي كان لها الفضل في توطيد الصلة والعلاقة
عبد اللطيف الفيلالي، المغرب والعالم العربي، مطبعة دار النشر المغربية، الدار البيضاء 2008، ص: 133[3]
4 ملف العلاقات المغرب–إفريقيا. مجلة المالية. صادرة عن وزارة الاقتصاد والمالية المغربية. العدد 28- غشت 2015. ص6