2 نونبر 2024

التفاوض العلني، ميزان القوة والانتقال التجريبي

التفاوض العلني، ميزان القوة والانتقال التجريبي

 

يتم أمام أعيننا، وفي واضحة النهار تفاوض معلن وشبه رسمي حول مآل الانتخابات القادمة. وهو «تفاوض» يتم بمعزل عما عرفناه – أو تعودناه – في الانتخابات السابقة، قاموسا ورهانات وآفاقا.. ويطبعه الحديث عن مستقبل السياسة والانتخابات في المغرب ، بعد 7 أكتوبر.. من زاوية طبيعة الدولة نفسها.

لقد تحدث الأستاذ عبد الإله بنكيران عن «الدولتين« في أعالي الدولة المغربية، ثم انتقل إلى الحديث عن ضرورة نهاية الوساطة السياسية بين الملك والشعب، وهي في الحقيقة بين الملك وممثلي الشعب الانتخابيين والاجتماعيين عموما….

هذا التفاوض ،يظهر من خلال إحدى ميزاته الأساسية ألا وهي إعلان الكثيرين أنهم سيحتلون المرتبة الأولى انتخابيا، لا يمكن فهمه إلا باعتبار أن الذي سيحدد النتيجة، ليست هي التمثيلية السياسية، بقدر ما سيكون مركز الدولة (أيا كانت هذه الدولة ، الرسمية التي يرأسها الملك أو التي لا نعرف ماهيتها وكينونتها ، بالتقسيم الذي ورد في حديث رئيس الحكومة )، ومما يزيد من قوة الفرضية، أن حديثا متواترا في وسط الحزب الحاصل على الأغلبية،يعلن رفض أي «تخل عنه في الانتخابات القادمة.

وتعبيرات ذلك لم تكن سياسية ولا تمتح من قاموس المتداول الإعلامي في أدبيات السياسة بالمغرب، بل كانت مباشرة وبالواضح الممل.

فقد نسب إلى الأستاذ عبد الإله بنكيران أنه عبر عن خوفه من مآل مشابه ، بالقول «”تقضيو بي وترميوني..» ”

وجدد القيادي في شبيبة الحزب، التي تكون لقاءاتها مع الأمين العام منصة دائمة وذات دلالة لإرسال الرسائل إلى من يهمه الأمر أن قال” لن نقبل بأن نرمى في مزبلة التاريخ«.”

وقد أعطت السياقات الحالية، في تزامن حديث السيد بوقرعي عن المزبلة، نكهة مُرَّة لهذا الاستشباح (من الشبح) ، في سياق الغضب الشعبي من مزابل «الطاليان» والفورة المجتمعية التي خلقتها.

لكن في العمق، التخوف يتيح الحديث عن قوة قادرة على منح النجاح لمن تريد ساعة ما تريد وكيف ما تريد..

وبدا الخروج واضحا من العقلانية السياسية ومن القاموس التنافسي .. والدخول في «رغبة الأمير»، كما تحددها الماكيافيلية السياسية..

وهذا يعني أيضا أن الانتقال الذي نبحث عنه سيظل تجريبيا إلى إشعار غير محدد..

2- التفاوض الذي نحن بصدد الحديث عنه يلغي شرطا أساسيا من شروط الحملة الانتخابية: الحصيلة الاجتماعية للسياسة الحكومية.

لحد الساعة نجحت الأغلبية وبعض من المعارضة في تهميش هذا الجرد الضروري للحكم على أية سياسة عمومية.

كما لو كان الأمر يتعلق بنقل الحديث من أزمة اجتماعية، يتخوف منها الكل، إلى أزمة سياسة يتحملها الكل!

الواقع الذي بين أيدينا هو وجود معضلات اجتماعية ، وتقارير اقتصادية آخرها تقارير بنك المغرب والباطرونا، ومواقف نقابية ومؤشرات اقتصادية لا تبعث على الارتياح، لا أحد يتحدث عنها، أو يأخذ بها إلا كوسيلة من وسائل «التحكم» ، كما لو أن المطلوب هو تحويل الأنظار من أزمة يمكن أن تنفجر إلى أزمة سيظل التحكم فيها هو الأصل!

السؤال الأول، هل يمكن أن تكون بوادر أزمة سياسية، مفتعلة كانت أو حقيقية بوابة للعودة إلى صلب القضية أي الأزمة الاجتماعية وبالتالي تسهيل بوادر الانفجار؟

السؤال الثاني، أليس في هذا المنحى خطورة جر الملكية نفسها إلى معترك الأزمة السياسية وبالتالي نقلها إلى عين العاصفة وليس إلى المربع المتحكم فيه؟

3- في اسبانيا هناك حديث فعلي عن ما بعد «اسبانيا الانتقال»، وتآكلها، وتعتبر كتابات سياسية متأنية وجادة ، (من قبيل ما كتبه اسحق روثا isaac rosa في يومية «لوموند» الصادرة في 28 يونيو)، تتحدث عن ما بعد الانتقال الأول، ولكن أيضا عن عيوب الانتقال الذي تودعه، ومنها 40 سنة من الدكتاتورية إضافة إلى نقط الضعف الكامنة في الانتقال نفسه.

يمكن، من باب المبالغة الحديث عن 40 سنة من السلطوية التي ميزت الحقل السياسي والحديث عن الفعالية عوض قوة التمثيلية الشعبية والسعي إلى الحداثة على حساب الديمقراطية، كعناصر تعطيل الانتقال ، إضافة إلى ما سام الانتقال نفسه من عيوب والتي زاد الفساد الإداري والمجتمعي من تراكمها..كما يمكن الحديث عن «دورة تجريبية في الانتقال المغربي» بسبب تجديد إشكالاته مع صعود قوى الإسلام السياسي وتغيير إبدالاتهparadigme أي من البحث عن تراكم الإصلاح إلى السعي إلى تراكم .. الثقة!

4- من المحقق أن »التفاوض «الذي نحن بصدد الحديث عنه سيفرز ميزان قوة جديدا بعد أكتوبر، ومهما كانت عناصر هذا الرهان سيكون أمام البلاد زمن طويل ومعقد لكي تعيد رسم ملامحها .

ومن الصعب مجاراة الأستاذ عبد الإله بنكيران في تخوفاته، مهما كانت مشروعة، لأن العودة إلى الوراء أصبحت صعبة، إقليميا ودوليا ووطنيا، غير أن ذلك لا يعني أن زمن الانتقالات التجريبية انتهي..وقد يتخذ شكل «سلم سياسي» بمشاركة الجميع، فمن يدري ما تخرجه صناديق الاقتراع في البلاد، لا سيما عندما تكون الدولة أمام اختبار طبيعتها التي تريد لنفسها، وتكون أمام تفاوض علني على مرأى من المغاربة.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *