الاقتصاد في الماء واجب وطني
(عادل الزعري الجابري)
ندرة المياه ليست موضوعا للجدل وتأثيث وتنشيط النقاشات التلفزية حول مستقبل الكوكب. إنها حقيقة قاسية تتزايد حدتها يوما بعد يوم بسبب توالي حالات الجفاف والاحتباس الحراري العالمي، وأيضا وقبل كل شيء بسبب السلوك البشري.
وتقدر التوقعات، الأكثر تفاؤلا، أن ثلثي سكان العالم يمكن أن يعيشوا في ظروف قاسية من الإجهاد المائي بحلول سنة 2025.
والوضع ينذر بالقلق في القارة الإفريقية، حيث غالبا ما يأخذ تأثير تغير المناخ منعطفا دراماتيكيا (كوارث طبيعية، مجاعة، نزوح جماعي ..).
وفي المغرب، ومنذ سنة 1980، ظهرت تأثيرات التغيرات المناخية في الاتجاه نحو الجفاف، وتراجع إمدادات المياه، وارتفاع درجات الحرارة والظواهر المتطرفة (الفيضانات، وموجات الحرارة..)، لكن إشكالية الماء أفلتت من سيناريو كارثي، وذلك بفضل سياسة حكيمة لتدبير الماء بدأت في وقت مبكر جدا عبر، على الخصوص، بناء السدود، وإعادة استخدام مياه الصرف الصحي. ومع ذلك، تواجه هذه الجهود الآن عجزا ملحوظا بتراجع هطول الأمطار والضغط القوي على الموارد المائية.
ويقدر الخبراء الموارد المائية في المغرب بأقل من 650 متر مكعب للفرد سنويا، مع العلم أنه ينبغي أن نتجاوز ألف متر مكعب لتجنب ندرة المياه.
ومنذ سنة 2022، لم تعد إمدادات المناطق الحضرية بالمياه الصالحة للشرب، التي تمثل 10 في المائة فقط من احتياطي المياه، مضمونة كما كانت من قبل، ناهيك أنه لا يمكن تلبية الاحتياجات المائية الفلاحية للمناطق المسقية، مما يؤدي إلى زيادة اللجوء إلى الاستغلال المكثف للمياه الجوفية، المتواجدة بالفعل في حالة من الاستغلال المفرط مع تسجيل عجز كبير.
ويرى الأستاذ الباحث في علوم الماء بكلية العلوم عين الشق بالدار البيضاء، فؤاد عمراوي، أن الوضع المائي الحالي “غير مسبوق ومثير للقلق جدا، لأن احتياطياتنا المائية في أدنى مستوياتها في أغلب سدودنا”.
وأشار إلى أنه عند متم يناير “امتلأت سدودنا بنسبة 23 في المائة فقط، مع وجود فوارق كبيرة جدا بين الجهات”، مسجلا أن السدود في الجهة الشرقية وفي الوسط والجنوب شهدت معدلات امتلاء منخفضة، كسد المسيرة شبه الجاف، وسد بين الويدان الذي تبلغ نسبة امتلائه حوالي 5 في المائة.
وعلى الرغم من هذا الوضع المائي، الذي يتسم بالإجهاد المائي المزمن، فإن الموارد المائية، خاصة المياه الجوفية، تتعرض للاستغلال المفرط، والمواطن لم يتخلص من بعض السلوكيات التي تهدد الأمن المائي للبلاد.
وفي هذا الصدد، قال الأستاذ عمراوي إن “علاقتنا بالمياه يجب أن تتغير. ويتعين أن تكون الكلمات المفتاحية : التدبير المعقلن، الاستهلاك المسؤول، الاقتصاد في استهلاك الماء، والترشيد”.
وأمام الجهود الذي تبذلها الدولة، تحت القيادة الحكيمة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، الذي يسهر على المتابعة الشخصية الدائمة لهذه القضية الاستراتيجية من أجل مواجهة تحدي الأمن المائي وضمان التزود بالمياه الصالحة للشرب على مستوى جميع جهات وجماعات المملكة، يتعين على مستعملي المياه تحمل نصيبهم من المسؤولية من خلال تغيير عاداتهم الاستهلاكية وتبني سلوك المواطن البيئي.
وبالفعل، انطلقت حملة إعلامية تهدف إلى التحسيس بضرورة الاقتصاد في استهلاك المياه. وتشارك مساجد المملكة في هذا السياق التوعوي الصارم والمسؤول للتذكير، خاصة خلال إلقاء خطب الجمعة، بأهمية تجنب الهدر والاستغلال المفرط للمياه.
كما أعطيت تعليمات صارمة على المستوى الجهوي، مع الأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات المحلية، من أجل، على الخصوص، ترشيد استهلاك المياه وكشف وإصلاح التسربات في الشبكات، ومنع سقي المساحات الخضراء بالمياه الصالحة للشرب، وإغلاق الحمامات ووحدات غسل السيارات لبضعة أيام في الأسبوع، ومنع ملء المسباح. مجسدة بذلك جهود السلطات العمومية الملموسة.
وإذا كان المغرب قد تمكن حتى الآن من تدبير الوضع بشكل جيد من خلال مجموعة من الإجراءات الرامية إلى تعبئة جزء كبير جدا من مياهه السطحية والجوفية بغية جعلها متاحة في جميع الأوقات، فإن المواطن يواصل لامبالاته، متجاهلا بأن الماء الذي يخرج من الصنبور نعمة يجب الحفاظ عليها من الزوال.
ولهذا تأتي أهمية دعوة الأستاذ عمراوي “السكان إلى الانخراط في الجهود الوطنية الرامية للاقتصاد في المياه”، إذ “ينبغي لكل شخص من موقعه، ومن منطلق الروح المواطنة، أن يقلل استهلاكه للماء في ممارساته اليومية (الاستحمام، الطبخ، التسريبات، الحديقة…)، والهدف هو الصمود لأطول فترة ممكنة، على أمل أن تجلب لنا الأشهر القليلة المقبلة أمطار الخير”.